ماذا سيبقى من “حزب الله”؟
ماذا سيبقى من “الحزب” إذا لم يعد تنظيماً عسكرياً؟ وهل سيتحول حزباً سياسياً على غرار الأحزاب الأخرى أم إنّ دوره سينتهي لأنه في الأساس ليس سوى تنظيم عسكري يتحرك سياسياً؟
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
ليس هناك ما يوحي بانتهاء الحرب قريباً بين إسرائيل و”حزب الله”. والتسريبات الإسرائيلية عن تسوية ممكنة خلال أسابيع قليلة تبدو مناورات غير واقعية. فالتسوية التي يطرحها الإسرائيليون، وفق ما كُشِف عنها، لا تقف عند المطالبة بتنفيذ القرار 1701، بل تمنح إسرائيل حقَّ الإشراف المباشر على التنفيذ، بما في ذلك السماح لها بأن ترصد المعابر اللبنانية براً وبحراً وجواً، وأن توجه ضربات نارية إلى أي هدف تريده، إذا اكتشفت فيه محاولة لإعادة تسليح “حزب الله”. وبالطبع، سارع الجانب اللبناني إلى رفض هذه التسوية. ولذلك، ستستمر الحرب.
في الأيام الأخيرة، قللت إسرائيل من ضرباتها للمناطق الكثيفة السكان في الضاحية الجنوبية لبيروت، تجاوباً مع طلب إدارة جو بايدن عشية الانتخابات الرئاسية. لكنها، في المقابل، لا تهدر أي لحظة لضرب قدرات “حزب الله” في الجنوب والبقاع والجبل والمناطق الأخرى، أي للتخلص تماماً من الخطر الذي يشكله، حالياً وفي أي يوم في المستقبل.
وفي الواقع، رفعت إسرائيل سقف شروطها إلى الحد الأقصى عندما طالبت بالإشراف على المعابر. ولأن هذا الشرط يشكل تحدياً سيادياً يصعب على الحكومة اللبنانية أن تتقبله، فإنها في النهاية توافق على تسوية تقضي بأن تتولى هذه المهمة قوات دولية أو متعددة الجنسيات، من دول غربية فاعلة كفرنسا وبريطانيا وألمانيا. فالمهم هو وجود جهة تضمن انقطاع الإمدادات العسكرية عن “الحزب”، بشكل فاعل وحاسم، بحيث لا يستعيد بناء قوته على امتداد المناطق اللبنانية أولاً، ثم في الجنوب.
في الترجمة العملية، لا يريد الإسرائيليون العودة بأيّ شكل إلى القرار 1701 في صيغته التطبيقية السابقة، أي بتجاهل القرارين 1559 و1680. فقد أظهرت التجربة أنّ استمرار نمو “حزب الله” كقوة عسكرية، في الداخل اللبناني، وحصوله على مختلف أنواع السلاح والذخائر براً وبحراً وجواً، سيقود حتماً إلى إمساكه بقرار الدولة اللبنانية، وسيخوله تلقائياً خرق خط الليطاني والتمدد مجدداً إلى الجنوب عاجلاً أو آجلاً. وهذا الأمر يفتح الباب لتكرار تجربة “طوفان الأقصى” وما بعدها في لبنان.
وفوق ذلك، يتحسب الإسرائيليون للتطور التكنولوجي الهائل الذي شهدته منظومات الصواريخ والمسيرات منذ أن صدر القرار 1701 في العام 2006. فإذا كان خط الليطاني قد شكل ضماناً مقبولاً لحدود إسرائيل الشمالية حينذاك، فإن التطور التكنولوجي بات يستدعي تراجع “حزب الله” إلى خطوط أبعد من الليطاني بعشرات الكيلومترات. ولذلك، تقوم إسرائيل بضرب مستودعات “الحزب” ومنصاته ومراكزه أينما وجدت، في البقاع والجبل والضاحية، إضافة إلى الجنوب، وهدفها الأساسي هو منع وصول إمدادات جديدة إليه، لكي تضمن أنه لن يعيد بناء قوته التي تم تدميرها.
في عبارة أخرى، تدفع إسرائيل بـ”الحزب” إلى الانحلال كتنظيم عسكري، وإلى أن يكون نزع سلاحه كاملاً ودائماً. وهي لن توقف الحرب قبل بلوغ ذلك. وبديهي أن يصبح تحقيق هذا الهدف أسهل إذا تم إضعاف إيران. ولذلك، يخطط بنيامين نتنياهو ورفاقه لضربة كبرى تستهدف مقومات طهران الاستراتيجية ونظامها، عندما يتاح ذلك. فهذه الضربة ستتكفل، في تقدير الإسرائيليين، إلى إضعاف الرأس وفك ارتباطه بالأطراف.
ما يفعله “حزب الله” الآن هو الاختباء وراء الحكومة اللبنانية لعلها تنجح في تسويق الـ1701 وفق الصيغة التطبيقية السابقة، فتكون لديه فرصة للالتفاف والاحتفاظ بقدرته على التسلح في المستقبل. لكن إسرائيل لا تبدو في وارد الموافقة على تسوية من هذا النوع. ولذلك، سيجد “الحزب” نفسه مجبراً على قبول الشروط المفروضة، سواء باكراً أو في نهاية الحرب.
وأياً كانت المساومات الجارية مع إسرائيل، فإنها لا تبدو في صدد العودة إلى التفسير الملتبس للقرار 1701. وهي تصر على منع “حزب الله” من بناء قدراته العسكرية على أنواعها. وهذا الأمر سيؤدي إلى تغيير جذري في المعادلة الداخلية. إذًا، ماذا سيبقى من “حزب الله” إذا لم يعد تنظيماً عسكرياً؟ وهل سيتحول حزباً سياسياً على غرار الأحزاب الأخرى أم إن دوره سينتهي، كما يقول البعض، لأنه في الأساس ليس سوى تنظيم عسكري يتحرك سياسياً؟
في أي حال، يبدو “الحزب” أمام المفترق المصيري الأول في تاريخه. وسيكون صعباً عليه التفلت من موجباته واستحقاقاته.
مواضيع مماثلة للكاتب:
صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ | لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً | استنفار قيادي درزي منعاً لأي مغامرة |