استنفار قيادي درزي منعاً لأي مغامرة
الخطر الذي بدأت تتصدّى له الطائفة الدرزية يواجهه المسيحيون والسّنّة أيضاً، وإذا لم يُسارعوا لمواجهة الموقف في وقت مبكر، فإنّ استحقاق النزوح سيلقي عليهم بثقله دفعة واحدة، وسيصعب التصدي له، لأنّ البرنامج الذي أعدّه بنيامين نتنياهو للأشهر المقبلة يقتضي تغيير الشرق الأوسط بكامله بما في ذلك لبنان
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
لا يمكن أن تتعاطى القوى السياسية والطائفية في لبنان مع الحرب الإسرائيلية الحالية كما تعاطت مع أي حرب سابقة، بما في ذلك اجتياح 1982، ولو أنه وصل إلى بيروت. فهذه الحرب يمكن أن تنسف “قواعد الاشتباك” القائمة حالياً بين المكوّنات الطائفية في لبنان، وتؤسس لموازين جديدة. ولذلك، يتحسب الجميع لـ”اليوم التالي” للحرب.
وضمن هذه الرؤية، اجتمع القادة الدروز في بعذران، يوم السبت الفائت، وأطلقوا مسارهم الخاص لمواكبة التحولات الجارية والمتوقعة، انطلاقاً من الاقتناع الذي عبّر عنه وليد جنبلاط بأنّ “الحرب طويلة جداً”.
عملياً، الاجتماع يؤسس لما يشبه القيادة الجماعية المرحلية للطائفة. فالحكمة تقتضي اليوم توزيع الأدوار وتنسيق الخطوات للعبور إلى مكان آمن، من دون صدمات.
وهذا التوزيع للأدوار غالباً ما تعتمده القوى الروحية والسياسية الدرزية في اللحظات المصيرية. فاجتماع بعذران يذكّر بالتفاف قادة الطائفة بعد أحداث 7 و8 أيار 2008، عندما شعر جنبلاط بأنّ “حزب الله” ربما يجتاح الجبل. حينذاك، تجاوز هؤلاء انشقاقهم السياسي، على أساس 8 آذار و14 آذار، وحساسياتهم الزعاماتية التقليدية، بل ذهب جنبلاط إلى تكليف طلال أرسلان إدارة الطائفة مرحلياً، لأنه أقرب إلى “الحزب”، على أن يكون لكل حادث حديث بعد انحسار العاصفة. واليوم، بدا أنّ جنبلاط، صاحب الدعوة إلى اجتماع بعذران، أراده في إحدى الخلوات التاريخية التي لها رمزيتها، وليس في دارة المختارة، وارتأى أن يكون جامعاً، وتظلله القيادة الروحية الممثلة بشيخ العقل سامي أبي المنى والمشايخ، ليكتسب غطاء يوحي بالثقة لجميع الأطراف.
السؤال هو: أي تحولات ومؤشرات دفعت قادة الدروز إلى الاستنفار واعتبار المرحلة مصيرية؟
العارفون بأجواء الاجتماع يقولون: يدرك الجميع كيف بدأت الحرب الإسرائيلية ومتى، لكن أحداً لن يعي كيف ستنتهي ومتى. وحتى اليوم، هي تسببت بنزوح مئات الآلاف من أبناء الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، إلى الجبل ومناطق أخرى، فيما قسم كبير من منازلهم يتعرض يومياً للتدمير الممنهج. وإذا طال أمد هذه الحرب شهوراً أخرى، كما يُتوقع، فستتكرس تغييرات ديموغرافية في لبنان.
وما يزيد من تفاقم الأزمة هو أنّ الإسرائيليين يصرون على إفراغ بعض المناطق من السكان، عن طريق تدمير الأحياء السكنية. وفي ظل التوترات الدولية والإقليمية التي ستعوق المساعدات لإعادة إعمار ما تهدم، فإنّ النازحين سيستقرون في الجبل والمناطق الأخرى فترات لا يحدها أفق زمني. وستكون لهذا الأمر تداعياته الديموغرافية والأمنية على البلد. ولذلك، حرص المجتمعون في بعذران على ضرورة استيعاب الأزمة قبل تفاقمها، وفي السياق، حذروا أبناء الطائفة من بيع ممتلكاتهم العقارية في هذه الفترة. كما دعوا الجيش والأجهزة الأمنية إلى تحمل المسؤولية لمنع أي فتنة أهلية تبدأ بشرارة بين النازحين والبيئة المضيفة. وللتذكير، بعد ساعات من الاجتماع، وعلى رغم الدعوات التي وجهها إلى الوعي والتعقل، وقع إشكال أمني في بعقلين بين بعض الأهالي والنازحين، سارع الجميع إلى تطويقه. وثمة مخاوف من تكرار الإشكالات تحت ضغط التوتر المتصاعد الذي يصيب النازح والمضيف في آن معاً… خصوصاً أنّ “الطابور الخامس” قد يصطاد في الماء العكر لافتعال فتنة لا يريدها أحد.
حتى الأمس القريب، كان جنبلاط يأخذ على عاتقه تجنب الاحتكاكات الأمنية بين بيئة الحزب التقدمي الاشتراكي وبيئة “حزب الله” في بعض مناطق الجبل من خلال شبكة اتصالات وقائية. وبقيت لجان التنسيق بين الحزبين تعمل دائماً لمعالجة أي إشكال. لكن الهواجس تفاقمت أخيراً مع انفجار أزمة النزوح بلا أفق زمني، وتراجعت فاعلية اللجان المشتركة.
ويخشى بعض المحللين أن تؤدي حملات التخوين والتشكيك التي يشنها البعض من داخل بيئة “الحزب” على الخصوم، والمترافقة مع تهديدات بـ”محاسبتهم” بعد انتهاء الحرب مع إسرائيل، إلى خلق توترات إضافية. وإذ يبدو الجيش اللبناني هو الضمانة الوحيدة لوأد أي فتنة في مهدها، فإنّ الحساسيات السياسية التي تظهرها هذه البيئة تجاه قيادة الجيش تؤثر سلباً على دور المؤسسة. وهذا ما يضع الجميع في مأزق.
والخطر الذي بدأت تتصدى له الطائفة الدرزية يواجهه المسيحيون والسنّة أيضاً. فضغط النزوح على مناطق هؤلاء أيضاً ثقيل ديموغرافياً واقتصادياً وأمنياً. وإذا لم يسارعوا إلى إطلاق ورشات شبيهة بالورشة الدرزية لمواجهة الموقف في وقت مبكر، فإنّ استحقاق النزوح سيلقي عليهم بثقله دفعة واحدة، وسيصعب التصدي له، لأنّ البرنامج الذي أعده بنيامين نتنياهو للأشهر المقبلة يقتضي تغيير الشرق الأوسط بكامله، بما في ذلك لبنان. وهذا التغيير لا يمكن أن يحصل بسهولة ومن دون أثمان.
مواضيع مماثلة للكاتب:
صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ | لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً | ماذا سيبقى من “حزب الله”؟ |