العالم لا يثق بوعود لبنان
الحقبة الحالية هي أسوأ ما مر على لبنان من تداعيات وصفقات لم تحقق أي تسوية قادرة على ضمان عدم تكرار النزاعات بعد فترة، علماً بأنّ الشغور الرئاسي الحالي الذي قارب السنتين يسقط جميع المهل المحددة للترشح للإنتخابات الرئاسية ومنع الترشح وشروط الطعن في الترشيح، كون الشغور بحد ذاته مسقط لمهلة إنتخاب رئيس الدولة وهي أرفع المهل الدستورية كلها
كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:
معضلة لبنان الحقيقية تكمن في أنّ غالبية دول العالم المعنية بأوضاع الشرق الأوسط وبأوضاع لبنان تحديداً لا تثق بوعود المنظومات اللبنانية الحاكمة منذ قرابة عقدين لأنها تتعهد بما لا تنفذه، بغض النظر عما إذا كان السبب هو عدم قدرتها على التنفيذ أو عدم رغبتها في التنفيذ.
دبلوماسي عربي رفيع ضليع في الشأن اللبناني لفت إلي إنّ جميع المنظومات التي حكمت لبنان منذ العام 2006 قالت إنها ستلتزم بتطبيق القرار الأممي 1701 “علماً بأنّ أيًّا من هذه المنظومات التي حكمت، كما التي تحكم حالياً، لم تفعل أي شيء لتطبيق القرار المذكور، ولم تعلن لماذا لم تفعل أي شيء، هل لعدم مقدرتها على التنفيذ، أم لعدم رغبتها في التنفيذ.”
وأضاف: “دول العالم المعنية بالشأن اللبناني تتعاطى مع المنظومات التي حكمت منذ العام 2006 حتى الآن وفق المثل الشهير (إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم).”
وأوضح أنّ “مشكلتنا مع لبنان هي أننا ندري والمنظومات الحاكمة خلال 18 سنة تدري أننا ندري لكننا نتعامل مع لبنان دبلوماسياً وكأننا لا ندري، ولبنان يتعامل معنا وكأنه لا يدري أننا ندري.”
المسألة أبعد من بنود القرار 1701 الذي تعمل دول العالم على آلية جديدة لتطبيقة تشمل، من بين عدة أمور أخرى، تكليف قوة مراقبة متعددة الجنسيات وواسعة الصلاحيات تضمن دقة التنفيذ مع صلاحية إحالة المخالفات مباشرة إلى مجلس الأمن الدولي لإتخاذ إجراءات جذرية للحفاظ على السلم وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
كما تشمل الآلية المقترحة لضمان دقة تنفيذ مندرجات القرار 1701 تموضع فرق من قوة المراقبة في جميع المعابر البرية، والمرافئ البحرية، والمطارات لتنفيذ إجراءات تفتيش دقيقة وواسعة تتوافق مع “مندرجات” القرار 1701 والتي تتضمن ضرورة بسط الحكومة اللبنانية سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية طبقا لبنود القرارين 1559 و1680 الصادرين في العام 2006 ولبنود إتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية وأقر حل جميع الميليشيات وتسليم أسلحتها للدولة اللبنانية، وهو ما لم يسمح حزب الله للمنظومات اللبنانية المتعاقبة على الحكم بمقاربته.
يذكر أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يمثل ما يعرف بالثنائي الشيعي كان قد رفض كل ما له علاقة بالقرار 1559 رداً على سؤال صحفي، معتبراً أنه “صار وراءنا.”
لحزب الله حساسية خاصة تجاه القرارين 1559 و1680 وإتفاق الطائف وكل ما يدعو إلى حل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية، وحاول الإلتفاف على هذا الأمر بإقرار معادلة “جيش-شعب-مقاومة” وذكر عبارة “حق الشعب اللبناني في مقاومة الإحتلال” في البيانات الوزارية للمنظومات المتعاقبة على السلطة.
هل تقبل المرجعيات الدولية-الإقليمية المعنية بالشأن اللبناني بمعادلة “جيش-شعب-مقاومة”؟؟؟
الدبلوماسي العربي شدد على أنه “لا يوجد عقل ولا عاقل يقبل بهذه المعادلة التي يعجز أي مرجع قانوني عن تبرير دمجها لثلاثة تناقضات، فلا يمكن لأي مدرسة قانونية جمع الجيش النظامي والمقاومة غير النظامية إلا في الدول الشمولية حيث تكون المقاومة هي جيش الحزب الحاكم وتكون إحدى مهامها حماية الحاكم من أي إنقلاب عسكري، ولا يمكن لأي منظّر قانوني أن يضع الشعب بين نقيضين، أحدهما نظامي والثاني غير نظامي ما يؤدي إلى إنقسام الشعب وإدخال البلاد في أتون حرب أهلية، إلا إذا كان الهدف الأساسي والنهائي منها هو تفجير بركان حرب أهلية كي تقضي حممه على معارضي الدكتاتور الحاكم، وتمكنه من البقاء ممسكاً بمقاليد السلطات الثلاث.”
هل تعتقد أنّ لبنان متجه إلى حرب أهلية؟؟
قال الدبلوماسي العربي إنّ إتفاق الطائف “الذي أنجزته المملكة العربية السعودية بالتشاور مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في أيلول سنة 1989 وأقره البرلمان اللبناني بعد شهر منهياً الحرب الأهلية اللبنانية وعرف بوثيقة الوفاق الوطني عجز فعلياً عن وقف الحرب الأهلية التي ما زالت مستمرة بعدة أشكال حتى اليوم، ومنها إحتكار حزب الله لقرار الحرب وإقامة مجموعة هائلة من المخالفات الأمنية والمالية واللوجستية التي عجزت أي سلطة لبنانية حتى عن الإعتراض عليها.”
وأضاف أن “وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو قال صراحة إن باريس متخوفة من حرب أهلية وشيكة في لبنان”.
أما الموفد الأميركي آموس هوكشتاين فقد أعلن بعد لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السراي الكبير أن “الجهود الدبلوماسية ناشطة للتوصل إلى وقف قريب لإطلاق النار، وميقاتي فشدد على أن “الأولوية هي لوقف إطلاق النار والتطبيق الشامل والكامل للقرار 1701 لكونه الركيزة الأساسية للاستقرار في المنطقة” لافتاً إلى أن “الجهود الدبلوماسية ناشطة للتوصل إلى وقف قريب لإطلاق النار”.
أما أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط فشدد بعد لقائه كلاً من بري وميقاتي على “أهمية الاسراع بانتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء حالة الشغور الرئاسي حتي تستعيد الدولة أحد أعمدتها الرئيسية وقدرتها على الاضطلاع بمهامها.”
الدعوة لإنتخاب رئيس للجمهورية التي تنادي بها كل الدول المعنية بالشأن اللبناني تبقى مدار صراع داخلي نظراً لإصرار البعض، وعلى رأسهم بري، على “التوافق” على شخص ليتولى الرئاسة ثم تكريسه في جلسة إنتخاب، صورية وهو ما يعكس رغبة حزب الله والمحور المتحالف مع إيران عموماً، ويقابل برفض جميع القوى السيادية لمبدأ التوافق على إعتبار أنه مخالفة دستورية ويهدف الإصرار عليها حالياً إلى تمكين كتلة نواب حزب الله من إختيار شخصية تؤمن لها مصالحها عندما تتولى كرسي الرئاسة.
الملفت في هذا الصدد أن بري يصر على أنّ ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون يحتاج إلى تعديل دستوري يتيح له الترشح فيما هو ما زال على رأس المؤسسة العسكرية، ما يتناقض تماماً مع موقف بري في جلسة إنتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان في 25 أيار العام 2008 عندما رفض طلباً من النائب الشيخ بطرس حرب لعقد جلسة خاصة لتعديل الدستور للسماح للعماد سليمان بالترشح للرئاسة، وذلك للحؤول دون إحتمال النقض برئاسته كونه إنتخب فيما لا يزال على رأس المؤسسة العسكرية.
لماذا رفض بري طلب النائب بطرس حرب سنة 2008 فيما يصر الآن على أن ترشيح العماد عون يحتاج إلى “تعديل دستوري وتوافق أكثر من 86 نائباً”؟؟؟
في هذا الصدد يُذكر أن بري رفض طلب حرب بخصوص إنتخاب العماد سليمان لأن جلسة إنتخابه تمت بعد 4 أيام فقط على تسوية الدوحة في 21 أيار العام 2008 حيث تم “التوافق” على سليمان لرئاسة الجمهورية، أما الآن فلب المشكلة هو رفض السياديين لمبدأ التوافق من أساسه، ما يحرم كتلة نواب حزب الله من إختيار الشخص الذي تريده للرئاسة كي يضمن لها إستمرار تأثيرها على الشأن العام لست سنوات آتية هي ولاية الرئيس العتيد.
في هذا الصدد يعتبر الدبلوماسي العربي الرفيع أن قوى 14 آذار التي شاركت في إجتماعات الدوحة خانت آمال وتطلعات شعبها وأعطت معسكر 8 آذار المؤيد لإيران ما لم يكن حاصلاً عليه.
أما حالياً، فالحقبة هي أسوأ ما مر على لبنان من تداعيات وصفقات لم تحقق أي تسوية قادرة على ضمان عدم تكرار النزاعات بعد فترة، علماً بأن الشغور الرئاسي الحالي الذي قارب السنتين يسقط جميع المهل المحددة للترشح للإنتخابات الرئاسية ومنع الترشح وشروط الطعن في الترشيح كون الشغور، بحد ذاته، مسقط لمهلة إنتخاب رئيس الدولة وهي أرفع المهل الدستورية كلها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لا يطلب وقف النار إلا الخاسر | هديتان من سوريا في نفس اليوم | فوز ترامب أسقط مهمة هوكشتاين في لبنان |