لبنان بلا الأسد
أتت أوّل إطلالة لميقاتي لملاقاة سوريا الجديدة ما صدر عنه أمس من اهتمام بـ”ضبط الوضع الحدودي والنأي بلبنان عن تداعيات المستجدات في سوريا”. كما حرّك ولو متأخراً معالجة قضية اللبنانيين المعتقلين في سوريا. فهل يكفي هذا؟ بالتأكيد لا. وسيتبيّن قريباً كيف سيتعوّد لبنان الرسمي على سوريا بلا الأسد
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
نال لبنان حصته وليس سوريا فقط من زوال حكم الأسد. فقد عانى لبنان منذ سبعينيات القرن الماضي من وطأة النظام الديكتاتوري. وكانت لم تمض سوى ستة أعوام فقط على وصول حافظ الأسد وتحديداً في العام 1970 حتى بدأت حقبة النفوذ الأسدي في لبنان. واستمر هذا النفوذ المباشر بلا انقطاع حتى العام 2005 . ثم استمر هذا النفوذ في صورة غير مباشرة لغاية زوال هذا النظام قبل يوميّن.
سيكون هناك الكثير ليكتب عن هذا النظام من الزاوية اللبنانية. ولكن هناك ما يبدو أولوية بدأت تطل برأسها منذ أيام. فقد أصبحت الطريق سالكة وآمنة كي يلتقي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع زعيم قوات المعارضة السورية أبو محمد الجولاني. وأتت تطمينات تؤكّد أن لا محاذير تحول دون لقاء ميقاتي والجولاني أهمها أنّ هناك خطوط اتصالات فتحت بين الجولاني وبين طرفين بارزين في المنطقة هما إيران وإسرائيل. وما دام الأمر على هذا النحو، فلا شيء يمنع الحكومة اللبنانية من فتح خطوط بين البلدين الجارين.
قبل عرض المعطيات التي تتعلق بهذه الاتصالات، ظهر رئيس الحكومة السبت الماضي منتشياً وهو يتربع على رأس الطاولة التي تحلق حولها المشاركون في جلسة الحكومة في عمق الجنوب. وأفصح ميقاتي عن أسبابه كي يمتلك هذه الشجاعة كي “يخاطر” بحياته وحياة أفراد حكومته وذلك في الكلمة التي استهلّ بها الجلسة. وذهب ميقاتي بعيداً في إظهار رباطة الجأش عندما أفصح عن الإحداثيات المتعلقة بمكان الجلسة. وقال من مكان الجلسة في ثكنة بنوا بركات التابعة للجيش اللبناني: “نحن على بعد كيلومترات من منطقة العمليات المتواصلة لجيش العدو وخروقاته المتتالية للاتفاق، كما أنّنا على مقربة من موقع اجتماعات اللجنة الأمنية المكلفة مراقبة تنفيذ الترتيبات التي تم التوافق عليها بضمانة أميركية وفرنسية”. ألا يعني ذلك أنّ ذهاب ميقاتي إلى بؤرة الخطر الجنوبي أنّه على استعداد للتوجّه شرقاً نحو سوريا؟
وشاءت الصدف أنّ طرابلس، مدينة ميقاتي ومسقط رأسه عمّها الابتهاج مساء السبت مع ورود الأنباء عن سقوط حمص المعقل الأخير لنظام الأسد قبل دمشق. وسيكون على ميقاتي توضيح موقفه من هذه الأحداث الكبرى التي تجري على مسافة قريبة من الفيحاء.
ومن هذه الوقائع، نصل أيضاً إلى معطى جديد سيسهل مهمة ميقاتي السورية. وأتى هذا المعطى عبر قناة “المنار” التلفزيونية الناطقة باسم “الحزب” التي عمدت في نشرتها الرئيسية المسائية يوم السبت أيضاً وللمرة الأولى عن وصف قوات المعارضة بـ”التكفيريين”. فأشارت في مقدمتها إلى أنّ “الدول العازمة على إيجادِ حلّ – أي روسيا وإيران – اجتمعت مع تركيا في قطر على نيةِ تطبيقِ اتفاقاتِ “أستانا” حولَ سوريا. وخلاصةُ اجتماعِ وزراءِ خارجيةِ الدولِ الثلاثِ كانت الدعوةَ الى حوارٍ سياسيٍّ عاجلٍ بينَ الدولةِ السوريةِ والمعارضة، والانهاءَ الفوريَ للقتال، والحفاظَ على وَحدةِ الأراضي السورية”. وهكذا أصبح اسم أعداء نظام الأسد “المعارضة” بشهادة “الحزب”.
وسيسهل أيضاً مهمة ميقاتي لو شاء، ما صرّح به يوم السبت أيضا المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين. ونقلت رويترز عن الأخير قوله خلال مؤتمر في الدوحة أن “الوضع في سوريا يشكل نقطة ضعف جديدة لجماعة حزب الله اللبنانية وإيران “.
ماذا عن المعطيات المتصلة بـ”خطوط اتصالات التي فتحت بين الجولاني وبين طرفين بارزين في المنطقة هما إيران وإسرائيل”، كما ورد في مستهل المقال؟
تورد النيويورك تايمز في عدد السبت الماضي أنّه “على الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي سافر إلى دمشق وبغداد والدوحة في قطر لإجراء مشاورات حول سوريا، أطلق في البداية نبرة متحدية، إلا أنه قال لاحقا إن مصير الأسد سيترك “لمشيئة الله”.
وتحول التلفزيون الحكومي في إيران من وصف المتمردين السنة بـ “الإرهابيين الكفار” إلى “الجماعات المسلحة” وذكر أنهم عاملوا الأقليات الشيعية بشكل جيد حتى الآن.
وقال المسؤولون الإيرانيون إن “هيئة تحرير الشام”، الجماعة المتمردة الرئيسية التي تتقدم في سوريا، أرسلت رسالة ديبلوماسية خاصة إلى إيران هذا الأسبوع(الماضي) . ووعدت الجماعة بأنها ستحمي المواقع الدينية الشيعية والأقليات الشيعية وطلبت من إيران عدم محاربة قواتها، وفقا للمسؤولين. وطلبت إيران بدورها من التنظيم السماح بالمرور الآمن لقواتها من سوريا وحماية الأضرحة الشيعية، وفقاً لمسؤولين.
وشمل الواقع بين إيران والمعارضة السورية إسرائيل. فأورد موقع اكسيوس الإخباري “أنّ إسرائيل نقلت في الأيام الأخيرة، رسائل إلى العديد من الجماعات المتمردة في سوريا، بما في ذلك هيئة تحرير الشام”. وفي هذا السياق قال الجيش الإسرائيلي :”نحن على اتصال مع جماعات المعارضة للتأكد من بقاء الحدود هادئة. لدينا قنواتنا ووسطاؤنا ونرسل لهم رسائل”.
ماذا سيفعل لبنان عبر سلطته التنفيذية الحالية لملاقاة هذه التطورات عند الجارة ؟ كانت لافتة الرسالة التي وجهتها الفصائل المُسلّحة السورية إلى اللبنانيين عشية سقوط الأسد. وقالت هذه الفصائل إنها “نتطلع لعلاقات دبلوماسية تحقق مصالحنا المشتركة. “وأشارت الرسالة إلى أنّ “أزمة سوريا شارفت على الانتهاء وعودة النازحين اقتربت”.
في المقابل، أتت أول اطلالة لميقاتي لملاقاة سوريا الجديدة ما صدر عنه أمس من اهتمام بـ”ضبط الوضع الحدودي والنأي بلبنان عن تداعيات المستجدات في سوريا”. كما حرّك ميقاتي ولو متأخراً “معالجة قضية اللبنانيين المعتقلين في سوريا “. فهل يكفي هذا ؟ بالتأكيد لا. وسيتبيّن قريباً كيف سيتعود لبنان الرسمي على سوريا بلا الأسد!