الخطيئة المميتة
إنّ الكلام عن أيّ استراتيجية دفاعيّة يجب أن يكون بمعزل عن مشاركة أيّ فريق لبناني مسلّح في هذه الاستراتيجية، فالدفاع عن لبنان مهمّة الجيش اللبناني ولا أحد يفترض أن يشاركه بها، وأيّ اعتداء على لبنان يفرض على الشعب اللبناني بكلّ أطيافه أن يساند جيشه تحت عناوين وطنية وليس دينية، وولاء للبنان فقط وليس لأيّ جهة خارجية
كتبت إليونور إسطفان لـ”هنا لبنان”:
ما زال التيار الوطني الحر محتاراً في موقفه من حزب الله وتشبه حالته حاليًّا المثل اللبناني القائل “ضربة عالحافر وضربة عالمسمار”.
لا يريد التيار الوطني الحر أن يعترف بأنّ ما يجري حاليًّا في لبنان هو تجسيد لبعض تداعيات تفاهم ٦ شباط ٢٠٠٦ مع حزب الله وهو شكّل استسلاماً كاملاً لطروحات الحزب الأساسية وأوّلها مسألة السلاح وقرار الحرب والسّلم ولم يتمكّن التيار الوطني الحر أو بالأحرى لم يرغب في طرح هذا الموضوع مع حليفه الأساسي لا قبل حرب تموز ٢٠٠٦ ولا بعدها ولا حتّى عندما تولّى العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية الذي تذكّر فجأة الاستراتيجية الدفاعية في الأيام الأخيرة من ولايته وأصبح يدعو للحوار بشأنها.
لم يكن التيّار الوطني الحر بعيداً أيضاً عن جوّ حزب الله في تخوين كلّ من يطالبون بتنفيذ القرارين ١٧٠١ و١٥٥٩ الذي كان العماد عون يعتبر نفسه أباه الروحي، حتّى أنّ مسؤولين في التيار وشريحةً واسعةً من جمهوره تبنّوا أيضاً رواية أنّ الجيش ليس قادراً على حماية لبنان وأنّ سلاح حزب الله ضرورة، معلنين التزامهم بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.
اليوم عاد التيار الوطني الحرّ ليطالب بتنفيذ القرار ١٧٠١ ولكنّه ما زال يتجاهل القرار ١٥٥٩ وهو في صلب الـ ١٧٠١، وليعلن أنّ الحزب ارتكب خطأً في شنّ حرب الإسناد حتّى أنّ بعض نوّابه وقياديّيه ذهبوا إلى حدّ القول بأنّ سلاح حزب الله لم يتمكّن من حماية لبنان ولم يعد له لزوم، ولكنّ هذا الكلام تقابله مواقف لرئيس التيار النائب جبران باسيل تتحدّث عن ضرورة وجود استراتيجية دفاعية وإشادة بما يقوم به مقاتلو حزب الله في الدفاع عن لبنان.
إنّ الكلام عن أيّ استراتيجية دفاعيّة يجب أن يكون بمعزل عن مشاركة أيّ فريق لبناني مسلّح في هذه الاستراتيجية، فمهمّة الدفاع عن لبنان منوطة فقط بالجيش اللبناني وهو الذي يضع لألويته ووحداته خطط الدفاع عن لبنان ولا أحد يفترض أن يشاركه بها، وأيّ اعتداء على لبنان يفرض على الشعب اللبناني بكلّ أطيافه أن يساند جيشه تحت عناوين وطنية وليس دينية، وولاء للبنان فقط وليس لأيّ جهة خارجية. والأساليب في هذا المجال متعددة وعلى رأسها عودة التجنيد الإجباري لشباب لبنان ليكون كلّ قادر على حمل السلاح مستعدًّا للدّفاع عن بلده بإمرة الجيش وبقرار من الدولة اللبنانية لا غير.
إنّ الحرب التي يشهدها لبنان اليوم هي نتيجة لحرب الإسناد الّتي لم ينخرط فيها سوى لبنان ولم يلقَ لبنان في العنوان الآخر الذي طرحه حزب الله وهو الدفاع عن لبنان أيّ مساندة لا من الفلسطينيين ولا من السوريين ولا من العراقيين ولا من اليمنيين ولا من الإيرانيين أيضاً وهم رعاة حزب الله ويفتحون قنوات الحوار من واشنطن إلى موسكو مروراً بالرياض وأبو ظبي ومسقط والدوحة وأنقرة ويستكثرون على لبنان أن يوقف حمام الدم الذي يتعرّض له.
قد يكون الشعب اللبناني بعد هذه الحرب مطالباً بمحاسبة جميع الذين زجّوا البلد في ما هو عليه اليوم مدركين أنّ في الخطايا هناك ما يمكن المسامحة فيه ولكن هناك أيضاً خطايا لا يمكن المسامحة فيها وهي الخطيئة المميتة.