مرحلة التعافي في لبنان.. بين انتعاش المهن وعبء ارتفاع أسعار البناء
إعلان وقف إطلاق النار في لبنان فتح الباب أمام عودة النازحين وانتعاش بعض المهن، مثل التعقيم، البناء، وتركيب الزجاج، التي أصبحت أساسية لإعادة تأهيل المناطق المتضررة. ومع تزايد الطلب على مواد مثل الزجاج والحديد، شهدت الأسعار ارتفاعاً كبيراً بسبب استغلال التجار والطلب المرتفع
كتبت هانية رمضان لـ”هنا لبنان”:
بعد إعلان وقف إطلاق النار في لبنان، بدأت مرحلة جديدة من التحديات والفرص، حيث عاد العديد من النازحين إلى مناطقهم بعدما أجبرتهم الحرب على مغادرتها. هذا الإعلان الذي جلب الأمل بالاستقرار، فتح الباب أمام العودة التدريجية للأسر إلى مناطقها الأصلية، مما أدى إلى انتعاش بعض المهن والخدمات التي توقفت أو تراجعت خلال فترة الحرب.
من بين المهن التي شهدت ازدهاراً شركات التعقيم والتنظيف، إذ كان من الضروري تطهير المدارس والمنازل والمرافق العامة من آثار الحرب. فقد قامت هذه الشركات بتوفير خدمات تعقيم شاملة للمؤسسات التعليمية لضمان بيئة آمنة للطلاب والهيئات التعليمية بعد فترة من الانقطاع، خاصة وأنّ أغلب المدارس في المناطق الآمنة تمّ استخدامها كمراكز إيواء للنازحين. كما تم تنظيف المنازل التي تضررت من جراء الحرب، مما سمح للأسر بالعودة إلى حياتها الطبيعية في بيئة صحية وآمنة.
كما شهدت مهن أخرى مثل الحدادة وتركيب الزجاج وترميم المباني انتعاشاً ملحوظاً بعد تضرر البنية التحتية بسبب القصف الإسرائيلي، فمع عودة السكان إلى المناطق المتضررة في الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب، بدأ الطلب على ألواح الزجاج يتزايد بشكل ملحوظ، فالزجاج أصبح من المواد الأساسية لإعادة تأهيل الوحدات السكنية المتضررة، حيث تعرضت العديد من المنازل والمحلات للقصف وتحطمت واجهات الزجاج، ما دفع بالتجار لرفع أسعار الزجاج مستغلين الحاجة الملحة له، كما اضطرت الورش للاستعانة بفنيين متخصصين في تركيب الزجاج والألمنيوم كذلك الحديد. وفي هذه الظروف، يصبح التفاوض مع هؤلاء الفنيين أمرًا معقدًا، حيث يرفعون أسعارهم أيضاً.
وقد علمت مصادر “هنا لبنان” أنه قبل وقف إطلاق النار، بدأ تجار الزجاج والحديد بتخزين كميات كبيرة من المواد استعدادًا لفترة ما بعد الحرب، ما ساهم في رفع الأسعار بشكل تدريجي حتى تجاوزت 80%. فعندما قام التجار بإخفاء السلعة أو تقنين توزيعها، اضطرّ بعض أصحاب الورش الصغيرة إلى اللجوء إلى الوسطاء الذين يبيعون الزجاج بأسعار مرتفعة. كما يترافق هذا الارتفاع في الأسعار مع زيادة في تكاليف التركيب، حيث يتطلب إصلاح الزجاج في المنازل والأبنية المتضررة استثمارات إضافية في الأطر والمواد المساعدة مثل الألمنيوم. وتشير التوقعات إلى أنّ عمليات الترميم ستستمر لعدة سنوات، ما يعني أن أسعار الزجاج وخدمات التركيب ستظل مرتفعة لفترة طويلة.
وفي ظل انشغال الناس بإعادة الإعمار وترميم منازلهم ومناطقهم المتضررة بعد الحرب، تراجعت أهمية بعض القطاعات حتى باتت تُعتبر ثانوية أمام الضرورات الملحّة. ومع ذلك، استغلّت هذه القطاعات موسم Black Friday الذي تزامن مع وقف إطلاق النار لجذب المستهلكين من خلال التخفيضات والعروض المغرية، في محاولة لاستعادة جزء من حركتها التجارية، ولكن الواقع الاقتصادي الصعب أعاد ترتيب سلم الأولويات لدى كثير من اللبنانيين.
وسط هذا المشهد المتشابك، يبقى السؤال: كيف يمكن للمستهلكين التوفيق بين الاستجابة للاحتياجات الأساسية التي تفرضها ظروف ما بعد الحرب، واستغلال العروض التجارية المغرية التي قد تخفف، ولو قليلاً، من وطأة الأزمة الاقتصادية؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
بين النزوح الدراسي والأزمات التعليمية.. مدارس في مهبّ الفوضى | أمان النازحين في قبضة السماسرة.. استغلال وجشع بلا حدود | براءة الأطفال في مهب الحرب.. وجروح نفسية لا تَلتئِم! |