الشيعة على مفترق الكارثة: لا مفرّ من العبور إلى الدولة
مع تصاعد التوترات الإقليمية والمحلية برزت أصوات من داخل البيئة الشيعية تدعو إلى العودة لمشروع الدولة والانخراط في مؤسساتها الرسمية، مشيرةً إلى أن الطريق إلى الحماية والاستقرار يكمن في تبني مشروع جامع لا يرتكز على السلاح والعناوين الطائفية، بل على وحدة لبنان وسيادته
كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان”:
اتهموهم بأنهم شيعة السفارات. خونوهم وحاصروهم، وها هم اليوم يتجاوزون الجراح، ليلعبوا في مرحلة انتقالية دور صمام الأمان، وها هم يتجاوزون ما تعرضوا له، للمناداة بالعبور إلى الدولة كطريق لمنع استكمال مسار الانتحار.
في ظل الأزمات المتصاعدة التي تواجه لبنان على المستويات السياسية والأمنية، بات النقاش حول مستقبل الدولة مسألة حيوية. ويُعد ملف الطائفة الشيعية وموقفها من الدولة ومؤسساتها محوراً مهماً، لا سيما مع تصاعد التوترات الإقليمية والمحلية بسبب الحرب الإسرائيلية. في هذا السياق، علت أصوات من داخل البيئة الشيعية تدعو إلى العودة لمشروع الدولة والانخراط في مؤسساتها الرسمية، مشيرةً إلى أنّ الطريق إلى الحماية والاستقرار يكمن في تبني مشروع جامع لا يرتكز على السلاح والعناوين الطائفية، بل على وحدة لبنان وسيادته.
الأمين: سلاح حزب الله جلب الكوارث على لبنان
وقد علق على هذا الموضوع الصحافي علي الأمين، فقال في حديث لـ”هنا لبنان”: “هناك اتجاهات متعددة، ولا نستطيع أن نتحدث عن اتجاه منظم. هناك أصوات اعتراضية موجودة ومستمرة في التعبير عن مواقفها، وهذا الاتجاه المتنوع يجتمع على فكرة أساسية، وهي إعادة الاعتبار للدولة ومرجعيتها، وأن تكون هناك سلطة لبنانية هي التي تدير وتحكم، وبالتالي تتفق على القواعد الأساسية التي يلتقي عليها الكثير من اللبنانيين. لكن قلب الموازين هو مسؤولية وطنية، وليس مطلب المعارضة الشيعية أو فريق معين، وهذا تحدٍّ وطني. وإذا كنا نتحدث عن وضعية حزب الله في البلد، فهذا يعتبر تحدياً لبنانياً عاماً، ومن يراه تحدياً شيعياً يتهرب من المسؤولية. يتعين على كل القوى المعنية أن تلعب دوراً أساسياً فيه، ولا بد من تضافر الجهود اللبنانية بشكل واسع لتستطيع تغيير هذا الواقع.”
وأضاف: “أساس هذه الفوضى التي نعيشها اليوم سببه تَلكّؤ الحكومة اللبنانية وتواطؤها مع حزب الله، وبالتالي المطلوب من الحكومة اللبنانية، باعتبارها السلطة الشرعية، أن تقوم بمسؤوليتها. فيجب أن تسجل موقفاً تعبر فيه عن مصادرة قرار الدولة، وأن هناك انتهاكاً لسيادتها واستباحة لمؤسساتها، وكل هذا يحدث أمام مرأى الجميع. وبالتالي، الحل هو المزيد من التأكيد على دور المؤسسة الرسمية، بدءاً من الحكومة مروراً بمجلس النواب وصولاً إلى الجيش اللبناني، ويجب أن يقوموا بمسؤوليتهم على أتمّ وجه. انطلاقاً من هنا، هذا هو المدخل الذي يسمح لنا بإيجاد الحلول للخروج من المأزق الذي نعيش فيه.”
وعن اتهام أنصار الثنائي لمن يعارضهم من البيئة الشيعية بأنهم “شيعة سفارات”، أشار الأمين إلى أن “من المضحك أن يتهمنا هؤلاء بـ”شيعة السفارات”، فهم من يتعامل مع السفارات ويعملون عند الإيرانيين، ويعلنون ذلك بشكل صريح وواضح. فلو كان الآخرون من شيعة السفارات، لاختلفت أوضاعهم من حيث الإمكانيات الأمنية والمادية.”
وشدد على أن “نحن لسنا ضد العلاقة مع إيران، بل نحن ضد هذا الالتزام الكامل بالقرار الإيراني ومصالح إيران على حساب المصالح الوطنية. ولم نرَ من المعترضين الشيعة أي شبهة في سلوكهم أو في برنامج عملهم، ولم يظهروا ولاءً لأي دولة على حساب لبنان ومؤسساته الرسمية.”
وعن سلاح حزب الله، قال: “قلنا مراراً وتكراراً إن هذا السلاح يجب أن يكون ضمن استراتيجية دفاعية. ثانياً، هذا السلاح أثبت أنه لا يستطيع حماية الشيعة، ولا الجنوب، ولا البقاع. وبالتالي، مقولة أن السلاح حاجة وضرورة هي مقولة خاطئة، بل العكس، هذا السلاح جلب الكوارث على لبنان. ولو كان الجيش اللبناني منتشراً على الحدود، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، حيث تسبب بتهجير قرابة مليون شيعي، وأتاح لإسرائيل القيام بعملية تدمير غير مسبوقة للبنان.”
وختم الأمين قائلاً: “أعتقد أن مطلب العودة إلى الدولة والمؤسسات سيأخذ طابعاً أوسع داخل البيئة الشيعية، وهذا يتطلب جهود جميع الأطراف، ولا سيما الدولة ككل، التي يجب أن تكون مسؤولة وتقول “القرار لي”، فسلاح الدولة هو الذي يحمي لبنان.”
الجوهري: مقولة ضعف الأجهزة الأمنية سقطت
وفي هذا السياق، قال الشيخ عباس الجوهري لـ”هنا لبنان”: “إن التصور هو العمل على بناء الدولة وترسيخ فكرة الدولة في عقول الطائفة الشيعية، وتوضيح أن الدولة تحمي الجميع، وأن علينا أن نكون جزءاً منها، لأنه ليس لدينا أهداف خارج حدودها. الدولة هي حريتنا ومستقبلنا، ومن خلالها ندفع العدو الخارجي إذا ما أضر بنا، لأن ذلك يزيدنا قوة. اليوم، حاول البعض الدفاع عن أنفسهم من خارج حدود الدولة، فانقسم عليهم الرأي العام اللبناني والعربي والدولي، مما منح العدو فرصة للانقضاض عليهم. فكرة الدولة هي الأساس في المرحلة القادمة، لترسيخها في عقول وقلوب ونفوس المجتمع الشيعي حتى يتبنى أن الخيار الوحيد للحماية الذاتية والاجتماعية للطائفة والوطن هو في الدولة.”
وأضاف: “يجب أن يكون هناك خطاب يؤمن لهم أن أمانهم يكمن في الدولة، وأنه لا يتحداهم في كبريائهم الإنسانية والوطنية والمجتمعية. فاللغة الذكية للمجتمع الشيعي هي التي تمنحنا القدرة على استيعابه ضمن إطار الدولة؛ واستفزازه بدلاً من ذلك، والوقوف إلى جانب العدو في قتله، يجعله مستنفراً تجاه كل من يحاوره ويزيده ابتعاداً. نحن أمام خطر؛ إما أن نجتذبهم أو أن نتركهم ينخرطون في خيارات التطرف. الخطاب الواعي والحكيم ذو النظرة البعيدة هو القادر على اجتذاب المجتمع الشيعي.”
وأشار الجوهري إلى أن “مقولة ضعف الأجهزة الأمنية سقطت؛ فاليوم نتعرض إلى قصف كبير ومنهجي، وتستطيع المقاومة أن تلحق الهزيمة بمحتلٍ على أرضها. لكن الانطلاق بمنطق الجيوش أمر سقط، لأنها لم تعِ لموازين القوى، وقد جبر التفاوت في ميزان القوى بخطاب تعبوي ثوري، اتضح بعد غيابه واستشهاد السيد حسن نصر الله أن هذا الخطاب كان موهوماً وليس عقلانياً.”
وعن احتمال وجود قناعة بتسليم سلاح حزب الله إلى الدولة، لفت إلى أن “إذا أردنا جسماً معافى نعيده إلى حضن الوطن، فيجب أن نقول لهم إن هذا السلاح صار عبئاً علينا ويجب أن ينخرط في الدولة ليصبح جزءاً من القرار السياسي، فلا يستطيع أحد استخدامه بمعزل عن الحكومة اللبنانية. إذا كان اللبنانيون قادرين على طمأنة بعضهم البعض وإدخال هذا السلاح ضمن منظومة الدفاع في الجيش اللبناني، نكون قد فككنا قنابل قد تفجر حرباً أهلية. ينبغي تجنب استفزاز الآخرين بالمطالبة بتسليم سلاحهم كالمهزومين؛ ولذلك يجب أن يكون الخطاب دقيقاً وحكيماً لإصلاح هذا الجسد المريض، لا أن يتم التعامل معه بشكل مباغت يؤدي إلى ردود فعل عكسية قد تجرنا إلى حروب أهلية لا تخدم الوطن.”
مراد: يجب على الطائفة الشيعية تبني مشروع الانتماء إلى الدولة
من جانبه، أشار الناشط السياسي الدكتور هادي مراد لـ”هنا لبنان” إلى أن “ما نحاول فعله اليوم هو تجنب إطلاق مصطلح ‘المعارضة الشيعية’، بل المصطلح الأنسب هو الاعتدال، دعماً لمشروع الدولة. لم تعد العناوين الطائفية قادرة على بناء وطن، فهي كانت تنتهي بانتهاء شخصية معينة، كما رأينا عبر الزمن في الطائفة المسيحية مع الشهيد بشير الجميل، وفي الطائفة السنية مع الشهيد رفيق الحريري، وحتى في الطائفة الشيعية. اليوم، لا نريد إعادة تجارب الماضي وانتظار من يأتي بعد استشهاد القادة ‘على صهوة الجواد’ ليأخذ هذه الطائفة إلى القوقعة الطائفية. يجب على الطائفة الشيعية تبني مشروع الانتماء إلى الدولة والإيمان بمنطق الجيش والشعب، فقد أثبتت الخيارات الأخرى فشلها، ويجب أن نؤكد على وحدتنا باعتبار الطائفة الشيعية جزءاً من النسيج اللبناني.”
وأضاف: “نحن لا نواجه حزب الله، فهو يتمتع بشرعية سياسية في لبنان، لكننا نريد اعتباره جزءاً من المشهد مثل باقي الأحزاب، ونريد للطائفة الشيعية أن تنفتح كغيرها من الطوائف، بحيث تضم أحزاباً أخرى مستقلة. في انتخابات 2022، كانت الطائفة الشيعية الوحيدة التي لم تخترق، لأن الانتخابات جرت تحت ظل السلاح، واليوم لم يعد هناك استقواء بهذا الشكل. كما لا نريد إنهاء دور الحزب، إذ إن ذلك سيشكل مشكلة. نحن نسعى لاحتضان هذه البيئة وتقديم صوت مماثل لهم، ولكن صوتاً آخر يؤمن بدور الدولة، وهو الدور الذي عمل الحزب على تغييبه طوال 40 عاماً.”
وعن الوسائل المتاحة لتحقيق هذا المشروع، لفت مراد إلى أن “المشروع يتطلب احتضاناً دولياً وعربياً. اليوم، الطائفة الشيعية طائفة مأزومة ومنكوبة، وقد تعرضت لتدمير هائل في مناطقها بسبب سياسة حزب الله وسرديته التي ورطت الطائفة ولبنان بأسره؛ فعندما يربح يربح وحده، والآن بعد الخسارة، خسر الجميع. هذا المنطق الشمولي يتعارض مع البيئة والعقيدة الشيعية التي وقفت مع الحسين لنصرة المظلوم في كربلاء، فنحن اليوم نظلم شعبنا وكأننا نكرر كربلاء عليه. الطائفة الشيعية بحاجة إلى ملاذ آمن، والحل الوحيد هو العودة إلى الحضن العربي ومنطق الدولة، إذ إن الشيعة في لبنان اعتبروا طائفتهم محرومة وبحاجة إلى زعيم يخرجها من القوقعة. الزعيم الذي كان يوحد الطائفة اغتيل، والبديل ليس زعيماً آخر، بل الإيمان بوحدة الدولة مع الجيش وبأن لبنان عربي الوجه، كما قال السيد موسى الصدر، فالشيعة في لبنان هم عرب، ومن هذا المنطلق ننطلق في مشروع عودة الشيعة إلى الدولة.”
مواضيع مماثلة للكاتب:
إرث لبنان المهدد بين نيران الصراع وصمت العالم | سياحة على وقع الحرب ضربات متتالية على الرأس | لبنانيو أميركا: لوبي مؤثر تنتظره مهمة انقاذ |