“جيش شعب مقاومة”: إكرام الميت دفنه
إنّ معادلة “جيش، شعب، مقاومة” لم تعد اليوم قادرة على تلبية تطلعات اللبنانيين أو ضمان استقرارهم، فالمستقبل يتطلب العودة إلى الدولة ومؤسساتها الشرعية، حيث يكون الجيش اللبناني هو القوة الوحيدة المسؤولة عن حماية الحدود والدفاع عن السيادة
كتب جوني فتوحي لـ “هنا لبنان”:
لم تعد معادلة “جيش، شعب، مقاومة” التي تصدّرت البيانات الوزارية اللبنانية لسنوات طويلة قادرة على الصمود في ظل التحولات العميقة التي يشهدها لبنان داخلياً وإقليمياً. هذه المعادلة، التي وُضعت في مرحلة تاريخية معينة لتعزيز دور المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، أصبحت اليوم محط جدل واسع، خاصة مع تعاظم الضغوط الدولية المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وتصاعد الدعوات الداخلية لإنهاء ازدواجية القرار الأمني.
في ظل الانقسامات السياسية الحادة والأزمات الاقتصادية غير المسبوقة، يبدو أنّ قدرة حزب الله على فرض هذه المعادلة كما في السابق باتت موضع شك، لا سيما مع تراجع الدعم الشعبي وتنامي المطالب الدولية بتسليم زمام الأمور كاملة للدولة اللبنانية. ومع غياب رؤية واضحة حول دور المقاومة في المرحلة المقبلة، يفتح هذا الواقع الباب أمام تساؤلات جدية حول البدائل الممكنة لضمان أمن لبنان وسيادته، في ظل تغييرات إقليمية متسارعة قد تفرض واقعاً جديداً.
دياب: لا مستقبل للسلاح غير الشرعي
يعتبر الصحافي والكاتب السياسي يوسف دياب أنّ الأحداث تجاوزت معادلة “جيش، شعب، مقاومة” وأثبتت عدم جدواها خلال السنوات الماضية. وأشار إلى أنه لو كانت هذه الثلاثية فعالة، لما شهد لبنان حرب تموز عام 2006 أو حرب عام 2024. من وجهة نظره، هذه المعادلة لم تعد قائمة ولن تكون مقبولة في أي بيان وزاري مستقبلي، إذ إنّ التجربة أثبتت أنّ استمرار العمل بها يزيد من عزلة لبنان الدولية ويؤثر سلباً على استقراره الداخلي.
ويرى دياب أنّ معالجة ملف سلاح حزب الله أصبحت ضرورة ملحة قبل تشكيل أي حكومة جديدة. هذا السلاح، الذي كان يُعتبر ورقة قوة للبنان في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، يجب أن ينتهي دوره بيد فريق من اللبنانيين. وأضاف: “إذا كان هناك من يرى في هذا السلاح عنصراً استراتيجياً، فإنه يجب أن يكون تحت إشراف الجيش اللبناني حصراً، باعتباره المؤسسة الشرعية الوحيدة المخولة بحماية لبنان وضمان أمنه.”
وشدد دياب على أنّ قراري الحرب والسلم يجب أن يكونا بيد الدولة اللبنانية فقط، من خلال مؤسساتها الشرعية، مؤكداً أنه لا يمكن لأي طرف أن يتصرف نيابة عن اللبنانيين أو أن يفرض عليهم معادلات تتعارض مع مصالحهم الوطنية. وأوضح أنّ استمرار وجود السلاح خارج إطار الدولة يُبقي لبنان رهينة للصراعات الإقليمية ويُعيق بناء دولة سيادية قادرة على تلبية تطلعات شعبها وتحقيق استقراره.
يرى يوسف دياب أنّ معادلة “جيش، شعب، مقاومة” أصبحت جزءاً من الماضي، خاصة مع خروج حزب الله من الحرب الأخيرة جريحاً ومنهكاً نتيجة اغتيال قياداته السياسية والأمنية والعسكرية، وتدمير مستودعات صواريخه وأسلحته. يؤكد دياب أنّ الحزب لم يعد قادراً على تبرير دوره كسلاح لحماية لبنان أو كمعادلة رعب، إذ أصبحت هذه السردية مرفوضة. ويشير إلى أنّ الرقابة الإسرائيلية باتت تشمل كل الأراضي اللبنانية، بموافقة ضمنية من حزب الله، ما يعكس تغيّر المعادلة ميدانياً وسياسياً.
وأضاف دياب أنّ الحزب يواجه مرحلة تتطلب منه التعاطي ببراغماتية مع الواقع الجديد، حيث لن يتمكن من استعادة نفوذه السابق على الصعيد العسكري أو السياسي، حتى لو استمر الانقسام الداخلي حول دوره. الحل الوحيد يكمن في تقوية الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وعلى رأسها الجيش اللبناني، ليصبح الجهة الوحيدة المسؤولة عن حماية لبنان وسيادته.
وشدد دياب على أنّ تجربة المقاومة خلال العقود الماضية أدت إلى أزمات داخلية وحروب متنقلة، بالإضافة إلى أضرار كبيرة على المستوى الخارجي، من خلال تدخلات حزب الله في سوريا واليمن والعراق، ما أدى إلى تدهور العلاقات مع الدول العربية. لذلك، الحل البديل الوحيد هو تعزيز سلطة الدولة وخضوع الجميع للقانون، باعتباره الضمانة الوحيدة لأمن لبنان واستقراره.
قصير: المعادلة قائمة لحين إزالة الاحتلال
ومن جهته، يرى الصحافي والكاتب السياسي قاسم قصير أنّ معادلة “جيش، شعب، مقاومة” ما زالت قائمة في الوقت الحالي بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي والاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، مما يجعل الحاجة إلى هذه المعادلة قائمة. ومع ذلك، يشير قصير إلى أن هذا الملف يتطلب حواراً وطنياً شاملاً يُعقد بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعلى ضوء نتائج هذا الحوار وتشكيل حكومة جديدة، يمكن إعادة تقييم الواقع السياسي وتحديد مدى قدرة حزب الله على إقناع بقية الأطراف برؤيته.
ويضيف قصير أنّه في حال أثبت الجيش اللبناني قدرته على حماية الحدود والتصدي للاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية، فلن تكون هناك حاجة إلى وجود المقاومة أو الاستعانة بالشعب لدعمها.
إنّ معادلة “جيش، شعب، مقاومة” التي ارتبطت بفترة تاريخية محددة لم تعد اليوم قادرة على تلبية تطلعات اللبنانيين أو ضمان استقرارهم. التجربة أثبتت أن تعدد مصادر القرار الأمني والعسكري أضعف سيادة الدولة وزاد من أزمات لبنان الداخلية والخارجية. المستقبل يتطلب بوضوح العودة إلى الدولة ومؤسساتها الشرعية، حيث يكون الجيش اللبناني هو القوة الوحيدة المسؤولة عن حماية الحدود والدفاع عن السيادة، في إطار قانوني يضمن الأمن والاستقرار لجميع اللبنانيين.
ولذلك فإنّ تعزيز دور الجيش ودعم مؤسسات الدولة ليس مجرد خيار، بل هو الضمانة الوحيدة لتحقيق الأمن الوطني والازدهار. أما استمرار الازدواجية في القرار العسكري، فسيبقي لبنان رهينة الصراعات الإقليمية والتجاذبات السياسية. لا بد أن يخضع الجميع لسلطة الدولة والقانون، لأن لبنان القوي لا يبنى إلا بسلاح الشرعية وإرادة وطنية جامعة تنبذ الانقسامات.