حين تتحوّل الهزيمة إلى انتصار…!
منذ نشوء حزب الله على يد رجال دين من الطائفة الشيعية في العام 1982 تحت إسم “المقاومة الإسلامية”، برزت أسباب وجوده كميليشيا تتحضّر للتصدّي لإسرائيل، ثم بدأت تتجه نحو المعترك السياسي، فدخلت المجلس النيابي في العام 2000 بعد معركة التحرير، حين انسحب الجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، ثم توالى الحزب على الحكومات المتعاقبة بدءاً من العام 2005، فأثار الجدل بطريقة تعامله مع الدولة اللبنانية، التي لطالما وصفت بالفوقية تحت عنوان أنه حرّر الجنوب، ومن ثم قيامه بخطف جنود إسرائيليين في تموز 2006 ، ليتحوّل المشهد إلى حرب دموية وسط الضحايا والدمار الهائل، والنتيجة إعلان انتصاره بعد 33 يوماً على وقع المقولة الشهيرة: “لو كنت أعلم”، وصدور القرار الدولي 1701 الذي لم يتحقق فعلياً.
أما الانتصار الأبرز والخيالي والوهمي فذلك الذي يعيشونه اليوم، بدءاً من الرابعة من فجر اليوم والمتوقع أن يمتد إلى أشهر، إذ عمّت الاحتفالات بعض المناطق اللبنانية المحسوبة على الحزب، وأقيمت على أنقاض وركام المنازل والشوارع والأحياء والمناطق التي سُويّت بالأرض، فرفعت الأعلام الصفراء وسط تدمير البنى التحتية والمؤسسات التابعة للحزب، والمترافقة كالعادة مع رصاص الانتصار الوهمي، الذي أقنعوا به بيئتهم الحاضنة فصدّقت واستعادت مقولة “هيهات منا الذلّة”.
فبعد سنة وشهرين على مشاركة حزب الله في حرب الإسناد ووحدة الساحات، ورمي إسرائيل في البحر وتحرير فلسطين والصلاة في القدس، وغيرها من الشعارات التي لم تتحقق، بل بقيت حبراً على ورق، مع ما رافقها من سقطات باغتيال كبار قادة الحزب ومسؤوليه العسكريين وكل مؤسساته، وإصابة آلاف عناصره خلال تفجيرات البيجر، وصولاً إلى المقترح الأميركي الذي حوى بنوداً تمسّ بسيادة لبنان، إذ تفرض شروطاً تعجيزية ومع ذلك وافق حزب الله عليها، وها هو يرفع رايات الانتصار المزيف، فإذا بالهزيمة تتحول كالعادة إلى ربح منقطع النظير، بدءاً بالفيديوهات التي إنتشرت منذ ساعات الفجر وأزيز الرصاص الذي يعبّر دائماً مع مسلحي حزب الله عن الفوز، مترافقاً مع حبّات الأرز التي رُشّت في الساحات، مع مشاهد استفزازية للداخل اللبناني والتهديد الموجّه للفريق المعارض، مع استباحة الدولة من قبل الدويلة.
وسط هذه المشاهد نقول: “لا بدّ من التروّي قليلاً قبل إطلاق المفرقعات الكلامية، لانّ اتفاق وقف إطلاق النار مرهون بجدّية تنفيذه من قبل كل الأطراف، لذا يجب إنتظار الأيام المقبلة لمعرفة حقيقة ما سيجري، بدءاً بتطبيق الشروط الدولية، من ضمنها الشرط التعجيزي بالنسبة للحزب، أي نزع السلاح بالكامل من جنوب الليطاني، كذلك عودة المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل وفق اتفاقية الهدنة،إضافة إلى بند تدخّل إسرائيل وقصفها للبنان بمجرد أي خطأ أو خرق يقوم به الحزب، فهل سيتحقق ذلك فعلياً؟
مع الإشارة إلى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن الموافقة على وقف النار، مع الإحتفاظ بالحرّية الكاملة للعمل العسكري وبالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، وفي حال انتهك حزب الله الاتفاق أو حاول معاودة التسلح، فسوف نضربه بقوة كما قال نتنياهو.
إلى ذلك ووفق هذه الشروط يمكن التأكيد أنّ حزب الله بات خارج إطار الانتصارات، وهو كالعادة أوهم نفسه بأنه الرابح الأول، من هنا نسأل كيف يخرج الواهم من وسط أنقاض القرى والبلدات ودخول الجيش الإسرائيلي الى بلدات عدة حدودية وفق فيديوهات موثقة؟ وكيف يمكن أن يرفع مقاتلو ومناصرو الحزب علامات النصر ورائحة دماء الضحايا لم تجفّ بعد؟ لا بل أثرها سيبقى إلى الأبد لأنهم سقطوا شهداء من دون أي ذنب اقترفوه، فقط كرمى لعيون إيران ووحدة ساحاتها المزيفة…
مواضيع مماثلة للكاتب:
“حزب الله”: أيدينا ستبقى على الزناد! | هوكشتاين: لدعم الجيش اللبناني | الجميل: لضرورة أن يكون وقف النار مدخلًا لاستعادة السيادة |