تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون
لم تكن عملية إسرائيل في البترون هي التي رسمت التحوّل في العلاقات بين شريكي “التفاهم” عام 2006، بل أتى هذا التحوّل تباعاً منذ أشهر على لسان جبران باسيل تحت عنوان انتقاد “جبهة المشاغلة” التي فتحها “الحزب”
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
نفذت إسرائيل فجر الجمعة عملية خطف عماد امهز في البترون. ويعتبر “التيار الوطني الحر” هذه المنطقة معقله باعتبارها مسقط رأس جبران باسيل صهر مؤسس “التيار ” العماد ميشال عون وخليفته على رأس هذا التنظيم والنائب في البرلمان عن المنطقة نفسها. واذا ما مضينا في توصيف البترون لوجب القول انها معقل شريك “حزب الله” الذي ابرم معه “التيار” بشخص ميشال عون تفاهم مار مخايل الشهير عام 2006 . ولا تزال صورة مؤسس التيار والأمين العام السابق ل”الحزب” حسن نصرالله حية ترزق وفيها كم لا يحصى من الود الذي جمع الفريقيّن.
كيف تعامل “التيار” مع عملية الخطف الإسرائيلية التي استأثرت بالاضواء داخليا وخارجيا على السواء؟
اول موقف ل”التيار” من عملية البترون ظهر في تصريح تلفزيوني ادلت به امس نائبة رئيس التيار الوطني الحر للشؤون السياسية مارتين كتيلي. أي ان هذا الموقف صدر بعد مضي يومين على ما جرى . وفي هذا الموقف تطرقت الأخيرة الى علاقة “التيار” ب”الحزب” فقالت :” التفاهم مع الحزب إهتز وهو من خرج منه، وتوجّهنا إلى كل القادة الأمنيين لتنبيههم إلى مخاطر الفتنة الداخلية”.
قبل ذلك ، في نشرتها المسائية السبت الماضي، أوردت قناة “التيار” التلفزيونية OTV الاتي:” لا تضيِّع اسرائيل وقتها من دون مزيد من سفك الدماء والتدمير وانتهاك السيادة اللبنانية بمختلف الاشكال. والجديد اليوم، عملية اختطاف في البترون، ستُطرح حولَها في الايام والاسابيع المقبلة اسئلةٌ كثيرة “”
ومن المقدمة الى نشرة الاخبار. بثت قناة “التيار” مقابلة أجرتها مع رئيس الائتلاف الأميركي الشرق اوسطي طوم حرب . وما قاله حرب في المقابلة :”في عهد دونالد ترامب، (اذا ما فاز في الانتخابات الرئاسية التي ستجري غدا) سيتم تجريد “حزب الله” من السلاح …ولو كان “حزب الله” جيشا نظاميا لاستسلم. لكن “الحزب” المدرج على لائحة الإرهاب في الولايات المتحدة ، وهو حزب إرهابي فمن هذه الناحية لن يستسلم حتى لو بقي فيه شخص واحد … ان الأولوية اليوم في لبنان هي : الدولة هي الحاكمة وليس “حزب الله”؟
وهكذا ابرزت قناة “التيار” التلفزيونية خلاف خطف إسرائيل امهز اولويتها الإخبارية كما عبّر عنها طوم حرب. وهذا ان دل على شيء فهو يدل على أي مصير صار اليه “التفاهم” الذي ابرمه زعيما “التيار” و”الحزب” قبل 18 عاما.
لم تكن عملية إسرائيل في البترون هي التي رسمت التحوّل في العلاقات بين شريكيّ “التفاهم ” عام 2006 . بل اتى هذا التحوّل تباعا منذ أشهر على لسان جبران باسيل تحت عنوان انتقاد “جبهة المشاغلة” التي فتحها “الحزب” في 8 تشرين الأول من العام الماضي. ووصلت مواقف باسيل الى ذروتها في 22 تشرين الأول الماضي في المقابلة الخاصة التي أجرتها معه قناتا “العربية” و”الحدث”. ففي هذه المقابلة قال باسيل، “إن “حزب الله” أسقط عن لبنان حجة الدفاع عن النفس بإسناد غزة”. مضيفا أن “التيار” اختلف مع “الحزب “على موضوع إسناد غزة. وتابع “أن “الحزب” أضعف نفسه وتسبب بخسارة لبنان لقوته”. وحمّل باسيل “حزب الله” ما وصفه ب”الخطأ الاستراتيجي بسياسة وحدة الساحات”. واعتبر أن هذه السياسة “تصب في صالح دول أخرى وليست لصالح لبنان”.
يشير تحليل اخباري نشره الموقع الالكتروني “لبنان 24” التابع لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى ان جمهور “حزب الله” لم يتلقّف بإيجابية خطاب باسيل، خصوصًا المقابلة التلفزيونية التي أجراها مع قناة “العربية”، وعبّر فيها عن مواقف قرأ فيها كثيرون “تنصّل” باسيل من الحزب، سواء لجهة إعلانه حالة “اللا-تحالف” معه، أو لجهة حديثه عن “خطأ استراتيجي” ارتكبه الحزب.
وجاء في التحليل أيضا :”قد لا يكون تفصيلاً أن يصبح باسيل في عيون بعض جمهور “حزب الله”، “مثله مثل” رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ولو في لحظة “غضب” قد تكون عابرة، فالفارق بين الإثنين في وجدان هذا الجمهور كبير، في ظلّ المكانة التي تمتّع بها باسيل، وقبله العماد ميشال عون الذي وصل إلى رئاسة الجمهورية بدعم “حزب الله”، وتحديدًا دعم نصر الله “.
وخلص التحليل الى القول :”أنّ هذا الجمهور بات ينظر إلى باسيل من منظار آخر، فهو برأيه لم يكن “وفيًا” لنصر الله، ولم يصمد أيامًا بعد استشهاده قبل أن يعلن ما يشبه الانقلاب عليه “.
من المفيد اليوم العودة الى نص “تفاهم” مار مخايل وما ورد فيه لناحية تبني “التيار” سلاح “الحزب” الذي أوصل لبنان الى ما وصل اليه اليوم. فتحت عنوان “حماية لبنان وصيانة استقلاله وسيادته” ورد في النص :”إن حماية لبنان وصون استقلاله وسيادته هما مسؤولية وواجب وطني عام تكفلهما المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان لا سيما في مواجهة أي تهديدات أو أخطار يمكن أن تنال منهما من أي جهة أتت. من هنا، فإن حمل السلاح ليس هدفاً بذاته وإنما وسيلة شريفة مقدسة تمارسها أي جماعة تحتلّ أرضها تماماً، كما هي أساليب المقاومة السياسية.
وفي هذا السياق فإن سلاح حزب الله يجب أن يأتي من ضمن مقاربة شاملة تقع بين حدين: الحد الأول هو الاستناد الى المبررات التي تلقى الإجماع الوطني والتي تشكل مكامن القوة للبنان واللبنانيين في الإبقاء على السلاح، والحدّ الآخر هو تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء أسباب ومبررات حمله.
وبما أن “إسرائيل” تحتل مزارع شبعا وتأسر المقاومين اللبنانيين وتهدّد لبنان فإن على اللبنانيين تحمّل مسؤولياتهم وتقاسم أعباء حماية لبنان وصيانة كيانه وأمنه والحفاظ على استقلاله وسيادته من خلال:
1 – تحرير مزارع شبعا من الاحتلال الإسرائيلي.
2 – تحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية.
3 – حماية لبنان من الأخطار الإسرائيلية من خلال حوار وطني يؤدي إلى صياغة استراتيجية دفاع وطني يتوافق عليها اللبنانيون وينخرطون فيها عبر تحمّل أعبائها والإفادة من نتائجها”.
بعد الاطالة في عرض هذا الجزء من “تفاهم” مار مخايل، وهو من اجل تثبيته في الذاكرة، لا بد من العودة الى نص آخر هو بدوره يشير الى شخصية باسيل . ففي شباط عام 2019 تحدّث مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا لموقع “العهد” الإخباري التابع ل”الحزب” عن “تفاهم مار مخايل ومقومات صموده”.
قال صفا ـ:”يكمن التفاهم في الصراحة المطلقة التي نتحدّث بها مع بعضنا البعض. والمميّز أيضاً يكمن في كميّة الحب التي يختزنها باسيل للسيد نصرالله الذي لم يكن كلامه في الإعلام عن صداقة تجمعه بباسيل مجاملة سياسية، بل هو توصيف واقع وحقيقة”. وهنا يُوضح صفا “أنّ باسيل “شقفة” من الرئيس ميشال عون لجهة المشاعر الجياشة التي يُكنها للسيد نصرالله. فكما هو معروف أن الرئيس عون لا يستطيع إخفاء بريق عينيه في أي لقاء يجمعه بالسيد. تماماً فإنّ باسيل ينظر الى السيد نصرالله على أنه من “القديسين”، وعندما يلتقي باسيل بالسيد فـ”إنّ أكبر مشكلة تنتهي بكلمتين”.
هكذا كان باسيل وهذا ما اصبح عليه اليوم يشهر بلا تردد “تفليسة” شراكة “تياره” مع “الحزب” . فهل بات “التيار” الذي يقرن ذاته ب”الحر” حرا من الوفاء لشريكه في “التفاهم” بكل ما تعني كلمة “الوفاء” من معنى؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | سلاح “الحزب”: من إيران وإلى إيران يعود |