إتفاق وقف إطلاق النار أم إعادة تسليح ؟ المسار الغامض للأمام


خاص 28 تشرين الثانى, 2024

يوفر اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان مزايا للطرفين، ولكن مع فوائد استراتيجية واضحة لإسرائيل، التي ستحتفظ بموجبه بقدرتها على مراقبة أنشطة “الحزب” عبر العمليات الاستخباراتية، وتحتفظ بحقها في اتخاذ إجراءات أحادية الجانب إذا حدثت انتهاكات. فهل سيلتزم الحزب بشروط الاتفاق؟ وهل يمكن للجيش اللبناني، بدعم من الولايات المتحدة والمراقبين الدوليين، أن يضمن تنفيذه بفعالية؟

كتب سلام الزعتري لـ”هنا لبنان”:

يشعر اللبنانيون بارتياح كبير بعد توقف القصف والقتل، مما أتاح لحظة من الراحة المطلوبة للجميع. وعلى الرغم من صعوبة الوضع، وجدت العائلات المشردة بعض الفكاهة حتى في هذه الأوقات الصعبة، حيث كانوا يمزحون بشأن فقدانهم لتغريدات “أفيخاي أدرعي” اليومية. هذا يعكس مرونة الروح اللبنانية. ومع ذلك، مع تراجع الحماسة التي أحدثتها الحرب، تبرز أسئلة جدية: متى سيتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم؟ ما هي خطط إعادة الإعمار ومن سيتحمل التكلفة؟ هل يدرك مؤيدو حزب الله تمامًا فحوى الاتفاق؟ هل يمكن للحكومة ضمان تنفيذه بنجاح؟ إسرائيل دائمًا ما تكون لديها أجندة خفية. كما أن حزب الله قد أظهر باستمرار ترددًا في احترام القوانين والاتفاقات الدولية. عذراً إذا كانت وجهة نظري نقدية وحذرة!

يبدو أنّ اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يوفر مزايا للطرفين، ولكن مع فوائد استراتيجية واضحة لإسرائيل. بموجب الاتفاق، تحتفظ إسرائيل بقدرتها على مراقبة أنشطة حزب الله من خلال العمليات الاستخباراتية، وتحتفظ بحقها في اتخاذ إجراءات أحادية الجانب إذا حدثت انتهاكات. هذا يضمن الحفاظ على مصالح إسرائيل الأمنية بينما يتم اختبار التزام حزب الله من خلال عملية انسحاب تدريجية. فهل سيلتزم حزب الله بشروط الاتفاق؟ وهل يمكن للجيش اللبناني، بدعم من الولايات المتحدة والمراقبين الدوليين، أن يضمن تنفيذه بفعالية؟

ومع ذلك، تظل التحديات قائمة مع عودة أعضاء حزب الله غير المسلحين إلى جنوب لبنان، مما قد يعقد عملية تنفيذ الاتفاق. كما أن الاتفاق يشمل أطرافًا دولية مثل “اليونيفيل” والولايات المتحدة، مما يضمن إشرافًا أوسع. لبنان يستفيد من تهدئة الصراع، لكن التوازن يعتمد بشكل كبير على التزام حزب الله بالشروط، مع استعداد إسرائيل للرد بقوة على أي خروقات، كما هو مذكور في الاتفاق.

لم يشمل حزب الله أسراه لدى الجيش الإسرائيلي كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار، لأنه كان يركز على هدف استراتيجي أوسع بدلًا من قضايا إنسانية أو دبلوماسية محددة. الاتفاق بين إسرائيل وحزب الله، الذي تم بوساطة الولايات المتحدة، كان مصممًا أساسًا لوقف الأعمال الحربية، وليس لحل كل جوانب النزاع، بما في ذلك قضية الأسرى. وقد يكون موقف حزب الله ناتجًا عن اعتقاد بأن قضية الأسرى يجب أن تتم معالجتها من خلال مفاوضات منفصلة أو في مراحل لاحقة من عملية حل النزاع.

فمن انتصر برأيكم؟ أم أنّ هذه استراحة محارب لسياسيي حرب نتنياهو؟ يقدم نتنياهو ثلاثة أسباب رئيسية لرغبته في وقف إطلاق النار الآن: التركيز على التهديد الإيراني، الراحة وإعادة تجهيز الجنود، وعزل حماس. الراحة وإعادة التجهيز لمن؟

يدعي حزب الله النصر في وقف إطلاق النار لأنه يرى في الاتفاق دليلاً على مرونته وقدرته على مقاومة العمليات العسكرية الإسرائيلية. من خلال تصوير نفسه كمن صمد في وجه تقدمات إسرائيل، ويسعى الحزب إلى الحفاظ على روايته في الدفاع عن لبنان ومعارضة العدوان الإسرائيلي. كما أنه يعمل بذلك على تعزيز صورته الإقليمية والمحلية، رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدها خلال الحرب، في رسالة إلى بيئته الحاضنة ولتقويض التصورات حول المكاسب الاستراتيجية لإسرائيل.

كيف جاء هذا الاتفاق؟

تم تصميم وقف إطلاق النار للسماح لبايدن بالخروج، بينما يتم إعادة تجهيز إسرائيل من قبل الإدارة القادمة بقيادة ترامب. وترامب يسعى إلى اتفاق دائم في الشرق الأوسط، وقد أعلن عن نواياه تجاه إيران. وقد عبر الرئيس السابق دونالد ترامب عن رغبته في التوصل إلى حل للنزاعات المستمرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك تلك المتعلقة بإسرائيل وحزب الله، قبل مغادرة الرئيس بايدن للمنصب في عام 2024.

وقبل أن يتولى رونالد ريغان منصبه في يناير 1981، توسط الرئيس جيمي كارتر لإنهاء أزمة الرهائن الإيرانيين، التي يمكن اعتبارها شكلًا من أشكال “الحرب” بين الولايات المتحدة وإيران، رغم أنها لم تكن صراعًا عسكريًا تقليديًا. وبدأت الأزمة في نوفمبر 1979 عندما اقتحم متطرفون إيرانيون السفارة الأمريكية في طهران، واحتجزوا 52 دبلوماسيًا أمريكيًا ومواطنًا كرهائن. وتم احتجازهم لمدة 444 يومًا، ما خلق حالة من التوتر الدبلوماسي.

واليوم يتعرض الرئيس جو بايدن لانتقادات من قبل البعض بسبب ما يرونه نهجًا حذرًا أو “بطيئًا” في دعم إسرائيل خلال نزاعاتها. ويجادل النقاد بأنّ تأخير المساعدات العسكرية والضغوط الدبلوماسية قد وضع الجنود الإسرائيليين في وضع صعب بسبب نقص الذخيرة، مما يؤثر على قدرتهم على مواجهة التهديدات مثل حزب الله في لبنان. ومع اقتراب نهاية ولاية بايدن، يُنظر إلى تقريره عن التفكير في الامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة وتدابير دبلوماسية أخرى على أنها تقوض موقف إسرائيل الاستراتيجي.

بالإضافة إلى ذلك، سعت إسرائيل إلى قنوات دبلوماسية بديلة، مثل التفاوض مع فرنسا، لتخفيف الضغوط القانونية والسياسية الدولية، وخاصة في ما يتعلق بالقضايا التي تتابعها محكمة الجنايات الدولية (ICC). وتبرز هذه التحركات الجهود الاستباقية لإسرائيل في مواجهة التحديات الدولية، مع الحفاظ على حرية العمل العسكري.

وتبرز الصراعات مع حزب الله، الذي يُعتبر حليفًا رئيسيًا لحماس، ترابط الجماعات المسلحة في المنطقة. طوال حرب السابع من أكتوبر، تعهد حزب الله بدعم حماس، بهدف إطالة الحرب واستنزاف موارد إسرائيل. ومع ذلك، دمرت الحملة العسكرية الإسرائيلية في الشمال قيادة حزب الله ومخازن أسلحته، فحيّدت الحزب كتهديد رئيسي. ولم يقتصر هذا النصر على ترجيح كفة الميزان لصالح إسرائيل فحسب، بل عزّز أيضًا من عزل حماس، مما قلل من قدرتها على جمع الدعم الخارجي.

اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، على الرغم من كونه توقفًا ظاهريًا في الأعمال العدائية، فهو مؤقت وفي توقيت استراتيجي. فقبل 60 يومًا فقط من التغيير المحتمل في القيادة الأمريكية، شكل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق على أنه مشروط ومؤقت. إذا تم انتهاكه، تحتفظ إسرائيل بالحق في استئناف العمليات العسكرية، خصوصًا تحت إدارة أمريكية من المرجح أن تكون أكثر دعمًا بقيادة دونالد ترامب.

ففيما يسود هدوء حذر جبهة الشمال مع حزب الله، فإن النزاع في غزة لا يزال دون حل. والهدف الأساسي لإسرائيل في غزة هو استعادة الرهائن وتدمير بنية حماس التحتية. ومع ذلك، يعتقد البعض أن إدارة بايدن قد تضغط على إسرائيل لقبول اتفاق يحفظ حكم حماس، مشابه للوضع في لبنان، والذي قد لا يتماشى مع أهداف إسرائيل الأمنية طويلة الأجل.

بدلاً من ذلك، يبدو أن إسرائيل تركز على تعزيز مكاسبها وتحضير قواتها للجولات المقبلة من القتال. وغياب حزب الله عن معادلة الصراع يقوي موقف إسرائيل، مما يتيح لها فرصًا جديدة في غزة حيث تكون لها اليد الطولى. إن تاريخ 20 يناير، الذي يمثل نهاية ولاية بايدن، سيكون لحظة حاسمة في الاستراتيجية الإسرائيلية، مما يتيح فترة من الإجراءات العسكرية والدبلوماسية الحاسمة تحت إدارة أمريكية جديدة.

هذا الاتفاق لوقف إطلاق النار يعكس نهجًا إسرائيليًا محسوبًا، يوازن بين الاحتياجات الأمنية الفورية والأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل. بينما قد توفر السلامة المؤقتة راحة للسكان في الشمال، فإن استدامته تعتمد على التزام حزب الله والديناميكيات الإقليمية الأوسع.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us