دير الأحمر مثال للعيش المشترك… المطران حنا رحمة يرفع الصوت لتأمين حاجات النازحين
وصل عدد النازحين في منطقة بعلبك الهرمل إلى ما يقارب الـ 60 ألف نازح، من ضمنهم 23 ألفاً يتوزعون على قرى دير الأحمر، ففتحت لهم صالات الكنائس ومؤسساتها والمدارس الرسمية والمنازل، وقدّمت لهم كل احتياجاتهم
كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:
لطالما اشتهرت منطقة بعلبك – الهرمل بمقولة : الجار قبل الدار، والكرم والشهامة وإستقبال الضيف علامات تميّزت بها قراها ومن ضمنها بلدة دير الأحمر التي تعتبر اليوم من أبرز مستضيفي النازحين من بعلبك – بوداي – سرعين – النبي شيت – شعث- شمسطار- طاريا، وغيرها الكثير من القرى المجاورة، جرّاء الغارات الإسرائيلية اليومية، والتي إشتدت بشكل كبير منتصف الأسبوع الماضي وما زالت. وتشاركها في استضافة النازحين بلدات عرسال- رأس بعلبك – القاع – الفاكهة – الجديدة – معربون- مجدلون وحدث بعلبك وغيرها، بعد وصول العدد إلى ما يقارب الـ 60 ألف نازح وفق الإحصاءات الرسمية، من ضمنهم 23 ألفاً يتوزّعون على قرى دير الأحمر، التي بادر أهلها مع بدء الغارات الإسرائيلية للاتصال بأصدقائهم من أبناء القرى المذكورة، بهدف إستضافتهم وبكل ترحيب، ففتحت لهم صالات الكنائس ومؤسساتها والمدارس الرسمية والمنازل، وقدّمت لهم كل الحاجات من مأكل ومشرب وفرش وأغطية وأدوية وإلى ما هنالك. الأمر الذي أكد على العلاقات الإنسانية المتجذّرة والروابط المتأصلة في المنطقة، التي تحمل كل معاني العيش المشترك.
الى ذلك توفرت للنازحين أيضاً الطبابة عبر المستوصفات المتنقلة، خصوصاً في المناطق التي لا تحتوي على مراكز صحية ثابتة، كما تساهم أيضاً المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتوزيع المساعدات، خصوصاً الملابس والسترات الشتوية، بالتزامن مع بدء الشتاء والعواصف وانخفاض درجات الحرارة إلى 5 في فترة الليل.
دير الأحمر
في السياق وعلى الرغم من إصدار بيان عن اتحاد بلديات دير الأحمر، يفيد بأنّ القدرة الإستيعابية في المنطقة تخطّت المعقول، ما زال بعض النازحين يتدفقون إلى البلدة مع إستمرار الدمار الاسرائيلي، ووسط تزايد الاحتياجات والمساعدات، ما دفع بالأهالي إلى تنظيم حملات تبرّع بالملابس والبطانيات وفق ما أفاد بعضهم لـ” هنا لبنان”، كما تقاسموا المواد الغذائية لأننا لا نستطيع أن نرفض نزوح أي ضيف إلينا، وأشاروا إلى أنّ المدارس الرسمية التي تأوي النازحين، تفتقر إلى مادة المازوت التي نحتاجها كثيراً في هذه الفترة لتشغيل التدفئة.
المطران رحمة: إستقبالنا للنازحين نابع من قناعتنا المسيحية
ومن جهته أشار راعي أبرشية دير الأحمر وبعلبك للموارنة المطران حنا رحمة في حديث لـ” هنا لبنان” إلى أنّ ما نقوم به من إستقبال لإخوتنا اللبنانيين، نابع من قناعة مسيحية ووطنية، وهذا أقل الواجب، وقال: “أهالي دير الأحمر والجوار فتحوا منازلهم أمام كل النازحين، والكنيسة احتضنتهم انطلاقاً من تعاليمها، ومنذ اليوم الأول على بدء الحرب طالبت بتحضير مستشفى المحبة في دير الأحمر كي نخدم أهلنا، واليوم نطلق صرخة إلى الجهات المعنية للمساعدة في تجهيز المستشفى أكثر، وتأمين المازوت والمواد الطبّية والأدوية، قكل هذه الحاجات مطلوبة كثيراً كي نستطيع الاستمرار في المساعدة، والمنطقة اليوم باتت ممتلئة بالنازحين، ولدينا بعض العائلات التي لم نستطع تأمينها كما يجب، لكننا نرفض إعادة أي مواطن إلى بلدته التي تتعرّض للخطر، فالحمل كبير وعلينا مساعدة بعضنا في هذه الطروف الحرجة”.
لا إشكالات بين الأهالي والنازحين
ورداً على سؤال حول حصول أي إشكال في البلدة بين الأهالي والنازحين، أجاب المطران رحمة: “لغاية اليوم لم يحصل أي إشكال، خصوصاً أنّ هنالك معرفة سابقة بينهم بسبب الجيرة، لكن في بعض الاحيان تحدث خلافات بين النازحين انفسهم، فنسارع على الفور لضبط الوضع، وهناك لجنة طوارئ تعمل بشكل متواصل وجدّي وتقوم بتنظيم كل الأمور، ونحن ككنيسة نقوم بالإحصاءات في كل منزل يستوعب نازحين، نسأل عن كل عائلة ومَن لديها، كما تساعد اللجنة المذكورة أيضاً في عمل البلديات، بالتعاون مع عناصر من القوات اللبنانية والفعاليات، فيهتمون بمراكز الإيواء ويقومون بالتنظيم لمعرفة الوافدين والخارجين من تلك المراكز، كذلك عناصر الجيش يتدخلون على الفور منعاً لأي إشكال، ويتواجدون في كل مراكز الإيواء، لذا يمكن القول أنّ الوضع جيد جداً، وهنالك تفاهم من هذه الناحية”.
وتابع المطران رحمة: “شكّلنا لجنة طوارئ مؤلفة من المطرانية، مكتب النائب انطوان حبشي، اتحاد البلديات وبلديات المنطقة، مدراء المدارس، الجمعيات الخيرية والشبابية والكشّاف، منسقية القوات اللبنانية، شبيبة كاريتاس، فريق الإسعاف، المراكز الصحية، مركز الرعاية الأولية مستشفى دير الأحمر، مركز برقا الصحي التابع لمنظمة مالطا بهدف تأمين كل حاجات النازحين.
نازحون من بعلبك: تقاسمنا اللقمة مع أهالي دير الأحمر
وخلال اتصالات أجراها موقعنا مع بعض النازحين في دير الأحمر، كان هنالك إجماع أنهم يعيشون بين إخوتهم وأهلهم، وهم ممتنون جداً لمَن استضافهم بهذا الترحيب، فساعدهم على تجاوز المرحلة الصعبة التي يعيشونها بعد دمار منازلهم وإستشهاد اقاربهم وإصابة بعضهم ، معتبرين بأنّ الخلاف الحزبي بين مناطقنا لم يعد له وجود، لأنّ مشاعر الإنسانية تسيطر بأبهى معانيها، الأمر الذي أكد بأنّ التعايش المشترك موجود بقوة في كل لبنان، مهما كانت الخلافات السياسية، وبأنّ الفتنة الطائفية التي يتحدث عنها البعض ويطمح لحصولها لن تتحقق ،لا بل لم يعد لها أي وجود، والمثال الأول منطقة دير الأحمر التي تضّم اليوم النازحين الشيعة بإحتضان لم نشهده حتى بين أهلنا.
وختموا:” لقد تقاسمنا اللقمة مع أهالي دير الأحمر، وهذا أكبر انتصار على مَن يسعى إلى الفتنة الطائفية”.