هل يشجع انخفاض سعر الدولار على تخزين الليرة اللبنانية؟


خاص 20 كانون الأول, 2024

في وقت تتباين فيه الآراء حول مستقبل العملة اللبنانية، يبقى الوضع الاقتصادي والسياسي في لبنان عاملًا محوريًا يؤثر بشكل مباشر على قيمة الليرة. ومع استمرار الأزمة الاقتصادية وعدم وضوح الأفق، يبقى السؤال قائمًا حول إمكانية عودة الليرة للارتفاع أو بقاء الدولار هو الملاذ الأكثر أمانًا

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

مع استقرار سعر الليرة اللبنانية أمام الدولار في الفترة الأخيرة، يجد المواطن اللبناني نفسه أمام تساؤل مهم: هل يجب عليه تخزين الليرة المحلية أم أن التحول إلى الدولار يظل الخيار الأكثر أمانًا لحماية مدخراته؟ في وقت تتباين فيه الآراء حول مستقبل العملة اللبنانية، يبقى الوضع الاقتصادي والسياسي في لبنان عاملًا محوريًا يؤثر بشكل مباشر على قيمة الليرة. ومع استمرار الأزمة الاقتصادية وعدم وضوح الأفق، يبقى السؤال قائمًا حول إمكانية عودة الليرة للارتفاع أو بقاء الدولار هو الملاذ الأكثر أمانًا.

تعود أسباب الاستقرار النسبي في سعر الصرف إلى عدة عوامل، أبرزها السياسات النقدية التي تبناها مصرف لبنان في السنوات الأخيرة، مثل تثبيت سعر الفائدة على الليرة، والمحافظة على استقرار العرض النقدي، مع محاولات لتحفيز القطاعات الاقتصادية المحلية. على الرغم من أن الوضع الاقتصادي العام في لبنان لا يزال صعبًا، فإن هذا الاستقرار في سعر الصرف يقدم بعض الأمل للمواطنين في إمكانية الحفاظ على قيمة العملة المحلية.

رغم أن سعر صرف الليرة حافظ على استقراره لفترة طويلة، إلا أن العودة إلى القوة السابقة لليرة اللبنانية تبدو أمرًا غير مرجح في المستقبل القريب. فالبنك المركزي يواجه تحديات كبيرة في ما يتعلق بتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، بينما تظل نسبة الدين العام مرتفعة وتؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي. ومع ذلك، يمكن للسياسات الحكومية الناجحة وإصلاحات هيكلية، إن حدثت، أن تؤدي إلى تحسن تدريجي في قيمة الليرة على المدى الطويل، خاصة إذا تحقق الاستقرار السياسي وتحسنت البيئة الاقتصادية.

وفي السياق، أكد الخبير في المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد، محمد فحيلي، أن مفهوم “التخزين” يتعلق عادةً بتخزين شيء ذي قيمة حقيقية، وهو أمر لا ينطبق على الليرة اللبنانية في الوقت الراهن. وأشار فحيلي إلى أن محاولة تخزين الليرة بناءً على مجرد التوقعات بتحسن قيمتها ينطوي على مخاطرة كبيرة، لأن أي انخفاض في سعر صرف الدولار مقابل الليرة يجب أن يكون نتيجة لخطوات اقتصادية أساسية تتخذها السلطات المختصة، مثل مصرف لبنان ووزارة المالية والسلطة التنفيذية. وأضاف أن لبنان يواجه استحقاقات هامة في المرحلة المقبلة، أبرزها انتخاب رئيس للجمهورية، الذي سيفتح الطريق لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات. من الضروري أن تكون أولى خطوات الحكومة الجديدة تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان، مما يساهم في إرساء استقرار نقدي. ولفت فحيلي إلى أن الحكومة الجديدة مطالبة بتنفيذ خطة الإصلاح التي وضعتها مجموعة العمل المالي (فاتف) لإخراج لبنان من “اللائحة الرمادية”. كما شدد على ضرورة أن تتضمن موازنة الحكومة لعام 2025 خطة مالية تمتد لثلاث سنوات، بهدف مواكبة عملية إعادة إعمار لبنان بعد الحرب، مع ضرورة تضمينها إعادة جدولة وهيكلة الدين العام، لإعادة لبنان إلى الأسواق المالية العالمية.

وفي حديثه، حذر فحيلي من أنّ أخطر ما قد ينجم عن انخفاض سعر صرف الدولار في غياب أي إجراءات إصلاحية أو تحسينات في أداء السلطة اللبنانية، سواء كانت الحكومة أو مصرف لبنان، هو تدهور حاد في القدرة الشرائية للرواتب والأجور، سواء كانت بالليرة اللبنانية أو بالدولار. فبمجرد انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة من 89,500 إلى 60,000، لن يواكبه بالضرورة انخفاض في أسعار السلع والمواد الغذائية في السوق. على سبيل المثال، المواطن الذي يتقاضى راتبه بالدولار سيحصل على أجره وفقًا لسعر الـ60,000 ليرة، بينما سيدفع ضريبته وفقًا لهذا السعر، لكنه سيصرف أمواله في تمويل احتياجاته وفقًا لسعر صرف 89,500 ليرة أو حتى أكثر.

ويضيف فحيلي أن الظروف الحالية لا تسمح بانخفاض سعر الدولار، خصوصًا في ظل استمرار الضغوط التضخمية العالمية، حيث يستورد لبنان جزءًا من هذا التضخم بسبب اعتماده على استيراد العديد من السلع والمواد الأساسية. هذا بالإضافة إلى تأثير الوضع الأمني على زيادة تكاليف الشحن، مما ينعكس سلبًا على أسعار السلع المستوردة. كما أن قدرة الدولة اللبنانية على تحصيل إيراداتها مازالت محدودة، وهي لا تزال تعتمد على سعر الدولار عند 89,500 ليرة.

من جهة أخرى، أكدت مصادر في مصرف لبنان لـ”هنا لبنان” أن أي تخفيض في سعر الدولار لن يتم بشكل اعتباطي أو مفاجئ، بل سيكون نتيجة تعاون مع الحكومة، ويتطلب دراسة جدية وتوافر شروط محددة، أبرزها الاستقرار السياسي والإصلاحات الجادة. ويجب التنبه إلى أن أي خفض قد يؤثر سلبًا على إيرادات الدولة التي تعتمد في تحصيلها على سعر صرف الـ89,500 ليرة.

رغم الاستقرار الحالي، يظل الدولار الأمريكي الخيار الأكثر أمانًا للكثير من اللبنانيين، خصوصًا أولئك الذين يفضلون تجنب أي تقلبات محتملة في المستقبل. العملة الأمريكية تُعتبر ملاذًا آمنًا في أوقات الشكوك الاقتصادية، ولها قيمة ثابتة نسبيًا على المستوى العالمي. لذلك، لا يزال الكثير من المواطنين يفضلون الحفاظ على مدخراتهم بالدولار، خاصة في ظل غياب الإصلاحات الهيكلية العميقة التي تضمن استقرارًا طويل الأمد لليرة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us