تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني
لن يتأخّر الوقت هذا الأسبوع لمعرفة ما إذا كانت الصورة الزاهية التي أطلّ بها برّي ولاريجاني هي معبّرة عن حقيقة ما ستؤول إليه الأمور، أم أنّها مجرد قناع يخفي التجهّم. وإذا أتى هوكشتاين لبنان بابتسامة وغادره بابتسامة سيكون دليلاً أكيداً على أنّ هناك نبأ سعيد. وإلّا، فسيكون هذا البلد على موعد مع خيبة أمل جديدة لن تكون الأولى ولا الأخيرة في زمن الأقنعة
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
اوحت الصورة التي جمعت رئيس مجلس النواب نبيه بري ومستشار المرشد الإيراني علي لاريجاني قبل أيام بالكثير من الانطباعات . فظهر بري متأبطا ذراع ضيفه الإيراني الذي أنفرجت اسارير وجهه بابتسامة عريضة . وانتقلت عدوى الانشراح فورا الى الديبلوماسي الإيراني محمد رضا شيباني الذي يتولى حاليا اعمال سفارة بلاده في بيروت ريثما يعود السفير مجتبى آماني الى مقر عمله بعد تماثله للشفاء من آثار انفجار جهاز المناداة في يده اليسرى ووجهه في 17 أيلول الماضي.
اذا ما جرى وضع المعلومات جانبا، توحي هذه الصورة ان هناك ما دعا بري الى اعتماد هذا الود الذي يتخطى اعراف المنصب الذي يشغله حاليا. ولا مبالغة في القول، ان بري هو اليوم هو القائم عمليا باعمال رئاسة الجمهورية التي دخلت هذا الشهر بداية هذا عامها الثالث من الشغور.
حرص بري عشية الأسبوع الحالي على إشاعة التفاؤل بان حظوط نجاح المبادرة الأميركية لوقف اطلاق النار في الحرب الدائرة اليوم تخطت الخمسين في المئة، ما يعني ان نجاح هذه المبادرة اصبح وشيكا. وإذا صح تفاؤل القائم باعمال الجمهورية ، فان المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين الذي سيصل بين اليوم الاثنين او غدا الثلاثاء الى بيروت ، كما اشاعت الانباء الواردة من إسرائيل ، سيرسم أيضا على وجهه إبتسامة عريضة. وفي المناسبة ، تجدر الإشارة الى ان هوكشتاين يمتلك ميزة الابتسام حتى في احلك الظروف. ولغله في موضوع الابتسام يشبه الى حد بعيد لاريجاني الذي يمتلك وجها مطبوعا بالابتسام لاسباب جينية على ما يبدو.
وسط هذه الأجواء العابقة بالابتسامات ، يطل سؤال متجهم الى اقصى حدود العبوس: هل هناك فعلا بارقة أمل لوقف الحرب التي تلتهم لبنان بشرا وحجرا ؟ وآخر عينات هذه الحرب ، مصرع المسؤول الإعلامي في “حزب الله” محمد عفيف في غارة إسرائيلية في بيروت؟
يجيب على هذا السؤال الذي اصبح كالجمر الذي يتقلب عليه اللبنانيون ليلا نهارا منذ أيلول الماضي ولغاية اليوم طرفان رئيسيان في هذه الحرب هما :”حزب الله” وإسرائيل.
يقول “الحزب” عبر قناة “المنار ” التلفزيونية ان “استراتيجيةُ التدميرِ الصهيونيةُ على الاراضي اللبنانيةِ ، مستمرة علَى وحشيتِها من الجنوبِ الى البقاعِ حتى الضاحيةِ الشامخةِ فوقَ كلِّ دمارِ العدو، الموزِّعةِ بأسَها بينَ اهلِها، ومنهم عائلةُ نصر الله – التي واست اهلَها بمنزلِها الذي دمّرَه الحقدُ الصهيونيُ في حارة حريك “. وتخلص “المنار” الى القول: “معَ التسليمِ بجديةِ الحراكِ السياسي لوقفِ اطلاقِ النارِ كما يرى الرئيسُ نبيه بري، فانَ العبرةَ بالخواتيم، كما قال، وخصوصاً انَ التجربةَ مع نتنياهو لم تخلُ من اداءٍ ينسفُ كلَ الجهودِ المبذولة، على غرارِ ما جرى في غزةَ على مدى أكثرَ من سنة. ومن هنا يبقى الحذَرُ واجباً، بحسَبِ الرئيسِ بري”.
في المقابل، تقول إسرائيل في اليوم نفسه الذي اطلت به قناة “حزب الله” التلفزيونية بكلام آخر ومختلف كليا عن جوقة الابتسامات التي فاض بها مقر الرئاسة الثانية ولا يزال . وما قالته إسرائيل، جاء على لسان رئيس أركان الجيش العبري ، هيرتسي هاليفي من بلدة كفركلا الجنوبية . فقد قال: “حزب الله” يدفع ثمنا باهظا، سلسلة القيادة لديهم انهارت، هناك العديد من القتلى في صفوف عناصرهم، والبنية التحتية لديهم مدمرة، ما دام هذا التنظيم يواصل إطلاق النار نحن سنواصل القتال والمضي قدما إلى الأمام وتنفيذ الخطط وشن ضربات في العمق، وضرب “حزب الله “بشكل قاسٍ جدا” . أضاف : “سنتوقف فقط عندما نعلم أننا نعيد السكان بأمان” ، في إشارة الى القاطنين في المستوطنات الحدودية مع لبنان.
وانتهى الى القول:”يقولون لنا كقادة وأعتقد أنهم يقولون ذلك أيضا للدولة: استمعوا، نحن نضع كل شيء، اعتنوا بنا كما يجب. هذه رسالة مهمة جدا”.
في موازاة ذلك، أطل الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط متشككا بما ستؤول اليه الأمور في مسار الحرب. ولم يخف انتقاده لاطلالة مستشار المرشد الإيراني في بيروت. وبحسب الأوساط الإعلامية التابعة لجنبلاط انه كان لافتا انه بعد ساعات قليلة على تسلّم رئيس مجلس النواب ، من السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون، مسودة الاتفاق على وقف إطلاق النار بين لبنان واسرائيل، وصل الى لبنان لاريجاني”. وتخوفت الأوساط نفسها من “أن يكون الهدف من زيارة لاريجاني الى بيروت، في هذا التوقيت، لقطع الطريق على أي اتفاق لوقف الحرب على لبنان”. ورأت في تصريحات المسؤول الايراني من السراي الحكومي ومن عين التينة بأنها “ملتبسة حتى بتأكيد لاريجاني انه لا يسعى لنسف الاتفاق على وقف الحرب، بل يريد أن يرى حلاً للوضع في لبنان”. وقالت :”في كلام لاريجاني عن المقاومة وتأييده أي خطوة تتخذها قبل الاشارة الى الحكومة يطرح الكثير من علامات الاستفهام”. ولاحظت ” ان موقف لاريجاني شبيه جداً بموقف وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي الذي أعلنه بعد ساعات، على لقاء عين التينة الثلاثي بين الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي و جنبلاط، من أجل وقف اطلاق النار، وانتخاب رئيس للجمهورية والالتزام بتطبيق القرار 1701. وشدّد عراقجي حينها على أن المقاومة هي التي تحدد وقف اطلاق النار. وهذا ما أكده ايضاً بعد أيام رئيس مجلس الشورى الايراني والأمين العام ل”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم”. وخلصت الأوساط الإعلامية الجنبلاطية الى القول :” ان جنبلاط قلق من بقاء لبنان ساحة لتصفية الحسابات بين ايران واسرائيل او بين الشرق والغرب. من هنا جاء رفض جنبلاط اللقاء مع لاريجاني “.
إذا ، لن يتأخر الوقت هذا الأسبوع لمعرفة ما اذا كانت الصورة الزاهية التي اطل بها بري ولاريجاني هي معبّرة عن حقيقة ما ستؤول اليه الأمور ، أم انها مجرد قناع يخفي التجهم.
واذا اتى هوكشتاين لبنان بابتسامة وغادره بابتسامة سيكون دليلا أكيدا على ان هناك نبأ سعيد . وإلا ، فسيكون هذا البلد على موعد مع خيبة آمل جديدة لن تكون الأولى ولا الأخيرة في زمن الأقنعة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون | سلاح “الحزب”: من إيران وإلى إيران يعود |