35 عاماً… فهل نعطي رينيه معوض حقّه؟
يقيم رينيه معوض في قائمة شخصيّات توصف في لبنان بـ “رجال الدولة”، وهؤلاء، للغرابة، يبقون قلّة بينما يتفوّق عليهم، عدداً، من سرقوا الدولة أو استفادوا منها أو صنعوا ثروات وزعامات على حسابها. كم يحتاج لبنان إلى رينيه معوض ما في المرحلة المقبلة. رجلٌ يحترم خصومه قبل الحلفاء، ورجلٌ يجعل استقامته مثالاً للسياسيّين. ورجلٌ يبني ويحمي، فعلاً لا قولاً، ويعيدنا إلى إيمانٍ فقدناه، أو نكاد، بأنّ الدولة هي ملجأ الجميع وعنصر قوّتهم، لا خطاب التجييش والتخويف، ولا، خصوصاً، الاستعانة بفائض القوّة
كتب ناشر “هنا لبنان” طارق كرم:
في زمن الأحداث الكبيرة، لا بدّ أن نستذكر الكبار. مضت ذكرى الاستقلال ونحن في غربةٍ عن جوهر المناسبة. ولا نغفل عن ذكر من استشهد ذات ٢٢ تشرين الثاني. رئيسٌ آخر يُقتل قبل أن يحكم، وفرصةٌ أخرى لنهوض الجمهوريّة ضاعت، مرّة حين اغتيل بشير الجميّل، ومرّة أخرى حين اغتيل رينيه معوض.
يقيم رينيه معوض في قائمة شخصيّات توصف في لبنان بـ “رجال الدولة”، وهؤلاء، للغرابة، يبقون قلّة بينما يتفوّق عليهم، عدداً، من سرقوا الدولة أو استفادوا منها أو صنعوا ثروات وزعامات على حسابها.
حضر اسم رينيه معوض في حكايات الأهل، يترافق اسمه مع توصيفاتٍ نادرة هي الأخرى: “نضيف”، “آدمي”، “محترَم”… وتعزّزت المعرفة بصاحب الصفات من خلال كتاب “١٨ يوماً من عمر لبنان”، وفيه روى العميد طنّوس معوّض قصّة الأيّام الرئاسية التي انتهت سريعاً، تماماً كحلم كثيرين حينها بالخروج من رمال الحرب المتحرّكة إلى بناء الدولة التي لم تولد بعد، ولو مرّت على رحيل الرئيس الشهيد رينيه معوض خمسة وثلاثون عاماً.
يسهل تصنيف رينيه معوض. هو يقرأ في “الكتاب”، كما كان يسمّي فؤاد شهاب الدستور. وقد كان، مثل اللواء، مستقيماً ونزيهاً، لا ينزلق إلى وحول الطائفيّة ولا يزايد عليه أحدٌ في مارونيّته الصلبة، تحت جناحَي سيّدة إهدن، الملجأ والمُعين.
وكان معوّض من صنّاع “الكتاب”، بنسخته المعدّلة، أي وثيقة الدستور اللبناني التي سُمّيت “الطائف”، وكان اغتياله أولى علامات الانقلاب على الاتفاق الذي، لو طبّقناه، لما بلغنا ما بلغناه من حروبٍ وأزماتٍ وصناعة انتصارات وهميّة، واستعطاء تنفيذ القرارات الأمميّة.
نستذكر رينيه معوض، ولا نغفل عن ذكر من أبقى الكثير من نهجه السياسي، بدايةً عبر زوجته نايلة التي بقيت سيّدةً أولى في دورها السياسي والاجتماعي. ثمّ عبر نجله النائب ميشال الذي خطّ طريقه السياسي تصاعديّاً، فكان المجتهد والواثق والساعي، مع آخرين، إلى صناعة الوطن الذي قُتل والده كي لا يكون، وأضحى زعيمًا ورقمًا صعبًا ومرشحًا رئاسيًا جدّيًا في زمن التكاذب والهرطقات الدستورية. وأيضاً عبر مؤسسة رينيه معوض الخيرية ودورها الرائد في المساعدات وتطوير المجتمع وتشجيع المبادرات الفردية.
ونستذكر الرئيس معوض فندرك أنّ قاتله لم يحاسَب، لا بل هو عمل على قتل الوطن لاحقاً، وقتل آخرين تطول لائحة أسمائهم، ومنهم بيار الجميّل الذي استعدنا ذكراه منذ يومين. القاتل واحد، تتغيّر الأذرع فقط.
يحتاج لبنان إلى رينيه معوض ما في المرحلة المقبلة. رجلٌ يحترم خصومه قبل الحلفاء، تماماً كما صان الراحل علاقته مع آل فرنجيّة. ورجلٌ يجعل استقامته مثالاً للسياسيّين. ورجلٌ يبني ويحمي، فعلاً لا قولاً، ويعيدنا إلى إيمانٍ فقدناه، أو نكاد، بأنّ الدولة هي ملجأ الجميع وعنصر قوّتهم، لا خطاب التجييش والتخويف، ولا، خصوصاً، الاستعانة بفائض القوّة.
هي سطورٌ قد لا تمنح الراحل الكثير من حقّه. حسبنا أن نتعلّم من تجربة السنوات الخمس والثلاثين، فنخرج من الدويلة إلى الدولة. حينها فقط، نعطي رينيه معوض حقّه.
مواضيع مماثلة للكاتب:
ما بعد الحرب… هزيمة أو انتصار؟ | ويبقى الجيش هو الحلّ… | جبران: رِدّ الصاروخ |