يا أحقر الناس!
يا أحقر الناس، يا أصحاب المعالي والسعادة ومن لف لفيفكم فوقكم وتحتكم، أنتم لا تبرعون بشيء سوى “الشحادة”… وها هي الحرب الإسرائيلية وقعت على رؤوسنا، واكتشفتم أنّ نائباً بالزايد أو بالناقص لا ينقذ طفلاً ولا يستر عائلة، وحجم كتلكم النيابية وقوة أحزابكم لا تطعم جائعاً ولا تروي عطشان
كتب جوزف طوق لـ”هنا لبنان”:
“يا أحقر الناس”… نعم، أنتم أحقر الناس، وما من مخلوق على وجه الأرض يستحق هذا اللقب أكثر منكم، فقد نلتم بكل جدارة شهادة الحقارة وبدرجة امتياز.
حقارتكم حقارة باليستية، عابرة للطوائف والمناطق والحدود الجغرافية، ولا تفرّق بين اللبنانيين عندما تحلّ الكارثة، فسرعان ما يدبّ فيكم النشاط والحنكة السياسية والعلاقات الديبلوماسية، وتتحوّلون إلى “شحّادين” متمرّسين بفنون “الشحادة” وخباياها، ولا يخجل واحد فيكم من إظهار أدنى مستويات التزلّف والانبطاح والتمرّغ على السجّادة الموضوعة أمام باب سفارة من هنا وبعثة أممية من هناك.
يا أحقر الناس، يا أصحاب المعالي والسعادة ومن لف لفيفكم فوقكم وتحتكم، تعرفون جيداً كيف تلهون الناس بمشاكلكم الخاصة وبحساباتكم الضيّقة حتى يعتقد الناس أنها معضلتهم الفعلية. سنوات وسنوات من عدم الالتفات إلى أبسط مشاكل الناس وإلى أدنى مقوّمات الحياة انفجرت فجأة بوجوهنا على أصوات الطائرات الإسرائيلية التي تخطف لوننا قبل حياتنا.
من أين نبدأ؟ من أنكم لم تسمعوا في حياتكم مقولة “من يفتح باب مدرسة يقفل باب سجن”، وأنتم الذين أقفلتم أبواب مئات المدارس في لبنان بعد أن حولتموها إلى مراكز إيواء، لأنكم في أقل تقدير، وبعد انتهاء حرب تموز 2006، لم تضعوا خطّة لبناء ملاجئ في بلد معرّض على مدار الساعة للنيران الإسرائيلية. ولم تفكّروا بصرف قسم من سرقاتكم على بنى تحتية أساسية في أي حرب مدمّرة، أو خطط إنقاذ للحالات الطارئة، وما أكثرها في بلاد الأرز. أو نسألكم مثلاً عن حقوق أبطال الدفاع المدني، الذين يمضون أوقات فراغهم بين كارثة من هنا وحرب من هناك في الاعتصام أمام مكاتبكم للمطالبة بأبسط حقوقهم، كمرتّب شهري وضمان صحّي. هل نسألكم عن هؤلاء الذين لا نجد سواهم لانتشال جثثنا من تحت الأنقاض أو بلسمة جراحنا على طرف حائط مهدود. وهل نسألكم عن الصليب الأحمر اللبناني الذي يقود سياراته المهترئة بين الصواريخ الذكية والقنابل الفسفورية، وأنتم أرخص سيارة في مواكبكم المقدّسة يكفي ثمنها لشراء أسطول من أحدث سيارات الإسعاف، في بلد يعيش على الإنعاش. أو نسألكم ربما على معاشات الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي التي محيتموها بهندساتكم وفسادكم وباتت لا تكفي لدفع أجرة باص عمومي، ومن ثم نطلب من الجيش الحفاظ على الأمن والاستقرار وسط تبدّل جغرافي وديموغرافي قاتل ولا يُحتمل. أو يجب أن نسألكم على الهامش عن الحريق الذي اندلع في منطقة المتن خلال الحرب، وأنهكت نيرانه قوى الدفاع المدني، إلى درجة أنّ أهالي المنطقة بدأوا يطالبون الناس بالتبرّع بالماء وثمن الصهاريج للمساعدة في إخماد الحريق… نعم، في بلد المياه، كان اللبنانيون يطلبون تبرعّات بالماء بسبب سدودكم الفارغة وخطط مياهكم الناشفة.
ليس هناك في الدنيا دولة تحترم نفسها، هناك فقط دول تحترم مواطنيها… وأنتم لا تحترمون اللبنانيين على أي مستوى من المستويات، لا في الحرب ولا في السلم، ولا في التعليم ولا في الإيواء، ولا في الإنقاذ ولا في الصمود.
أنتم، يا أحقر الناس، لا تبرعون بشيء سوى “الشحادة”… وها هي الحرب الإسرائيلية وقعت على رؤوسنا، واكتشفتم أنّ نائباً بالزائد أو بالناقص لا ينقذ طفلاً ولا يستر عائلة، وحجم كتلكم النيابية وقوة أحزابكم لا تطعم جائعاً ولا تروي عطشاناً. وقعت الحرب، ولم تجدوا شيئاً تفعلونه سوى الزحف إلى المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والكويت والأردن ومصر وفرنسا وأميركا وأوروبا لطلب كرتونة إعاشة تمنّون بها شعباً تقتله حقارتكم قبل أن تصل إليه الصواريخ والقذائف.
أنتم يا أحقر الناس “تشحدون” بإسمكم وليس بإسمنا، لأننا نحن أبناء وطن قادر أن يحفظ كرامتنا ويرفع شأننا مهما اشتدت المصائب علينا… وطننا يملك ما تسرقونه وتتقاسمونه فيما بينكم، حتى لم يبقَ لنا سوى أن نقول “اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا”، ولكل دول العالم وبالأخص الدول العربية الكريمة نقول “لا تؤاخذونا بما فعل الحقراء منا”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
وطن النزوح أنا هنا! | نصر الله.. و”درب الشهادة”! | كذب الممانعون ولو صدقوا! |