كأس السم للإسلام السياسي

خلال العقود الأخيرة، أصبح الإسلام السياسي قوة مدمرة، تشوه رسالة دين يلجأ إليه أكثر من مليار إنسان كمرجع روحي. وبينما ترتكز مبادئ الإسلام على الرحمة والعدل والتعاطف، يستخدم الإسلاميون السياسيون تعاليمه كأداة للوصول إلى السلطة، غالبًا على حساب القيم الأخلاقية التي يدّعون التمسك بها
كتب سلام الزعتري لـ”هنا لبنان”:
لطالما كانت هويتي كمسلم مصدر فخر وخوف في آنٍ واحد. نشأتُ في عالم ما بعد 11 أيلول، تحت ظلال الشك، حيث يُنظر إلى ديني من خلال عدسة الإرهاب والتطرف والاضطرابات السياسية. من عناوين الأخبار إلى السرديات الهوليوودية، ارتبطت صورة الإسلام بالعنف والتعصب، ما صعّب أكثر فأكثر التوفيق بين معتقداتي والصور المشوهة التي أراها في أعين الآخرين.
الخوف لم يكن فقط خارجيًا، بل تسلل إلى حياتي الشخصية. واجهتُ التحيز، وتحملتُ القوالب النمطية، وعانيتُ حتى من تجربة السجن فقط بسبب ديني. تركت هذه التجارب في نفسي تساؤلات حول النظرة العالمية للإسلام ودور الإسلام السياسي في تعميق الانقسامات. أنا مرهق من عبء التفسير والدفاع المستمر عن ديني، الذي أراه عميقًا وشخصيًا وروحيًا، أمام سردية تصوّره كدين سياسي وعدواني بطبيعته.
خلال العقود الأخيرة، أصبح الإسلام السياسي قوة مدمرة، تشوه رسالة دين يلجأ إليه أكثر من مليار إنسان كمرجع روحي. وبينما ترتكز مبادئ الإسلام على الرحمة والعدل والتعاطف، يستخدم الإسلاميون السياسيون تعاليمه كأداة للوصول إلى السلطة، غالبًا على حساب القيم الأخلاقية التي يدعون التمسك بها. الأسوأ أن هذا الاستغلال جعل المنطقة أرضًا خصبة للتدخل الأجنبي، خاصة من قبل أجهزة مثل الموساد والسي آي إيه، التي استغلت الفصائل الطائفية والمتطرفة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية.
فكرة دمج الإسلام بالحكم السياسي ليست مشكلة بحد ذاتها؛ فالكثير من المسلمين يطمحون إلى مجتمع يتماشى مع الأخلاقيات الإسلامية. لكن الإسلام السياسي، كما يُمارس اليوم، غالبًا ما يستبدل الروحانية بالرغبة في السيطرة. تستخدم الجماعات والقادة، عادةً بدافع الجهل، الخطاب الديني لتبرير الفساد والاستبداد والعنف. يدعون الشرعية الإلهية، ولكن في الواقع، دوافعهم بعيدة كل البعد عن رسالة الله.
لا شك أنّ الإسلام المسلح هو كارثة مصطنعة. أضف إلى ذلك استغلال القوى الأجنبية لهذه الانقسامات، غالبًا عن طريق إنشاء وتسليح الجماعات التي يدّعون محاربتها. دور السي آي إيه في أفغانستان خلال الثمانينيات مثال واضح. من خلال توجيه الأموال والأسلحة للمجاهدين لمواجهة النفوذ السوفيتي، وضعت الولايات المتحدة الأساس لازدهار الإيديولوجيات المتطرفة.
ثم جاء صعود داعش. أشار العديد من المحللين إلى أن الغزو الأمريكي للعراق خلق الفوضى والفراغ الذي سمح بازدهار الجماعات المتطرفة. كما اتُهمت أجهزة مثل الموساد باستغلال الصراعات الطائفية لإضعاف المنافسين الإقليميين.
داعش، على وجه الخصوص، تمثل الانحراف الأقصى للإسلام السياسي. هذه “الدولة الإسلامية” المزعومة حرّفت تعاليم الإسلام لتبرير وحشيتها. وجودها برّر التدخلات العسكرية الأجنبية، مما زاد من زعزعة الاستقرار في المنطقة وتشريد الملايين.
التكلفة البشرية لهذا المزيج السام من الإسلام السياسي والتلاعب الأجنبي هائلة. في سوريا، ترك أكثر من عقد من الحرب نصف مليون قتيل، وأكثر من 9 ملايين مشرد. استغل نظام الأسد الجماعات الإسلامية المتطرفة لتشويه صورة المعارضة. أما في العراق، فقد مزّق العنف الطائفي المجتمعات التي كانت تعيش جنبًا إلى جنب.
ما الحل؟
الحل يكمن في فصل الدين عن السياسة. يجب أن يلهم الإيمان قيم العدل والرحمة، وليس أن يكون أداة للأنظمة الاستبدادية أو الجماعات المسلحة. على المسلمين في جميع أنحاء العالم أن يستعيدوا روايتهم، مع التركيز على العلم، والروحانية، والوحدة بدلًا من الخطاب الانقسامي.
يجب على القوى الأجنبية أيضًا أن تكف عن استغلال الشرق الأوسط كرقعة شطرنج. غالبًا ما تدعي الدول الغربية دعم الديمقراطية، لكن أفعالها ساهمت في زرع الفوضى.
المفتاح للتحرر هو الاستثمار في التعليم والثقافة. اقتصاد قوي يمكن أن يؤثر بشكل عميق على التعليم، مما يلعب دورًا محوريًا في القضاء على الفقر والجهل. التعليم يمكّن الأفراد من الوصول إلى وظائف أفضل والهروب من دائرة الفقر.
لقد حان الوقت للاعتراف بأن الإسلام السياسي هو كأس السم. إنه يشوه الدين، ويدمر المجتمعات، ويُستخدم كذريعة للقوى الأجنبية للتلاعب والاستغلال. الإسلام الحقيقي يدعو إلى الوحدة والسلام والعدل. لنسمح لجمال الدين أن يسطع، دون أن يظلم بجهل قلة من الناس.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() فضيحة “فورت نوكس”: هل يؤدّي نقص الذهب إلى صعود الـ”بيتكوين”؟ | ![]() لبنان والشرق الأوسط في ظل سياسة ترامب الجديدة: الفرصة الأخيرة | ![]() إتفاق وقف إطلاق النار أم إعادة تسليح ؟ المسار الغامض للأمام |