إرث لبنان المهدد بين نيران الصراع وصمت العالم
تحاول الحكومة اللبنانية ومعها البلديات المحلية التعاون مع المنظمات الدولية للحدّ من الأضرار التي تلحق بالمواقع الأثرية في لبنان جراء القصف الإسرائيلي وتأمين سبل الترميم اللازمة، لكنها تواجه تحديات عديدة أبرزها نقص التمويل وتقييدات حكومة تصريف الأعمال التي تحدّ من حركتها الفعّالة
كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان”:
تعد المواقع الأثرية في لبنان، ولا سيما في مدينتي بعلبك وصور، إرثاً ثقافياً وتاريخياً عريقاً يروي قصص حضارات قديمة ويمثل جزءاً من الهوية الوطنية اللبنانية. ومع ذلك، تعرضت هذه المواقع خلال الفترة الأخيرة لاعتداءات متكررة أثرت على سلامتها، حيث تعرضت أجزاء منها لأضرار جسيمة نتيجة للقصف الإسرائيلي، ما أثار قلقاً دولياً حول مصير هذه الآثار المدرجة ضمن التراث العالمي. في هذا السياق، تحاول الحكومة اللبنانية ومعها البلديات المحلية التعاون مع المنظمات الدولية للحد من الأضرار وتأمين سبل الترميم اللازمة. وتواجه هذه الجهود تحديات عديدة، أبرزها نقص التمويل وتقييدات حكومة تصريف الأعمال التي تحد من حركتها الفعّالة.
الشل: تحرُّك المنظمات الدولية جاء متأخراً
وفي هذا السياق، أشار رئيس بلدية بعلبك مصطفى الشل لـ”هنا لبنان” إلى أنّ “هناك موقعين أساسيين تعرضا للضرر، وهما ثكنة غورو التي تضرر جزء من الحائط الغربي لقلعة بعلبك فيها وتهدم بشكل كامل، والموقع الثاني الذي لم يسلم من القصف هو مبنى المنشية وأوتيل بالميرا. جميع هذه المواقع تصنف ضمن خانة واحدة، وهي قلعة بعلبك الصغيرة، استكمالاً للقلعة الكبيرة التي كانت تُرمم من قبل الألمان”.
وأضاف: “بطبيعة الحال، لا نستطيع تقدير حجم الضرر بشكل دقيق لأنّ ذلك يحتاج إلى خبراء، ولكن معظم المهندسين أجمعوا على أنّ القصف القريب (أي على بعد 200 متر من القلعة) تسبب بارتجاجات ستؤثر سلباً على القلعة. وسيصدر لاحقاً تقرير بهذا الصدد بعد اجتماع في فرنسا لمنظمة الأونيسكو التي تعنى بالآثار العالمية”.
وقال الشل: “نحن أثرنا الموضوع منذ بداية الاعتداءات على مدينة بعلبك عبر جميع وسائل الإعلام الدولية والمحلية، إضافةً إلى التواصل مع وزير الثقافة محمد مرتضى المعني بالآثار. كما اتصلنا بمنظمة الأونيسكو، ولأن معظم مدينة بعلبك تتضمن مواقع أثرية مدرجة على لائحة التراث العالمي، كان من البديهي أن تتحرك المنظمات الدولية قبل حدوث أي اعتداء، لكن للأسف جاء التحرك متأخراً وحصل بعد الاعتداء على المدينة، خصوصاً محيط القلعة في منطقة ‘البساتين’ والاعتداء على ثكنة غورو. وعلى أثر ذلك، تواصلت المنظمات الدولية مع وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار، ومن هذا المنطلق تحدد الاجتماع في باريس في 18 تشرين الثاني لدراسة الخطوات الممكنة لمنع أي اعتداء إسرائيلي آخر على مدينة بعلبك ككل، حيث أن معظم المدينة عبارة عن مواقع أثرية”.
وأضاف: “قدمت الحكومة اللبنانية شكوى لدى مجلس الأمن بشأن الاعتداءات الإسرائيلية على المواقع الأثرية، وهي تحاول جاهدة التعاون في هذا الموضوع، لكن لا يجب أن ننسى أنها حكومة تصريف أعمال وحركتها مشلولة بشكل عام”.
وعن الوسائل والإمكانات المتاحة للترميم، علق الشل قائلاً: “هذا الموضوع ليس قراراً محلياً، بل يحتاج إلى دول مانحة وتمويل، لكن حتى اللحظة ليس هناك تواصل للقيام بأعمال الترميم”.
دبوق: الحكومة حالياً عاجزة عن اتخاذ أي خطوة
بدوره، قال رئيس بلدية صور حسن دبوق: “طبعاً هناك أضرار لحقت بالمواقع الأثرية في مدينة صور، لكنها لم تكن بحجم تلك التي لحقت بمدينة بعلبك، وهناك ضرر بسيط في أبنية مصنفة بحسب المديرية العامة للآثار”.
وأضاف: “الحكومة حالياً عاجزة عن اتخاذ أي خطوة ولا تستطيع أن تتخذ إجراءً. هل المطلوب من الوزير أن يأتي إلى المدينة ليحمي الآثار بنفسه؟ على الحكومة أن تحاول جاهدة التواصل مع الأونيسكو والمنظمات الدولية للحد من الأضرار التي قد تلحق بآثار مدينة صور. يجب أن تقوم بذلك، لأن الإسرائيلي لا يستثني أي شيء. لم نستطع حتى اليوم تقييم حجم الضرر بشكل دقيق ومباشر، وقد قصفوا موقع العين وهو مبنى أثري لكنه غير مصنف في الأونيسكو، ويُعتقد أن السيد المسيح قام بمعجزة هناك”.
وأشار دبوق إلى أن “كل شيء يمكن ترميمه، وحرب تموز أكبر دليل، فمن بعد الدمار الذي لحق بنا في 2006 تم إعادة إعمار لبنان، لكن ما يحدث الآن يلحق ضرراً كبيراً بالآثار بسبب الأسلحة التي يستخدمها الإسرائيلي. المشكلة أن الآثار ستفقد المواد الرئيسية لإعادة ترميمها بالشكل الذي كانت عليه، إذ من المستحيل إعادة ترميم آثار عمرها 2000 سنة بشكل دقيق كما كانت عليه”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
سياحة على وقع الحرب ضربات متتالية على الرأس | لبنانيو أميركا: لوبي مؤثر تنتظره مهمة انقاذ | الشيعة على مفترق الكارثة: لا مفرّ من العبور إلى الدولة |