الجيش جنوباً: جهوزية تنتظر الإفراج عن القرار 1701
في ظل غياب الغطاء السياسي الكامل من الحكومة اللبنانية، يجد الجيش نفسه مكبّلاً غير قادر على بسط سيطرته الكاملة في الجنوب أو مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة. وبين محاولات تعزيز دوره الرسمي من جهة، وهيمنة الحزب ورفضه تسليم سلاحه من جهة أخرى، يظل مستقبل الجيش اللبناني ودوره في الجنوب مسألة حساسة تعكس الانقسام السياسي العميق في البلاد
كتب جوني فتوحي لـ “هنا لبنان”:
يشكّل الجيش اللبناني إحدى الركائز الأساسية لاستقرار الدولة وحماية سيادتها، لكن دوره في الجنوب بات محور جدل كبير نتيجة التداخل بين السياسة المحلية والتوازنات الإقليمية. فمنذ صدور القرار الدولي 1701 عقب حرب تموز 2006، وُضع الجيش في موقف معقّد بين واجبه في تنفيذ مهامه الأمنية ومحدودية صلاحياته الفعلية، بفعل النفوذ المتنامي لحزب الله. وفي ظل غياب الغطاء السياسي الكامل من الحكومة اللبنانية، يجد الجيش نفسه مكبّلاً، غير قادر على بسط سيطرته الكاملة في الجنوب أو مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة. وبين محاولات تعزيز دوره الرسمي من جهة، وهيمنة حزب الله ورفضه تسليم سلاحه من جهة أخرى، يظل مستقبل الجيش اللبناني ودوره في الجنوب مسألة حساسة تعكس الانقسام السياسي العميق في البلاد، لكن جهوزية المؤسسة وقيادتها لحماية لبنان قائمة، وهي تنتظر تبلور التسوية الكبرى بدءاً من وقف إطلاق النار مروراً بكل الترتيبات المتعلقة بتنفيذ القرار الدولي 1701 بكل مندرجاته.
بولس: الجيش اللبناني في الجنوب أسير
في هذا السياق، قال الصحافي طوني بولس: “الجيش اللبناني يواجه تحدي القرار السياسي، فالقرار حتى الآن في الحكومة لا يزال يمنع إعطاء الجيش صلاحيات كاملة في الجنوب لكي يصبح هو المسؤول الأمني عن إدارة أمن المنطقة. وبالتالي، الجيش مقيّد بالقرار السياسي الذي تتخذه الحكومة اللبنانية، والذي حتى الساعة لا يزال يعطي صلاحيات لحزب الله تحت عنوان جيش، شعب، ومقاومة.”
وأضاف: “مشكلة الجيش اللبناني ليست في التجهيزات العسكرية والتمويل بشكل رئيسي، بل في الغطاء السياسي. قوة الجيش اللبناني في مواجهة إسرائيل لا تكمن في قدراته العسكرية، لأنه لن يستطيع حتى في المستقبل التفوق عسكرياً على الجيش الإسرائيلي. إنما قوة الردع هي في شرعية هذا الجيش، بصفته جيشاً نظامياً شريكاً للجيوش العربية والدولية. هذه الشرعية تمنحه الحصانة وتمنع إسرائيل من مهاجمته، على عكس حزب الله الذي يُعتبر ميليشيا، وتُصنّفه معظم دول العالم كمنظمة إرهابية. بالتالي، تدّعي إسرائيل أنّ هذه الميليشيا تهدد أمنها القومي الداخلي، مما يمنحها الشرعية لاستهدافها في لبنان. لذلك، قوة الجيش لا تكمن فقط في قدراته العسكرية، بل في الإجماع الشعبي والثقة العربية والدولية التي يتمتع بها.”
وعن تداخل الأدوار بين الجيش وحزب الله، أشار بولس إلى أنّه: “بكل تأكيد، لا يمكن لجيشين أن يتواجدا على نفس الأرض. وجود حزب الله يعرقل مهمة الجيش اللبناني، وهناك تداخل واضح في هذا الموضوع. هذا ما جعل الجيش اللبناني في الجنوب أسيرًا، أسيرًا بين إسرائيل وحزب الله، وبالتالي غير قادر على التحرك أو اتخاذ القرارات في الجنوب. من هذا المنطلق، لكي يتحمل الجيش اللبناني مسؤوليته في الجنوب، يجب أن يكون منفردًا، دون وجود جيش آخر إلى جانبه.”
وعن خطة قائد الجيش، قال: “حتى الساعة، لا توجد أي استجابة من الحكومة لمطلب قائد الجيش، مع أن المفترض في هذه الظروف أن تعلن الحكومة الجنوب منطقة عسكرية وتسلّمه للجيش اللبناني. بذلك، يصبح الجيش هو الجهة التي تحدد آلية انتشاره وعدد عناصره، بينما تتولى الحكومة تزويده بالإمكانيات المالية والتمويلية والتغطية السياسية. هذا هو السبيل لنجاح خطة قائد الجيش في تحقيق الأمن والاستقرار في الجنوب. لكن ما يحدث حاليًا هو العكس، فالحكومة اللبنانية لا تزال تتحدث نظرياً عن التزامها بالقرار 1701، دون أن تغيّر من صلاحيات الجيش أو تمنحه الغطاء السياسي المطلوب، ما يعني أنها غير متجاوبة مع خطة الجيش اللبناني.”
وأضاف بولس: “الضمانة الأساسية لتطبيق القرار الدولي 1701 هي نزع سلاح ميليشيا حزب الله، لأن هذا السلاح يقوّض الشرعية الدولية ودور الجيش اللبناني في الجنوب. بالعودة إلى عامي 2005 و2008، عندما بدأت الحكومة اللبنانية بتنفيذ القرار الدولي، وضمنه القرار 1701، اتخذت الحكومة قرارات سيادية، منها تغيير رئيس جهاز أمن المطار وتفكيك شبكة اتصالات حزب الله. لكن حزب الله انقلب على هذه القرارات واحتل بيروت، ما اضطر الحكومة إلى التراجع عن قراراتها. منذ ذلك الحين، توقفت الحكومة عن تنفيذ القرارات الدولية بسبب هيمنة حزب الله وسلاحه، بل تماهت معه وأصبحت حكومة حزب الله. في السنوات الأخيرة، حاولت البعثات الدبلوماسية في الأمم المتحدة حذف القرارين 1559 و1680 من نص القرار الدولي 1701، لكن هذه المساعي فشلت لعدم حصولها على إجماع دولي، رغم الجهود التي قادها حزب الله بغطاء من الحكومة اللبنانية.”
وتابع: “قوات اليونيفيل أيضًا تعرضت لهجمات متكررة من ميليشيا حزب الله في الجنوب، مثل الهجوم على الكتيبة الإسبانية في منطقة الخيام عام 2007، الذي أدى إلى مقتل خمسة جنود. الهجمات والتعديات المتكررة على قوات اليونيفيل قوضت دورها، حتى بعد تعزيز مهامها عبر تجديد ولايتها عام 2022 ومنحها صلاحيات إضافية. ومع ذلك، وُوجهت القوات بالرفض الشعبي وعرقلتها تحت عنوان الأهالي. هذا أدى إلى تقييد دورياتها، ما منعها من تنفيذ المهام الموكلة إليها وفق القرار 1701. ظهور بعض الأنفاق قرب مراكز اليونيفيل يدل على أن هذه القوات كانت محاصرة ضمن مواقعها وغير قادرة على ممارسة فعالية خارجها، في حين تمكن حزب الله من الالتفاف على القرار الدولي عبر جمعية أخضر بلا حدود، التي كان يتحرك تحت غطائها بحجة أنها جمعية أهلية وبيئية.”
عبد الساتر: “سلاح المقاومة باق، شاء من شاء وأبى من أبى”
من جهة أخرى، قال الإعلامي والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر: “لا أدري إذا كان وجود الجيش اللبناني هو لتأمين الحدود مع إسرائيل أم لحماية لبنان. هذا سؤال يجب أن يُطرح بوضوح. فالمطلوب الآن، كما يبدو، أن يكون الجيش اللبناني حارسًا لحدود إسرائيل، وهذا أمر غير وارد على الإطلاق. نعم، هناك مطلب بانتشار الجيش وفق القرار 1701، لكن وظيفة الجيش اللبناني لا ينبغي أن تكون موضع خلاف. فماذا لو اعتدت إسرائيل على لبنان؟ هل سيقف الجيش متفرجًا؟ لأنه لا يمتلك أسلحة لمواجهة إسرائيل، أو لأنّ هذا ليس مطلوبًا منه سياسيًا؟ هذا يمكن أن يطعن في وطنية الجيش اللبناني، وهو ما لا يرغب فيه أحد في لبنان.”
وتساءل عبد الساتر: “ما الذي تريده الطبقة السياسية في لبنان من انتشار الجيش؟ هل الهدف فقط هو إبعاد حزب الله أم حماية لبنان؟ هذه معضلة حقيقية. المشكلة التاريخية في لبنان هي أنه لو كان هناك جيش لبناني قوياً سابقًا يحمي الحدود، لما تجرأت إسرائيل على اجتياح الأراضي اللبنانية. لكن الجيش كان دائمًا يُراد أن يكون وجوده شكليًا في الجنوب، وهذا يخالف العقيدة القتالية التي تأسس عليها بعد اتفاق الطائف. ومع ذلك، لا تكفي العقيدة القتالية، بل يجب أن يكون هناك تسليح مناسب للجيش اللبناني، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة، ربما لكي يبقى قرار الجيش غير واضح.”
وعن ضعف تجهيزات الجيش عسكريًا وماليًا، قال عبد الساتر: “الوضع الحالي للجيش بائس جدًا. الجيش يعتمد على المساعدات، وهذا أمر معيب بحق الدولة اللبنانية. الطبقة السياسية أفلسَت لبنان وحمّلت الشعب المسؤولية. والدليل على ذلك هو أموال المودعين التي لا تزال مفقودة، ولا أحد يعلم إن كانت ستعود. هذا الوضع انعكس على الجيش، الذي بات بحاجة إلى حملات لتأمين رواتبه وتغطية مصاريفه اللوجستية والتموينية. الجيش أيضًا يفتقر إلى الأسلحة الكافية لمواجهة إسرائيل، وهو قرار سياسي أكثر منه قرار عملاني.”
وأضاف: “من يتوقع أن يسلم حزب الله سلاحه يعيش في وهم. المقاومة باقية في لبنان لتحميه من العدو الإسرائيلي، شاء من شاء وأبى من أبى.”
وختم عبد الساتر: “نحن أمام عدو لا أمان له ولا ميثاق. إسرائيل خرقت القرار 1701 آلاف المرات، ولبنان والعالم التزموا الصمت. اليوم، الجميع يتحدث عن ضمانات، لكن أين كانت هذه الضمانات حين ارتكبت إسرائيل مجازر بحق لبنان؟ استخدام الفوسفور الأبيض أكبر انتهاك. في النهاية، لا يمكن للحكومة اللبنانية التنسيق مع جهات دولية دون اتفاق مع المقاومة.”
مواضيع مماثلة للكاتب:
إرث لبنان المهدد بين نيران الصراع وصمت العالم | سياحة على وقع الحرب ضربات متتالية على الرأس | لبنانيو أميركا: لوبي مؤثر تنتظره مهمة انقاذ |