“الحزب” الجديد: المقاومة عن بعد


خاص 16 كانون الأول, 2024

مع تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار المرتبط بالقرار 1701، باتت “المقاومة عن بعد” عنواناً جديداً للمرحلة، حيث يتوجب على “الحزب” التعامل مع معطيات جديدة تشمل انسحابه من جنوب الليطاني، فقدانه لطرق الإمداد التقليدية عبر سوريا، والتضييق الإسرائيلي المتواصل. فكيف سيتمكن الحزب من التكيف مع هذه المتغيرات ومتابعة عمله المسلح في مواجهة التحديات المتزايدة؟

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

أصبحت عبارة “عن بعد” مألوفة في كل مكان. واعتاد اللبنانيون تحديداً استخدامها منذ أعوام شأنهم شأن كل شعوب العالم عندما اجتاح وباء كورونا مساحات واسعة من كوكب الأرض. فبات منذ ذلك الحين مفهوماً “العمل عن بعد” تحاشيا لاختلاط البشر ومنعا لنقل عدوى الوباء الذي ينتشر بفعل الاختلاط.

لكن اليوم هناك تطبيق جديد لهذه العبارة في ميدان العمل المسلح كما وعد الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم السبت الماضي. ما يعني أنّ مقاومة “الحزب” انتقلت إلى العمل “عن بعد”. فكيف يمكن أن يحصل ذلك؟

قال قاسم في كلمته المتلفزة أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ تطبيقه في 27 تشرين الثاني الماضي “هو اتفاق تنفيذي مستمد من القرار 1701 ويرتبط بجنوب نهر الليطاني حصرا، بحيث تنسحب إسرائيل إلى الحدود اللبنانية وينتشر الجيش اللبناني كسلطة وحيدة تحمل السلاح، فلا يتواجد المسلحون والأسلحة في هذه المنطقة”.

اعترف الأمين العام ل”الحزب” بوضوح كامل ان سلاح هذه المنظمة سيختفي كليا من المنطقة الواقعة بين الليطاني والحدود اللبنانية الإسرائيلية التي تمتد من ساحل البحر في الناقورة غربا الى مرتفعات شبعا شرقا لمسافة تتجاوز المئة كيلومترا طولا. ويترواح عرض هذه المنطقة من بضعة كيلومترات الى اكثر من 20 كيلومترا.

بسط قاسم الأمور كعادته عندما كان مدرسا قبل اكثر من 40 عاما. ويفهم الذين مارسوا مهنة التدريس ان اللجوء الى الاستعارات امر ضروري كي يتم شرح المسائل المعقدة . فعمد قبل قرون اسحق نيوتن عالم الفيزياء الشهير الى مثال سقوط التفاحة كي يبرهن نظرية الجاذبية التي اكتشفها.

سيشعر قاسم بالاطراء لو قرأ هذا التشبيه بنيوتن. وسيسارع الى القول تلافيا للاحراج أن “حزب الله” الذي تعرض لاهوال الحرب بدءا من النصف الثاني من أيلول الماضي لا بد له ان يبتدع طريقة تبقيه على قيد الحياة. وعمد الأمين العام ل”الحزب” فعلا الى الترويج لطريقة تبقي منظمته مستمرة في الوجود وذلك عندما قال :” نعم، خسر “حزب الله” في هذه المرحلة طريق الإمداد العسكري عبر سوريا، ولكن هذه الخسارة تفصيل في العمل المقاوم يمكن أن يأتي النظام الجديد ويعود هذا الطريق بشكل طبيعي، ويمكن أن نبحث عن طرق أخرى”.

بسط قاسم الأمور مجددا بما يتصل بمستقبل علاقة “الحزب” بسوريا التي انتقلت اليوم من بلد كان يمثل رئة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط الى بلد مقفل كليا امام هذا النفوذ. فهل لدى المدرس السابق والأمين العام الحالي ل”حزب الله” الاستعداد للرد على أسئلة تلاميذ الصف الذي هو لبنان؟

والسؤال الأول: كيف سيقاتل “الحزب” من بعد تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار ؟ وهل باستطاعته القيام بالاعمال العسكرية نفسها التي كان يقوم بها قبل الاتفاق بما في ذلك التصويب على مزارع مرتفعات شبعا؟

والسؤال الثاني، كيف سيحصل “الحزب” على السلاح الإيراني بعدما أقفلت بوابة سوريا شرقا ؟ وبقيت امام “الحزب” نافذتيّن هما البحر الذي يحد لبنان غربا وشمالا ، وإسرائيل. فهل بالإمكان الوصول الى السلاح عبر هاتين النافذتين او احداهما؟

يعلم قاسم بحكم خبرته من عالم التدريس ان هناك تلامذة لديهم او لديّهن عسر في الفهم . ويحتاج هؤلاء الى توجيه أسئلة ولو ساذجة من اجل استيعاب الأمور المعقدة. وبات على قاسم ان يتحضر لها منذ الان .

وسنصل في سياق هذا المقال الى عرض موجز لهذه الأسئلة. لكن ما يقتضي عرضه قبل ذلك ، هو ان إسرائيل تواصل بلا هوادة مطاردة “الحزب” في أي مكان سواء جنوب الليطاني او شماله . وتتمتع إسرائيل بنص تفاهم مع الإدارة الأميركية التي ستغادر الشهر المقبل وكذلك مع الإدارة الجديدة التي ستصل بعد 20 كانون الثاني المقبل . ويتضمن هذا التفاهم تفويضا مطلقا بانهاء الوجود العسكري ل”حزب الله” من الان وحتى انجاز المهمة ولو اقتضى ذلك “خمسين عاما” .(وللمناسبة استخدم قاسم عبارة ال50 عاما في كلمته الأخيرة ، عندما قال “… يمكن المقاومة أن تستمر لعشر سنوات وقد تستمر المقاومة 50 سنة…”)

تشاء الصدف ، ان الزعيم الجديد لسوريا احمد الشرع ، أبو محمد الجولاني ، كانت له في يوم ادلاء قاسم بكلمته اطلالة صحافية هي الأولى من نوعها. فهو قال فيما يخص إيران: “استطعنا إنهاء الوجود الإيراني ولا نكن العداوة للشعب الإيراني”.وأكد أنه “سيتم وضع حد لإنتاج الكبتاغون في سوريا “.ويستطيع اللبيب ان يفهم ان سوريا لم تعد مقفلة امام “الحزب” للحصول على السلاح الإيراني فحسب ، وانما صارت مقفلة امام اكداس العملة الأميركية التي كانت تصل الى “الحزب” كحصة أرباح من “الكبتاغون” بالشراكة الكاملة مع نظام الأسد البائد.

ونصل الى الأسئلة الساذجة التي سيطرحها التلامذة في لبنان نتيجة عسر الفهم . ومن بينها :”أستاذ قاسم، كيف يمكن للمقاومة ان تستمر ؟ هل ستكون مثلنا عندما نتعلم عن بعد؟”

يشاطر اللبنانيون قاطبة هؤلاء التلامذة في طرح هذه الأسئلة. وبقي على قاسم ان يبرهن عن شطارته في تقديم الأجوبة المفيدة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us