القرار 1701 وألاعيب الطبقة السياسية
داخلياً “الحزب” لم يعد له موطئ قدم سياسي رغم محاولته الانتحارية لإثبات الوجود عسكرياً، فيما إقليمياً عرابه الإيراني يتحاشى الانغماس في حرب مع إسرائيل ويميل إلى وقف إطلاق النار بشروطه. أما نتنياهو فلم يعد متحمساً لتطبيق القرار 1701 بل يطمح للسيطرة على أجواء الجنوب بهدف إنهاء الدور العسكري للحزب
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
على إثر اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وتوتر البلد وانقسامه عمودياً بين أكثرية تريد عودة الدولة ومؤسساتها ومن يريد البقاء على ارتهان لبنان للنظام السوري ومن ثم الإيراني، كانت أول نتيجة انسحاب الجيش السوري في 26 نيسان من العام نفسه واندفاع “حزب الله” لملء الفراغ داخلياً بمشاركته لأول مرة في الحكومة اللبنانية، محضراً نفسه للإمساك بالملف الفلسطيني-الإسرائيلي رغم أن أمينه العام حينها السيد حسن نصرالله كان قد وعد على طاولة الحوار التي استحدثت بين القوى السياسية المتخاصمة أنّ صيف ذلك العام سيكون هادئاً ولن تحصل أي مواجهة مع إسرائيل. غير أنّ “حزب الله” فاجأ الجميع بخطف جثث ثلاثة جنود إسرائيليين بعد قتلهم مستدعياً حرباً إسرائيلية على لبنان دامت شهراً بالكامل، قتل خلالها أكثر من 2000 مدني ونحو مليون نازح، ودمرت الضاحية يومها بشكل كبير وكذلك البنى التحتية من طرقات وجسور. يومها عمل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي اتهم بالعمالة من قبل “حزب الله” جاهداً لوقف الحرب عبر الحصول على القرار 1701 في 12 آب 2006 سبقته النقاط السبع في مؤتمر روما التي اختصرت عملياً ما جاء في القرار . وقد ركز القرار 1701 في أولى فقراته على وقف كامل للأعمال العدائية، وسحب إسرائيل لجميع قواتها من لبنان بالتوازي مع انتشار الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” في مختلف أنحاء الجنوب. ثم أقر القرار البند الأهم وهو حل طويل الأمد يعتمد على نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان (أي “حزب الله”) من جنوب نهر الليطاني وأهمية السيطرة الكاملة للحكومة اللبنانية على كافة الأراضي اللبنانية.
وكانت المفارقة أن “حزب الله” نفسه وافق على القرار الذي يؤكد على نزع أو تسليم سلاح الميليشات أي سلاحه إذا كان الطرف الوحيد المسلح منذ ما بعد “اتفاق الطائف” الذي أقر في تشرين 1989 إذ قامت كل المليشيات بتسليم سلاحها أو بيعه ما عدا “حزب الله” بحجة أنه يقاوم إسرائيل، وهذا حصل بطبيعة الحال بضغط من النظام السوري. والمفارقة الأخرى هي أنّ معظم القوى السياسية وافقت على القرار 1701 وطبلت له على أساس أنه يعيد للدولة سيادتها وأحاديتها كسلطة وإذا بهم عملياً يتعايشون ويتساكنون مع “حزب الله” في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء منذ 2005 وحتى اليوم، ناهيك عن تحوله إلى سلطة شبه وحيدة أو مسيطرة على الوضع الأمني والعسكري في الجنوب، وتمدد نفوذه السياسي والأمني إلى مختلف أرجاء لبنان, لدرجة أنّ قوى تصنف نفسها سيادية تحالفت معه في الانتخابات، ومنها من أقام معه تحالفاً سياسياً مثل التيار العوني.
أما دور السنيورة في تلك المرحلة فكان التصدي لـ”حزب الله” في السراي بعد أن قام الأخير باحتلال وسط بيروت والسوق التجاري، وغزا بيروت عسكرياً في 7 أيار 2008، وعمل السنيورة على تشكيل المحكمة الدولية. في حين شكل اتفاق الدوحة الذي وافق عليه الجميع وتحفظت عليه “القوات” انقلاباً على اتفاق الطائف والدستور. ثم كان “مسك الختام” قانون الانتخاب والصوت التفضيلي الواحد الذي قدّم خدمة كبيرة لـ”حزب الله” ما مكنه من السيطرة على جميع مقاعد النواب الشيعة مع حركة أمل.
إن كل هده المحطات مهدت عملياً للحرب الإسرائيلية الحالية على لبنان. واليوم الجميع يعيد إلى حد ما طرح الموقف نفسه وممارسة المسرحية نفسها تجاه القرار 1701 مطالبين بتطبيقه، ولكن في الوقت عينه يتردد بعضهم ويضع العصي في الدواليب رغم اختلاف الظزوف الداخلية والإقليمية. ونبيه بري رئيس حركة أمل ورئيس البرلمان في حيرة من أمره، يرمي المسوولية في النهاية على نتنياهو صاحب “الجسم اللبيس”. فداخلياً “حزب الله” لم يعد له موطئ قدم سياسي رغم محاولته الانتحارية لإثبات الوجود عسكرياً، فيما إقليمياً عرابه الإيراني يتحاشى الانغماس في حرب مع إسرائيل ويميل إلى وقف إطلاق النار بشروطه. أما نتنياهو فلم يعد متحمساً لتطبيق القرار 1701 وهو يطمح إلى السيطرة على أجواء الجنوب بهدف إنهاء الدور العسكري لـ”حزب الله” كما يفعل حالياً. فماذا تنتظر القوى السياسية اللبنانية لفرض استعادة دور الدولة المركزية وسيادتها وسيطرتها على القرار؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
ورقة هوكشتاين في يد برّي أم في طهران | هوكشتاين يطأ بيروت وإسرائيل تكثّف النار | القمة الروحية تظهر التباين الشيعي |