شهادة بيروتي.. يتحسّس من 7 أيّار جديد
تغيرت ملامح بيروت، لكن النغمة القديمة بقيت على حالها. فكلّ من يعترض على المشاهد المستفزة التي تملأ شوارع بيروت يُتّهم بالـ “صهيونية”.. أنا لست صهيونياً… أنا بيروتي خائف على مدينتي وهويتي وأهلي. أحزن لما آلت إليه الشوارع، وللفوضى التي غيّرت ملامحها..
كتب عمر قصقص لـ “هنا لبنان”:
ما إن بدأت المعارك تتصاعد في جنوب لبنان بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله حتى بدأت العاصمة تكتظّ بعشرات الآلاف من النازحين وكان أهالي بيروت في استقبالهم.
هؤلاء فتحوا قلوبهم قبل منازلهم، وشرّعوا أبواب مدارسهم ومطاعمهم لأهلهم الهاربين من قسوة الموت والحرب من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.
لكن لهذا النزوح أيضاً، قصص أخرى بشعة تنسجها الفوضى والتشبيح، جولة واحدة في شوارع المدينة كافية لتسمع مئات القصص من أهلها الذين اقتُحمت منازلهم بالقوة كي يقطنها النازحون المحسوبون على حركة أمل وحزب الله.
من بين القصص التي سمعتها، أخبرني صاحب شقة في منطقة قريطم، وهو يقيم ويعمل في دبي، أنه تلقى عند منتصف الليل تحديدًا، اتصالًا من الناطور يخبره بوجود أشخاص غرباء داخل شقته. على الفور، بادر صاحب الشقة إلى الاتصال بأقاربه، الذين سارعوا إلى الموقع. لكن المفاجأة كانت عند محاولة فتح الشقة، إذ وجدوا أنّ الباب مغلق بإحكام، ولم يتمكنوا من الدخول. وعندما استفسرتُ منه عن السبب، أوضح لي أنّ النازحين قد كسروا الباب بعد معرفتهم بأنّ الشقة خالية، واستبدلوا القفل بآخر جديد. فتدخلت القوى الأمنية، التي أمهلتهم 48 ساعة للإخلاء.
ثلاثة أسابيع كانت كافية كي تبدأ معالم المدينة بالتغيّر. فمن يمرّ بالقرب من عين المريسة، والروشة، والرملة البيضاء، يجد الخيام التي نصبها النازحون وكأنها بيوت مؤقتة، تحيط بها أعداد غفيرة من الشبان والدراجات النارية، وهؤلاء يثيرون استفزاز المارة.
وعلى أطراف هذه التجمعات، تنتشر النراجيل والبسطات، والتي تحيط بها أيضاً مئات الدراجات النارية والتي تبدو وكأنّها درع لحماية هذه الفوضى.
أما شارع الحمرا، فله حكاية أخرى؛ فقد أطلق أهالي رأس بيروت عليه لقب “الليلكي”. النراجيل تتناثر على الأرصفة، تفترش الطرقات بلا اكتراث، والزحام يخنق كل زاوية رغم وجود أماكن شاغرة رفض النازحون الانتقال إليها.
شارع الحمرا الذي بدأ يفقد هدوءه القديم، لم يكفهِ كل هذا الصخب، إذ تظهر الأسلحة الفردية علنًا، لتضيف إلى المشهد مزيدًا من التوتر، وكأن المكان تحول إلى ساحةٍ مفتوحةٍ، تحكمها الفوضى والعشوائية.
ويبقى السؤال هنا واحدًا: ماذا لو نزح أهالي بيروت إلى مدينة بنت جبيل والنبطية، وفعلوا ما يفعله النازحون في بيروت؟ كيف ستكون ردّة فعلهم؟ هل سيقبلون بزحام الأرصفة، وانتشار النراجيل، وعدم الاحترام والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة؟ وهل سيرضون برؤية الأسلحة وكأنّها موجهة إليهم بدلاً من أن تتوجه إلى الإسرائيلي؟
هذا ليس سؤالاً يستحق التفكير، بل إشكالية تتمثل بامتحان صعب يرتبط بواقع أصعب فُرض على لبنان وعلى عاصمته بيروت، هذه العاصمة التي قاتلت الإسرائيلي قبل أن يولد حزب الله من الرحم الإيراني، وقدمت خيرة أبنائها شهداءً دفاعاً عن لبنان وسيادته واستقلاله وحريته.
ملامح بيروت، تغيّرت اليوم، لكن النغمة القديمة بقيت على حالها. فكل من يعترض على المشاهد المستفزة التي تملأ الشوارع، يُتهم بالصهيونية. وعندما تأتي القوى الأمنية أو الجيش اللبناني لإخلاء مبنى اقتحمه النازحون، يصبحون هم أيضًا صهاينة. ومن يعترض على من أشعل شرارة الحرب يُوصم كذلك بالصهيونية، ومن يرفض السلاح غير الشرعي هو أيضاً بالنسبة لهؤلاء صهيوني. بل حتى هذا المقال لن ينجو من تلك التهمة، إذ سيتولى الذباب الإلكتروني نشره على تويتر، مرددًا أنّ كاتبه صهيوني أيضاً.
ولكن، أنا لست صهيونياً… أنا بيروتي خائف على مدينتي وهويتي وأهلي. أحزن لما آلت إليه الشوارع، وللفوضى التي غيّرت ملامحها.
أنا بيروتي، ولي الحق أن أسأل: لماذا كل هذا الحقد على بيروت التي تستقبل كل من يقصدها وتفتح أبوابها وتسكن في روحه بجماليتها وتُسكنه أيضاً هي روحها؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
نصرالله يضع لبنان أمام عقدة المشنقة! | بيروت بين الأبيض والأسود: أنا لا أموت! | كوع الكحّالة يمرّ من بعبدا..! |