قاسم يستعين بالطائف ويفتح دروب “الحزب” فجأة نحو الدولة… ماذا عن تسليم السلاح؟
حاول الشيخ نعيم قاسم الاتّجاه نحو تموضع سياسي جديد، أراد من خلاله إظهار الحزب وكأنه بدأ بالسير على دروب الدولة، مستذكراً اتفاق الطائف بعد طول غياب في محاولة لطمأنة الداخل فيما الحقيقة ساطعة إذ لا يمكن لمَن غضّ النظر عن شرعية الدولة لعقود من الزمن أن يستفيق على وجودها بين ليلة وضحاها
كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:
فجأة غابت النبرة العالية عن خطاب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، خلال الكلمة الأخيرة التي ألقاها بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، وكالعادة لم يغب التبجّح بالانتصارات لشدّ عصب المحازبين والجمهور، فتحدث قاسم عن إنتصار لافت فاق نصر تموز 2006، متناسياً الأعداد الهائلة للضحايا والدمار غير المسبوق وجرف أحياء القرى الحدودية، وكل الخراب الذي شمل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، فحوّل كل تلك النكسات المتتالية إلى ربح لم نستشعر منه شيئاً، فقط أراد ضبط بيئته الحاضنة منعاً لتشتتها، لذا فرض النصر عليها رغم تطويقها بكل التداعيات السلبية، التي نتجت عن تلك الحرب خصوصاً منذ إتساعها في شهر أيلول، واستمرارها حتى السابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي.
قاسم حاول من خلال كلمته المتلفزة والمسجّلة الإتجاه نحو تموضع سياسي جديد، أراد من خلاله إظهار الحزب وكأنه بدأ بالسير على دروب الدولة، مستذكراً اتفاق الطائف بعد طول غياب، وبأنّ الحزب تحت سقف هذا الاتفاق، على الرغم من أنه يعرف جيداً مع الحلفاء والخصوم معاً، بأنه لن ينخرط في مشروع بناء الدولة، واللافت أنه وجّه التحية إلى الجيش اللبناني الوطني، فيما كانت تلك التحيات غائبة عنه على مدى سنوات، لكنه أراد طمأنة الداخل ليس أكثر فيما الحقيقة ساطعة، إذ لا يمكن لمَن غضّ النظر عن شرعية الدولة لعقود من الزمن، أن يستفيق على وجودها بين ليلة وضحاها، لذا سارع المعارضون للرد على قاسم، أبرزهم رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، الذي أشار إلى أنّ حزب الله وافق على قرار وقف إطلاق النار، وعليه أن يكون صادقاً مع نفسه ويفي بالتزاماته، عبر تنفيذ القرار والجلوس مع قيادة الجيش اللبناني، وبدء عملية تفكيك البنى التحتية العسكرية على الأراضي اللبنانية كافة بحسب ما ينص الاتفاق، وعن كلام قاسم عن اتفاق الطائف، ردّ جعجع: “ما بيسوى الكذب بهالشكل”.
في السياق ووفق ترجمة سياسية لما يخطط له قاسم من باب الطائف، فهو أراد توجيه سياسة الحزب الداخلية المقبلة تحت سقف هذا الاتفاق وعباءة الدولة، بعدما كان الحاكم بأمره والوصيّ عليها، لكن اليوم إنقلبت المقاييس، لذا إستعان بالطائف بدلاً من التوصيات الدولية، أعلن عن مساعدة الحزب في تحقيق الاستحقاقات الدستورية، لكنه تناسى بأنّ مَن يريد بناء الدولة يسارع إلى تسليمها سلاحه غير الشرعي، لأنّ استمرار وجود ميليشيا ودويلة بكل ما في الكلمة من معنى، يضعف الشرعية وكل مكوناتها ويقضي على الثقة بها، لذا فهذه الخطوة مطلوبة لمَن يطلق يده نحو الدولة للمساهة في استعادتها، بدلاً من التباهي بالانتصارات الوهمية.
وإذا كان قاسم صادقاً بكلمته الأخيرة، فعليه الإنخراط فعلياً في المشروع الوطني الجامع لكل المكوّنات لبناء لبنان الدولة السيادية المستقلة، التي ينادي بها اللبنانيون جميعاً.
في غضون ذلك ووفق المعلومات، أكثر ما يهم قاسم في هذه المرحلة التحضير لترتيب البيت الداخلي للحزب، الذي تعرّض لخيبات الأمل وفاحت منه رائحة العمالة، بحسب الوقائع والنتائج التي شهدناها خلال الحرب مع إسرائيل، وخصوصاً خلال الشهرين المنصرمين، لذا يتجه الأمين العام الجديد لنفضة جديدة وغربلة جديدة، ومراجعة شاملة لتحديد الأخطاء وعدم الوقوع فيها، وفق ما تنقل أوساط مقرّبة من حزب الله لـ” هنا لبنان”، فالغربلة الداخلية مطلوبة بقوة ومع الحلفاء بصورة خاصة، الذين بانوا على حقيقتهم وفق ما تشير الأوساط المذكورة.
أما الحمل الثقيل الذي أزاله قاسم عن ظهره، ووضعه في عين التينة مفوضّاً “الأخ الأكبر” والحليف الدائم، الذي يتوافق معه لتفنيد كل ما يلزم من محادثات مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، وكل ما له صلة باتفاق وقف النار مع إسرائيل برعاية أميركية، والتدخّل الفوري حين تتطلب الحاجة أي لوضع حدّ للخروقات الإسرائيلية التي تتفاقم يوماً بعد يوم، مما يعني أنّ برّي بات في الواجهة مع تركة ثقيلة، وفي هذا الإطار ووفق معلومات “هنا لبنان” فقد طفح كيل رئيس المجلس النيابي من تلك التركة، خصوصاً حين فاقت طلبات حزب الله الحد المقبول من ناحية ضرورة “فرملة” برّي لبعض بنود الاتفاق، فكان جواب الأخير: “هذا ما أستطيع فعله وسط العراقيل وإلا عالجوا الأمر أنتم”.