أطفال لبنان يعيشون كابوس الحرب ويُرعبهم صوت “أدرعي”


خاص 18 تشرين الثانى, 2024

يُعتبر الأطفال الضحايا الأوائل للحروب، والنازحون منهم في المدارس أتعس حالاً ممن استأجر ذووهم منازل في مناطق أكثر أمناً، إذ يعانون من عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي والمكاني بعدما تركوا منازلهم وألعابهم وذكرياتهم الجميلة، وفرضت عليهم الحرب التعايش مع أشخاص لا يعرفونهم ومشاركتهم الحمام والمطبخ وكلّ شيء فلا خصوصية في غرفة تبيت فيها أكثر من ثلاث عائلات

كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:

من تحت الغطاء المتدلّي من جانبي فرشته الرقيقة والذي يُخبّئ به جسده النحيل، ينتفض جسم “علي” ابن السبع سنوات، خوفاً من دويّ الصاروخ الذي استهدف بناية قريبة من منزله الذي نزح إليه حديثاً مع أفراد عائلته في منطقة دوحة عرمون. صوت “طقطقة” أسنانه يُسمع بوضوح في أرجاء الغرفة وكأنّ الصبيّ يعضّ بها على كلّ الجراح والمآسي التي يعيشها منذ اندلاع الحرب في لبنان. على وقع الغارة العنيفة، تُسارع والدته لتحتضنه علّها تخفّف من رعشته، وحدها عبارة “ما بدّي موت” يُردّدها الطفل المرعوب كلّما أحسّ بالخوف الناجم عن سماع أصوات الغارات. هكذا تروي “أم علي” معاناة أطفالها الثلاثة منذ أن نزحت من منزلها في النبطية. “بتنا نفتقد الأمان، والقلق الذي نعيشه يشعر به أطفالنا أكثر منا، هؤلاء لا يُعبّرون مثلنا، لكنّ تصرفاتهم تعكس ما يحسّون به، فابني الكبير يلتصق بي كلّما تنقلّت من غرفة إلى أخرى ويحمل أخته الصغرى إليّ إذا اقتربت من النافذة”.

في بيتً آخر يقع على أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت، لا يترك “آدم” هاتفه الجوال على الإطلاق، لا لمتابعة صفحات “التيك توك” و”انستغرام” التي ألِفَها، ولكن ليبقى متيقّظاً لأيّ نبأ جديد، وحدها ساعات المساء تجعل من ليل ابن الخمسة عشر عامًا كابوساً، خاصة حين يسمع إنذارات أفيخاي أدرعي، “هكذا يقول”. يبقى الفتى مستيقظاً تحسّباً لأيّ طارئ قبل أن يستسلم للنوم في ساعات الفجر الأولى ليعود وينهض لمتابعة دروسه عن بُعد. “لم تعُد الحياة جميلة بالنسبة لي، لا أمان ولا استقرار، غابت الابتسامة عن وجوهنا، يمكنني أن أقرأ بوضوح القلق في عيني كلّ من أمّي وأبي حتى بتنا نتمنى الهجرة لكن لا نعرف الى أين”، يختم “آدم” حديثه لـ “هنا لبنان”.

الأطفال أول ضحايا الحروب

يُعتبر الأطفال الضحايا الأوائل للحروب وهم يعانون في جزء كبير منها من الحرب النفسية، هذا ما تؤكده الدكتورة في علم النفس الاجتماعي والمستشارة في تقدير الذات فريال حلاوي، مشيرة إلى “أنه بالعادة يكون الاقتتال خلال النهار، لكنّ في لبنان تشتد حدّة القصف ليلاً ما يجعل الأطفال يعيشون في حالة ذعرٍ وقلقٍ وخوفٍ دائمين، فتتغيّر ساعات نوم الطفل ويركض للاحتماء بأهله كلّما سمع صوت غارة، فتزداد أزماته النفسية إلى ما بعد مرحلة الحرب، من هنا يأتي دورنا في مساعدة الطفل ومساندته حتى لا يحملها فيما بعد. كيف يتم ذلك؟ تجيب حلاوي في حديثها لـ “هنا لبنان” “عبر حثّه على التعبير، فكثير من الأطفال يغرقون في قلقهم وعزلتهم دون التعبير عن مكنوناتهم ويكون ذلك إما عبر الكلام أو بوسائل أخرى كالرسم واللعب بالمعجون ومشاركتهم قراءة القصص ومناقشة الشخصيات التي أثّرت فيه”. وأضافت “كلُّ طفلٍ يستجيب تبعاً لاستعداداته النفسية، والتأثّر بالحرب يختلف بين طفلٍ وآخر، من هنا يأتي دورنا كأهل لمساندتهم ومراقبة أي تغيير يطرأ في تصرفاتهم، فقد نلحظ مثلا تبوّلاً لاإراديّاً عند بعض الأطفال أو فقدان الشهية أو انسحاب اجتماعي عند غيرهم، وكل ما يخرج عن السيطرة يجب اللجوء فيه إلى أخصائية نفسية”.

وأكدت حلاوي أن معظم الأطفال يتغلبون عادة على صدماتهم بالمساعدة، وحثّت على “إعطاء أجوبة بسيطة ومبسّطة لأسئلة الأطفال تجاه ما يحصل دون إدخالهم في تفاصيل الحرب، إجاباتٌ تكون مناسبة لأعمارهم وتفكيرهم وتطمينهم بأننا كأهل سنكون إلى جانبهم ريثما تنتهي الحرب”، مشيرة إلى “أنه يجب أن لا ننسى أن الطفل يُخزّن في رأسه كل مشاهد العدوان والعنف التي يراها وقد يحوّلها إلى سلوك يُمارسه على أقرانه وأصدقائه وأخواته، من هنا تكمن أهمية مواكبته كأهل عند رؤيته لتلك المشاهد وتفسيرها له على أنها مشاهد سلبية واعتداء من فريق على آخر مع الانتباه كلّ ما يراه على شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي”.

نازحو المدارس يفتقدون الخصوصية

حال الأطفال النازحين في المدارس يكاد يكون أكثر سوءاً ممن استأجر ذووهم منازل في مناطق أكثر أمناً، فهؤلاء يعيشون حالة عدم استقرار نفسي واجتماعي ومكاني بعدما تركوا منازلهم وألعابهم وذكرياتهم الجميلة. “رشا” ابنة الثلاثة عش عاماً ر نزحت مع أسرتها الى إحدى مدارس العاصمة بيروت بعد أن تعرّض منزلهم في صور للقصف والتدمير، تشكو الفتاة من الظروف التي فرضتها عليهم الحرب والتي حتّمت عليها التعايش مع أشخاص لا تعرفهم ومشاركتهم الحمام والمطبخ وكلّ شيء، فلا خصوصية في غرفة يبيت فيها أكثر من ثلاث عائلات، “وحدها الستارة التي ابتكرناها ونُسدلها يدويّا خلال فترة النوم وتبديل الملابس تشكل حاجز بصريّاً لا سمعيّاً عن قاطني الغرفة المكتظة”. توافقها “آية” التي تٌجايلها في العمر الرأي وهي لا تُخفي قلقها من المستقبل المجهول، وتقول ” أكثر ما يُزعجني أنني موجودة في صف مدرسة كان من المفترض أن أكون فيه من أجل الدراسة وليس كملجأ أنام فيه هرباً من القصف، صرت أكره الليل وأخاف من أي صوت ويرعبني صوت أفيخاي أكثر من دوي الانفجارات “.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us