صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟
هناك احتمال بأن يقوم ترامب بإبرام صفقة مع بشار الأسد، تقوم على مقايضة بين تعويم النظام من جهة وأدائه مهمة منع السلاح الإيراني من دخول سوريا والتسرب إلى لبنان من جهة أخرى. وبذلك فإنّ الصورة المستقبلية للوضع في لبنان وسوريا ستحمل تحولاً واضحاً بعودة كاملة لعلاقة الأطلسيين مع نظام الأسد، مقابل انحسار نفوذ إيران على حدود إسرائيل الشمالية، في لبنان كما في سوريا
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
يتوقع بعض الخبراء مفاجآت مثيرة في الملفات الدولية، خلال 4 سنوات من ولاية دونالد ترامب. وخلافاً لما توحي به شخصية هذا الرجل من تصلّب وتطرّف وشغف بالمواجهات، فإنه في الواقع مولع بالصفقات لا بالحروب. وهو اعتاد إتقان صفقاته المبنية على براغماتية مطلقة، كما اعتاد أن يدفع الآخرين إلى أن يقوموا بتحضير الأرضية له، فيأتي ويبرم الصفقات بأقل الأكلاف. وهذا ما يُرتقب حدوثه في مدى الشهرين الباقيين من ولاية جو بايدن، سواء في أوكرانيا أو في الشرق الأوسط حيث وعد ترامب بإطلاق ورشة تحولات ضخمة.
فلسفة ترامب لإدارة الشرق الأوسط، وفق العارفين، تقوم على تقديم الإغراءات لدُوله وأنظمته بالاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي الطويل الأمد، من أجل دفعها إلى إقامة شراكة دائمة في ما بينها، تحت الرعاية الأميركية. وهذه الشراكة ترتكز إلى هيكل من المصالح المتبادلة على 3 مستويات:
1- إغراء إسرائيل بالاستجابة إلى طموحاتها الاستراتيجية في الملف الفلسطيني، بحيث تطلَق يدُها في غزة والضفة الغربية، ويزال كل خطر محتمل على حدودها الشمالية والجنوبية في شكل كامل ودائم، ولاسيما الخطر النووي والتوسعي الإيراني.
2- إغراء الدول العربية الحليفة لواشنطن بما يكفي من الدعم العسكري والسياسي، فتطمئن إلى حدودها وأمنها الداخلي واستقرار أنظمتها وضمان ازدهارها الاقتصادي بعيداً من أي خطر، ولا سيما من جانب إيران النووية، ما يدفعها قُدُماً في مسار اتفاقات السلام والتطبيع الإبراهيمية.
3- ضمان المصالح الأميركية في كل ذلك، بتوسيع دائرة الشراكة بين إسرائيل والعرب لتشمل دولاً عربية جديدة محسوبة أساساً على محور طهران، كدمشق وبيروت. ولإنجاح هذه الورشة، تقتضي الاستجابة لرغبة العرب في تسوية الملف الفلسطيني على أساس حل الدولتين. وثمة من يتوقع أن تعلن إسرائيل موافقتها، ولو الشكلية، على هذا العنوان.
يعني ذلك أنّ ترامب مجبر على العمل، في الشهرين اللذين سيسبقان بدء ولايته، على إنهاء نفوذ إيران كدولة نووية وتوسعية في الشرق الأوسط، سواء بتوجيه ضربة عسكرية أميركية- إسرائيلية حاسمة إلى منشآتها الاستراتيجية، أو بإزالة الخطر الإيراني من لبنان وسوريا، بهدف إبعاده عن حدود إسرائيل الشمالية وشاطئ المتوسط المقابل لأوروبا الغربية.
ولذلك، وبمعزل عن مضمون التفاهمات التي يجري النقاش حولها بين لبنان وإسرائيل، بوساطة آموس هوكشتاين، من الواضح أنّ إسرائيل لن توقف الحرب ما لم تتوصل إلى وقف تهديد “حزب الله” في شكل ثابت ودائم، من خلال لجنة المراقبة المقترحة، والتي سيرئسها الأميركيون مباشرة وتضم فرنسا وربما دولاً أخرى أطلسية. مع العلم أن إسرائيل ربما تتمسك بشرطها حق القيام بعمليات عسكرية في لبنان، إذا تبين لها أن “الحزب” يعيد تسليح نفسه، أو ربما تُوافِق على صيغة أخرى تُحقق هذا الهدف.
ولكن، وفيما اللبنانيون عالقون بين آلة النار الإسرائيلية وآلة المفاوضات الأميركية، ثمة مشهد آخر يتحرك في الخلفية. إنه سوريا حيث تخوض إسرائيل حرباً موازية لحرب لبنان، وربما تدور في الكواليس مفاوضات موازية مع سوريا أيضاً، ما سيقود حتماً إلى ولادة معطيات جديدة في الملف السوري، موازية للمعطيات المنتظرة في الملف اللبناني.
في سوريا، تستهدف إسرائيل في شكل حثيث، وشبه يومي، مستودعات السلاح والذخائر العائدة لطهران و”حزب الله”، كما تنفذ عمليات اغتيال متواصلة للكوادر والقادة. وعلى حدود سوريا الجنوبية، هي تعمل بإصرار لإحكام سيطرتها على النقاط الحساسة مع لبنان. ففي المعيار الاستراتيجي، سوريا هي الجسر البري الوحيد الذي يوصل المؤن الإيرانية إلى لبنان. فإذا تم قطعه، وجرى إحكام السيطرة على معابر البحر والجو في لبنان، فسيخسر “الحزب” تلقائياً كامل طاقته العسكرية، وتتغير طبيعته ليصبح حزباً سياسياً كما سائر التنظيمات اللبنانية التي تخلت سابقاً عن سلاحها.
وما يجري على المسرح السوري تواكبه تسريبات مفادها أن روسيا بوتين، التي تستعد لمرحلة من العلاقات الطيبة مع واشنطن ترامب، والتي تمسك اليوم بغالبية القرار في دمشق قد يجري تكليفها بدور فاعل في منع دخول السلاح الإيراني من سوريا إلى “حزب الله”، كجزء من الاتفاق المنتظر إعلانه بين إسرائيل ولبنان.
لكن الأكثر إثارة للاهتمام في المشهد السوري، هو ما ذكرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن احتمال أن يقوم ترامب بإبرام صفقة لا مع صديقه الروسي فلاديمير بوتين، بل مع بشار الأسد نفسه. وتقوم هذه الصفقة على مقايضة بين تعويم النظام من جهة وأدائه مهمة منع السلاح الإيراني من دخول سوريا والتسرب إلى لبنان من جهة أخرى. وترامب يمكن أن يجرؤ على هذا النوع من الصفقات. وثمة من يربط بين هذا الاحتمال وقرار ترامب تعيين تولسي غابارد رئيسة للإدارة الوطنية للاستخبارات، وهذه المرأة معروفة مثله بتعاطفها مع بوتين، وزارت دمشق قبل سنوات حيث التقت الأسد. وهي تنادي بإعادة الاعتبار لنظامه في المعادلة الإقليمية.
إذا كان هذا الاحتمال وارداً بالفعل في تفكير ترامب، فإن الصورة المستقبلية للوضع في لبنان وسوريا ستحمل تحولاً واضحاً. فثمة عودة كاملة لعلاقة الأطلسيين مع نظام الأسد، مقابل انحسار نفوذ إيران على حدود إسرائيل الشمالية، في لبنان كما في سوريا. وهذه المعادلة الجديدة والمثيرة من شأنها أن تخلط الكثير من الأوراق على رقعة الشرق الأوسط بكامله، دولاً وأنظمة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لا سلاح في شمال الليطاني أيضاً | استنفار قيادي درزي منعاً لأي مغامرة | ماذا سيبقى من “حزب الله”؟ |