الحرب نكبة الاقتصاد اللبناني
جاءت الحرب لتزيد الضغوط على المواطنين وتضيف أعباءً كبيرة على الإقتصاد المتعثر أصلاً، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، وازدياد معدلات البطالة والفقر، في ظل غياب الحلول الناجحة وازدياد المعاناة اليومية
كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان”:
يشهد لبنان تراجعاً اقتصادياً غير مسبوق، تفاقم بعد الحرب الأخيرة التي عمقت الأزمة المالية التي بدأت عام 2019، حين أعلنت الدولة إفلاسها وتعثرت المصارف ومصرف لبنان.
كان انهيار القطاع المالي بداية أزمة شاملة أصابت كل جوانب الحياة الإقتصادية والمعيشية. وجاءت الحرب الأخيرة لتزيد الضغوط على المواطنين وتضيف أعباءً كبيرة على الإقتصاد المتعثر أصلاً، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، وازدياد معدلات البطالة والفقر. تتزامن هذه التحديات مع صعوبات إنسانية جسيمة أثرت على معظم اللبنانيين، لتجعل الوضع المعيشي أكثر تعقيداً في ظل غياب الحلول الناجحة وازدياد المعاناة اليومية.
في مقابلة أجراها موقع هنا لبنان مع الخبير الإقتصادي الدكتور جاسم عجاقة، أشار إلى أن الخسائر الاقتصادية التي يتكبدها لبنان نتيجة عدوان إسرائيل عليه منذ 7 تشرين الأول 2023 تُصنف إلى قسمين، ويصنفها إلى خسائر مباشرة وغير مباشرة، أو وفقًا للقطاعات الاقتصادية.
أنواع الخسائر
1. “الخسائر المباشرة: تتضمن الأضرار الملموسة، مثل تدمير البنى التحتية (منازل، محطات ضخ المياه، الاتصالات، الطرقات والجسور) وقدّرت حتى الآن بـ4 إلى 5 مليارات دولار.
2. الخسائر غير المباشرة: تشمل خسارة الفرص الاقتصادية التي كان من المتوقع تحقيقها، وقدرت بين 5 و6 مليارات دولار، ليصل إجمالي الخسائر حتى الآن إلى 11-12 مليار دولار.”
أما الخسائر بحسب القطاعات فيشرح عجاقة الموضوع وفقاً للقطاعات كالتالي:
1. “القطاع السياحي: يسجل خسائر مباشرة وغير مباشرة تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وهو يشكل 25% من الناتج المحلي الإجمالي.
2. القطاع الزراعي: خسر حوالي 40% من حجمه بسبب استهداف المحاصيل واستخدام القنابل الفوسفورية.
3. القطاع الصناعي: تراجعت أعماله بنحو 30%، ويمثل 17% من الناتج المحلي.
4. البنى التحتية: تقدر خسائرها بين مليار ومليار ونصف دولار.”
أما عن الخسائر الاستراتيجية غير المباشرة، يشير عجاقة إلى أن “خسائر استراتيجية تتمثل بتهميش دور مرفأ بيروت كمعبر رئيسي في الشرق الأوسط لصالح مرفأ حيفا، مما قد يكبد لبنان عشرات مليارات الدولارات على مدى العقود المقبلة.”
وفي ردّه على السؤال حول وضع جمعية “القرض الحسن” والخسائر المحتملة، وما إذا كان سيتم تعويض المودعين أو أصحاب الرهون، وما إذا كانت هناك معلومات عن اختفاء مجوهرات أو تأجيل إعلان إفلاس الجمعية حتى تهدأ الأوضاع الأمنية، أوضح الدكتور جاسم عجاقة بعض الحقائق المرتبطة بالجمعية ووضعها القانوني.
لفت الدكتور عجاقة إلى أن ”جمعية القرض الحسن تدير أكثر من 30 فرعاً في مختلف أنحاء لبنان وتمنح قروضاً دون فوائد مقابل رهون. ورغم أنها مرخصة من وزارة الداخلية اللبنانية، إلا أنها غير خاضعة لرقابة مصرف لبنان”.
وفي ما يتعلق بالضغوط والعقوبات، ”فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على الجمعية منذ عام 2007، وامتدت العقوبات في 2021 لتشمل ستة من موظفيها بتهمة استخدام حسابات شخصية لتحويل أكثر من 500 مليون دولار إلى الجمعية، ما سمح لها بالوصول إلى النظام المالي الدولي.
وبعد الأزمة المالية، قامت الجمعية بتثبيت أجهزة صراف آلي يُقال إنها لم تُشترَ عبر القنوات الرسمية. وقد تعرّضت الجمعية في ديسمبر 2020 لعملية اختراق إلكتروني من قِبل مجموعة تُدعى “Spiderz”، كُشف خلالها عن 400 ألف حساب مرتبط بالجمعية، بينها حسابات لشخصيات سياسية وعسكرية وفقاً لموقع “غلوبس”.
وعن حجم الخسائر الشاملة يقول عجاقة “تظل المعلومات الدقيقة حول خسائر الجمعية غير مؤكدة، ويقدّر بعض الخبراء أن أصولها تُقدر بنحو 1.5 مليار دولار، مع استهداف جزء كبير منها خلال العدوان الإسرائيلي. غير أن هذه الأرقام تظل في إطار التكهنات، ولا تتوافر معلومات مؤكدة حول تعويضات المودعين أو تأجيل إعلان الإفلاس.”
من جهةٍ أخرى، قال الخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل إن تقديرات الخسائر الاقتصادية في ظل العدوان الإسرائيلي، أكد أن الأرقام المتداولة حول الخسائر الاقتصادية نتيجة العدوان الإسرائيلي على لبنان تعكس حالة من المزايدة بين المصادر المختلفة. إذ يطرح البعض أرقاماً تصل إلى 20 مليار دولار، بينما يذهب آخرون إلى تقديرات أقل. وأشار غبريل إلى أن التقديرات المبكرة للخسائر المباشرة وغير المباشرة في هذه المرحلة غير دقيقة، حيث أن الحرب لا تزال مستمرة، مما يزيد من حجم الخسائر يوماً بعد يوم.
وأضاف غبريل أنه من الأفضل انتظار انتهاء الحرب لإجراء مسح ميداني شامل لتحديد الخسائر بشكل موضوعي. وقال: “بعد انتهاء الحرب، يمكننا إجراء تقييم علمي لحجم الدمار والخسائر الاقتصادية، كما حدث بعد حرب 2006 حيث تم وضع أرقام دقيقة بعد عملية المسح الميداني.”
وأفاد غبريل بأنه لا يقبل بتحديد أرقام للخسائر في الوقت الحالي، لأن البيانات المتاحة ليست مبنية على أساس علمي، ويجب تجنب الانجرار وراء المزايدات والأرقام غير المدعومة. ورغم عدم إمكانية قياس الخسائر اليوم، إلا أن هناك مجالاً للحديث عن الفرص الضائعة التي تكبدها الاقتصاد اللبناني، والذي كان قد بدأ تعافيه في عام 2023 مع توقعات بنمو اقتصادي.
وأشار غبريل إلى أن عام 2023 شهد مؤشرات إيجابية في عدة قطاعات، حيث كانت الحركة السياحية تنمو بشكل ملحوظ، كما شهد القطاع الصناعي والزراعي تحركات جيدة. وذكر أنه تم تعديل الرواتب في القطاع الخاص لتتوافق مع نسبة التضخم، مما زاد من الحركة الاستهلاكية.
وأوضح غبريل أن استقرار سعر صرف الدولار منذ تموز 2023 ساهم في تحسين الأجواء الاقتصادية، وكان من المتوقع أن يحقق الاقتصاد نمواً بنسبة 2% حتى شهري تموز وآب. ومع ذلك، أدى العدوان الإسرائيلي إلى تراجع هذه التوقعات، حيث انخفض النمو إلى 1% فقط في نهاية العام.
وبالنسبة لعام 2024، أكد غبريل أن التوقعات غير واضحة تماماً بسبب استمرار الحرب. وتابع قائلاً: “إذا استمر الوضع على ما هو عليه، أو تصاعد العدوان، فإن الانكماش المتوقع قد يصل إلى 6% أو 7%، مما يعني أن الفرص الضائعة تعادل حوالي 10 نقاط مئوية من النمو.”
واختتم غبريل بالقول إن النظر إلى عامي 2023 و2024 معاً يشير إلى فرص ضائعة تصل إلى 11 نقطة مئوية، معتبراً أن الأرقام المتداولة حول الخسائر المادية لا تستند إلى أسس علمية. وأضاف: “هذا النقاش حول الأرقام مبكر جداً، وعلينا الانتظار لنرى الصورة كاملة.”
وبشأن جمعية القرض الحسن، أوضح غبريل أن حديث المسؤولين عنها يعكس حالة من الغموض. وقال: “الجمعية تعتبر نفسها مؤسسة مالية رغم أنها لا تخضع لرقابة مصرف لبنان ولا تنشر تقارير مالية، كما أشار غبريل إلى أن تصريحات مسؤولي حزب الله حول عودة أموال المودعين هي ما لدينا فقط، وأن البيانات المالية لجمعية القرض الحسن تبقى غير متاحة، مما يترك الكثير من الأسئلة بلا إجابات مع التشديد على الحذر من إطلاق أي تصريحات عن أرقام عشوائية ويبقى الأمر متروكاً لما بعد الحرب”.
في ختام هذه التحليلات، يتّضح أنّ الوضع الاقتصادي اللبناني يواجه تحديات جسيمة نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة، مما أدى إلى تأجيل تحقيق النمو المتوقع. إن الأرقام المتداولة حول الخسائر والمخاوف المتعلقة بجمعية القرض الحسن تشير إلى غموض يحتاج إلى مزيد من الشفافية والوضوح. على الرغم من الصعوبات، يجب على السلطات والمؤسسات الاقتصادية العمل على إعادة بناء الثقة وتهيئة بيئة مستقرة لدعم الاقتصاد. الوقت قد حان لإجراء تقييم شامل وموضوعي للخسائر، لنتمكن من وضع استراتيجيات فعالة تساهم في إعادة إحياء الاقتصاد اللبناني وتجاوز هذه الأزمة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لبنانيو أميركا: لوبي مؤثر تنتظره مهمة انقاذ | الشيعة على مفترق الكارثة: لا مفرّ من العبور إلى الدولة | الجيش جنوباً: جهوزية تنتظر الإفراج عن القرار 1701 |