نعيماً يا قاسم!
قبل 8 أكتوبر، كان للحزب أمين عام يتمتّع بالكاريزما وقوة الخطاب وإصبع تتوعّد، وقادة وأذرع تهدد الدولة والقضاء والأمن وتسرح وتمرح بين المعابر ومخازن الأسلحة ومنصّات الصواريخ… كان يا ما كان.. وكلّ ما تبقّى هو نعيم قاسم يسمع الإسرائيليين يقولون له “نعيماً” بعد التنازلات التي ستتوالى مع كل إطلالة تلفزيونية
كتب جوزف طوق لـ “هنا لبنان”:
يختبئ أمين عام تصريف أعمال حزب الله نعيم قاسم تحت الأرض، ويطلّ بخطاباته متعرّقاً ومتوتراً ومتلعثماً.. أما المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي يتمشّى فوق أرض الجنوب، ويطلق تهديداته مبتسماً وحازماً ومرتاحاً…
هذا، باختصار، ملخّص الحرب المجنونة التي بدأها حزب الله في 8 أكتوبر على طريق القدس بعد إطلاقه جبهة الإسناد لغزة، وبات الآن يلهث لإيجاد طريق مختصر إلى وقف إطلاق النار وتثبيت معادلة “يا دار ما دخلك شرّ” إلى ما بعد بعد الليطاني.
“راحت السكرة وإجت الفكرة” هو أفضل عنوان لإطلالة نعيم قاسم التلفزيونية الأخيرة… وهذا الذي كان قد سكر مع حزبه وقياداته وصواريخه بانتصارات ومعادلات ردع الإسرائيليين وتركيعهم، استفاق على الطائف ورئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان وسقف الدولة والقانون… الحزب يسكر ويصحو على ذوقه، ويتغندر على سقف واقع فوق جثث الشهداء الأبرياء وأطراف الجرحى المبتورة، وفوق القرى المختفية عن صور الأقمار الاصطناعية، وفوق رؤوس جميع اللبنانيين المطمورين ببقايا اقتصاد وأمن واستقرار.
في الـ2006 “لو كنت أعلم”، وفي الـ2024 “لقد تعلّمت”… وفي كل يوم من أيام هذه السنوات، لم يكن اللبناني يعلم متى موعد حياته وموعد موته، ولا موعد أحلامه ولا آماله، ولا موعد ازدهاره ولا أوجاعه، ولا موعد سلمه ولا حربه، بعد أن اختفى موعد لبنانه بتوقيت إيرانهم.
أفاق الحزب، ولن تعود جثث أكثر من 200 طفل لبناني إلى اللعب في “الحيّ” وتطارد أحلامها بأن تكبر في بلد مخمور بحروب الحزب. أفاق الحزب، ولن يبقى سوى ذكريات الزهر والزيتون في أكثر من 30 قرية جنوبية محاها سلاح الجوّ الإسرائيلي. فاق الحزب دون أن يستفيق آلاف الشهداء في غرف نومهم المدمّرة فوق وساداتهم. أفاق الحزب، ولن يستطيع أن يمحو كوابيس مئات آلاف اللبنانيين الباحثين عن سقف يستر كرامتهم.
لعنة الله على استفاقة حزب ثمنها سبات شعب بأكمله في الذلّ والخوف والعوز… لعنه الله على استفاقة حزب تقابلها كوما سياسية لبنانية لا تجيد التعامل مع أبسط قواعد الحكم والعدل… ولعنة الله على استفاقة حزب ندفعها نحن، الشعب اللبناني، بالشحادة من الدول العربية والأجنبية للإعمار والاستشفاء والإيواء والأكل والشرب.
كان “صهاينة الداخل” يطالبون منذ ما قبل قبل 8 أكتوبر بتطبيق اتفاق الطائف، وانتخاب رئيس للجمهورية، والحياد عن الصراعات الإقليمية، وتجنيب المدنيين حروب المسلّحين، وحماية لبنان بحدوده البرية والبحرية. وكان “صهاينة الداخل” يطالبون ببسط سلطة الجيش، وتفويض الحكومة بقرارات الحرب والسلم… وأمّا اليوم، بعدما ساقنا حزب الله كالخراف إلى المسلخ الإسرائيلي، بات القرار بيد “الصهاينة الفعليين” في إعادة ترسيم الحدود البحرية والبريّة، وفرض مراقبة دولية مسلّحة ومدنية على المعابر الشرعية وغير الشرعية، وإرساء معادلات ميدانية في كل المنطقة الواقعة (حتى اللحظة) تحت نهر الليطاني، وربما غداً أكثر وأوسع.
قبل 8 أكتوبر، كان لحزب الله أمين عام يتمتّع بالكاريزما وقوة الخطاب وإصبع تتوعّد، وكان لحزب الله قادة وأذرع تهدد الدولة والقضاء والأمن، وتسرح وتمرح بين المعابر ومخازن الأسلحة ومنصّات الصواريخ… كان يا ما كان، حتى أصبح الحزب رهينة الخطابات المعجّلة والمؤجلّة على حسب مواعيد طائرة المبعوث الأميركي الذي يبلغنا بالشروط الإسرائيلية التي تشرف عليها طائرات الاستطلاع الزنّانة فوق بيروت.
“حلقولو” لحزب الله في صالون “خامنئي” للرجال، وكلّ ما تبقّى هو نعيم قاسم يسمع الإسرائيليين يقولون له “نعيماً” بعد التنازلات التي ستتوالى مع كل إطلالة تلفزيونية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
صدفة تجمع إيلي صعب وعلي خامنئي | حزب الله… “سلّملي عليه”! | يا أحقر الناس! |