كيف ستبدو “نيو سوريا” بعد سقوط حكم الأسد؟
حتى الآن لا يوجد ادعاء رسمي بحق الأسد، لكن ذلك لا يعني أنّ الأسد بات في مأمن من الملاحقة، وقد نشهد دعاوى ضده أمام عدة مراجع قضائية، خاصة بعد ما تكشّف من جرائم فظيعة ارتكبها نظامه في سوريا، وهذا سيخلق لا شك ضغطاً على الدولة المضيفة، وقد يتعرض بشار الاسد إلى الاغتيال أو القتل داخل روسيا
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
إنجاز تاريخي تمكنت من تحقيقه قوات المعارضة السورية بـ 12 يوماً فقط، بعد أن تقدمت من الشمال والجنوب إلى قلب دمشق، لتستولي على العاصمة وتنهي حكم سلالة الأسد القمعي والإجرامي الذي استمر لأكثر من 53 عاماً، وتخلق فرصة لولادة “نيو سوريا”.
بهذا الإنجاز المفاجئ، سجلت المعارضة نجاحاً محفوراً في تاريخ المنطقة، فيما فشل فيه عشرات الآلاف من المقاتلين خلال 13 عاماً من الحرب الأهلية الطاحنة. كيف سقط بشار الاسد بهذه السرعة؟ وهل انهار الجيش السوري ولماذا لم يقاتل؟ ما هي السيناريوهات المتوقعة لسوريا بعد سقوط الاسد؟
أسئلة حملها موقع “هنا لبنان” للخبير في الشؤون العسكرية والقانون الدولي الانساني اكرم كمال سريوي والذي يرى أنّ “قرار إنهاء دور بشار الاسد في سوريا، جاء في سياق تفاهم دولي، بين روسيا وتركيا وإيران، وموافقة قطر والسعودية، ومصر، والولايات المتحدة الامريكية، وإسرائيل. هناك اتفاق حصل تحت الطاولة وتم إبلاغه لبشار الأسد، الذي لم يجد أمامه من سبيل سوى الهرب إلى روسيا، ورحل بهذه الطريقة المخزية، دون أن يدلي ولو ببيان صغير أو يُسلّم السلطة لأحد، متخلياً عن شعبه ووطنه وأقرب المقربين له، بعد أن كان قد هجّر غالبيتهم، وزج آلاف الشباب في زنازين السجون، وعذّبهم هو ورجاله بطرق وحشية، ودفن قسماً كبيراً منهم تحت الارض”.
ويضيف سريوي: “كان لدى الجيش السوري كميات كبيرة من السلاح، وتبين بعد الضربات الاسرائيلية، أن الجيش كان يملك مصانع صواريخ وذخيرة، ولديه طائرات ومروحيات وقطع بحرية، وكماً كبيراً من الدبابات والعربات المدرعة، وكان لديه عشر فرق جاهزة، كما كان قادراً على القتال وإحداث توازن مع المجموعات المسلحة، التي لم يكن لديها تفوقاً، لا بنوعية السلاح ولا بالعديد. لكن النقطة المحورية كانت في توافر إرادة القتال لدى هذه المجموعات، في حين افتقر الجيش السوري إلى العزيمة والإرادة القتالية، وعانى من انخفاض الروح المعنوية، وتفشّي الفساد بين عناصره وضباطه، بسبب تدني الأجور، حيث كان راتب ضابط برتبة عميد يعادل 35 دولاراً فقط.”.
هذا طبعاً بالإضافة إلى افتقار الجيش للدعم اللوجستي اللازم، أكان في عملية الصيانة وقطع البدل للأسلحة والمعدات، أم على مستوى التطوير والتحديث، مما أثر بشكل كبير في الجهوزية القتالية، وسبّب تراجعها وعدم القدرة على الحركة والمناورة وبناء خطوط دفاعية.
هذا إضافة إلى انشغال حزب الله بالحرب في لبنان، وانسحاب القوات العراقية الموالية لايران من سوريا، وانشغال روسيا بحرب أوكرانيا، والتحول في الموقف الايراني”.
كل هذه العوامل مجتمعة، أدت الى انهيار نظام الاسد بهذه السرعة، التي فاقت توقعات الفصائل العسكرية المعارضة، والتي من الواضح أنها لم تكن تتوقع أن تصل إلى دمشق بهذه السرعة.
أما بالنسبة للسيناريوهات ما بعد الاسد، فيرى سريوي أنّ “الموجود حالياً هو مرحلة انتقالية تديرها فصائل المعارضة، من خلال الحكومة المؤقتة التي تم تشكيلها، وقد يتم خلال هذه الفترة صياغة دستور جديد للبلاد، برعاية الامم المتحدة والجامعة العربية والدول الراعية للاتفاق، وسيكون على الأرجح شبيهاً باتفاق الطائف اللبناني، والصيغة العراقية، في تقاسم الحكم على أسس مذهبية، تضمن مشاركة جميع الاطراف داخل سوريا”.
ويتابع: “لكن المشكلة أن هذه الدول، لديها مصالح متضاربة داخل سوريا، وبالتالي هذا سيؤدي إلى نشوب خلافات، وقد تتحول سوريا إلى النموذج الليبي، أي مناطق نفوذ لكل من هذه الدول، مما يعني أن سوريا قد لا تبقى دولة واحدة، بل قد تذهب إلى التقسيم، أو بأفضل الحالات، نوع من الفيدرالية المذهبية والعرقية، في ظل هيمنة سنية عليها”.
اذا صح الحديث عن تقسيم سوريا كيف ستقسم ، وبين من ومن؟
يجيب سريوي: “خطة تقسيم سوريا بدأت مع الانتداب الفرنسي عام 1920 عندما تم انشاء اربع دول هي، دولة حلب، دولة دمشق، دولة جبل الدروز، ودولة جبل العلويين. الآن أضيفت إلى هذا السيناريو القديم دولة الأكراد، التي تدعم إنشاءها كل من الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وإسرائيل، فيما تعارض تركيا هذا الأمر بشدة”.
ونشرت بعض الدراسات الأميركية خارطة مقترحة لتقسيم سوريا إلى خمس دويلات مذهبية وعرقية، ولحظت الدراسة، أن إنشاء هذه الدويلات سيحتاج إلى بعض عمليات النقل للسكان (ترانسفير) لتتحول الدويلات إلى مناطق مذهبية بشكل شبه كامل، وركّزت الدراسة على أن يحصل ذلك بطريقة سلمية، وليس كما حدث في كشمير بين الهند وباكستان. فهل سيتم إحياء هذه المشاريع التقسيمية؟
يقول سريوي: “اعتقد سيكون هناك محاولات لاحياء هذه المشاريع التقسيمية، مع محاولة كل طرف لتوسعة حدود دولته على حساب الآخرين، وهذا ما سيخلق مناطق نزاع حدودية لا تنتهي بين هذه الدول.
أما في ما يتعلق ببشار الأسد، واحتمالية تسليمه من قبل روسيا للمحاكمة فيشير سريوي إلى أن روسيا منحت اللجوء الانساني لبشار الاسد لكن في الحقيقة هناك مشكلة على صعيد العدالة الدولية فحق اللجوء يقوم في الاصل على مبدأ العدالة والحق في التعبير عن الرأي وهو يُمنح لحماية الأشخاص من الاضطهاد السياسي أو العرقي أو الديني، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يتحول حق اللجوء إلى باب لحماية المجرمين”.
ويضيف: “من الواضح اليوم أن العدالة منقوصة، والمحاكم الدولية عاجزة عن إحقاق الحق والقانون لا يُطبق سوى على الضعيف أما الاقوياء فما زالوا فوق القانون وخارج أي محاسبة، وها هي الولايات المتحدة الأميركية تقدّم الغطاء لبنيامين نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، اللذين صدرت بحقهما مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، لاتهامهما بارتكاب جرائم حرب”.
هذا إضافة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية يمكنها أن تبدأ التحقيق في ثلاث حالات فقط، أولا الجرائم المرتكبة داخل أراضي الدول الأعضاء أو من قبل مواطني الدول الأعضاء، ثانيا عندما يحيل مجلس الأمن الدولي قضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وثالثا عندما تعترف دولة غير عضو في المحكمة استثنائيًا بولايتها القضائية.
بالنسبة للشرط الاول فهو غير التنفيذ، ممكن كون سوريا لم توقّع على اتفاق روما. اما الشرط الثاني فهو ايضاً صعب التحقق وكان سابقًا فشل مجلس الامن باعتماد مشروع قرار قدمته فرنسا للتحقيق في الجرائم بسوريا بسبب الفيتو الروسي الذي قد يتكرر مستقبلاً.
أما الخيار الثالث فهو ممكن في حال قامت الإدارة الشرعية الجديدة التي يتم تشكيلها في سوريا، بمنح صلاحية مؤقتة للمحكمة الجنائية الدولية، وفقًا للفقرة الثالثة من المادة 12 من نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة.
ولكن كون روسيا لم توقّع على اتفاق روما، فهي لن تسلم بشار الاسد الى المحكمة الجنائيه ة الدولية، خاصة أن هذه المحكمة كان قد سبق واصدرت مذكّرة اعتقال بحق الرئيس بوتين، وتسليم الاسد إلى هذه المحكمة سيعني اعترافاً روسياً بها.
أمًا بالنسبة لتسليم الاسد إلى المعارضة السورية، فهذا مرتبط بمستقبل العلاقة بينها وبين روسيا، واحترام الاتفاقات التي كانت موقّعة بين البلدين، ولكن من المستبعد أن يحصل ذلك لاسباب عديدة، وستتذرّع روسيا بأنها منحت الاسد لجوءاً انسانياً، وأنه وفق الاعراف الدولية، لا يجوز تسليمه، أو الترحيل القسري له بحسب سريوي.
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن، لا يوجد ادعاء رسمي بحق الأسد، من قبل أي جهة قضائية، محلية أو دولية.
لكن كل ذلك لا يعني أن الأسد بات في مأمن من الملاحقة، وقد نشهد دعاوى ضده أمام عدة مراجع قضائية، خاصة بعد ما تكشّف من جرائم فطيعة ارتكبها نظامه في سوريا، وهذا سيخلق لا شك ضغطاً على الدولة المضيفة، وقد يتعرض بشار الاسد إلى الاغتيال أو القتل داخل روسيا.
مواضيع مماثلة للكاتب:
قطاع المطاعم يتحضّر لاستقبال الأعياد والحجوزات مشجعة | هل سيقبل “الحزب” بتجريده من السلاح؟ | المحلات التجارية والمولات تعجّ بالزبائن.. وحركة المبيعات تسجل ارتفاعاً |