الشيعة في لبنان وسوريا: الخسارة الكاملة
لو كان في الطائفة الشيعية في لبنان مثل زعيم المختارة وليد جنبلاط لكان تصرف على غير النحو الذي يعتمده ركنا الثنائي الشيعي، أي الرئيس بري والشيخ قاسم. لكن بري لديه “ما هو أهم” ليهتم به ألا وهو المشاغبة في الملف الرئاسي، أما قاسم فهو مشغول بإيجاد طرق لوصول السلاح إلى “المقاومة” بعد انقطعت كل طرق الإمداد براً وبحراً وجواً
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
يستغرب الكاتب المعروف حازم صاغية عدم صدور أصوات من الطائفة الشيعية في لبنان تعلن عن الاعتذار عما ألحقه “حزب الله” بالشعب السوري من ظلم فادح خلال دعمه للنظام الاسدي الجائر. ويمثل هذا الاعتذار خطوة ضرورية لابد منها لفتح صفحة جديدة بين البلديّن بعد الأحداث الكبرى فيهما خلال الشهور الأخيرة من العام الحالي. فهل يشكل الكلام عن الاعتذار دعوة إلى من يهمه الأمر كي يبدأ حراكاً ما في هذه الطائفة لإصلاح الأعطاب الهائلة التي الحقها “الحزب” في علاقات لبنان مع سوريا؟
تدفق عشرات الألوف من السوريين الذين ينتمون إلى الطائفة الشيعية من مناطق عدة كانت خاضعة لنظام الأسد فور نجاح المعارضة السورية في التمدد الى هذه المناطق تباعا منذ 27 تشرين الثاني الماضي. ويروي سكان في الهرمل وبعلبك أن أزمة النزوح الشيعي من الداخل السوري بدأت تنذر بمصاعب عدة أبرزها الصعوبة الاقتصادية. ولفت هؤلاء إلى غياب “حزب الله” عن القيام بمساعدة هؤلاء النازحين بعدما كان يفعل ذلك في أعوام خلت تجاه سكان البقاع الشمالي والذين مثلوا البيئة الحاضنة لـ”الحزب” على مدى عقود. وفي المقابل، يبدو أنّ الاتكال على الدولة للقيام باعمال الإغاثة هو في غير محله بسبب شح الموارد.
لم يكن متوقعاًان تتضخم الأعباء الملقاة على الجهة التي انبرت للقول منذ نشأة “حزب الله” في ثمانينات القرن الماضي انها أم الطائفة الشيعية وابوها . ويشمل هذا القول كل من له صلة بالطائفة سواء في لبنان او سوريا او سائر الأقطار التي يوجد فيها مواطنون من الشيعة. وفجأة، ومن دون سابق انذار، انهارت كل منظومة الإمكانات التي كان يتمتع بها “حزب الله”. وبدءا من 17 أيلول الماضي ، أي يوم تفجير إسرائيل الاف أجهزة المناداة (البيجرز) ، انطلقت إسرائيل بصورة ممنهجة بتدمير كل ما له صلة ب”الحزب” امنيا واقتصاديا وماليا. ولا تزال مشاهد الغارات الإسرائيلية المتتالية منذ ذلك التاريخ حية في الذاكرة والتي استهدفت مقار “القرض الحسن”، الذراع المالي ل”الحزب” ومستودع الأموال والمقتنيات الثمينة له والتي تقدر بانها طائلة.
“بعد خراب البصرة” ، كما يقال، هبطت كل الازمات على كاهل “حزب الله”. ويكاد “الحزب” ينوء تحت ضغط الخسائر الهائلة التي منيت بها المناطق الشيعية في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع. فكيف يستطيع في هذه الحالة ان ينهض أيضا بنتائج النكبة التي مني بعا عشرات الألوف من الشيعة السوريين؟
تشير تقديرات الخسائر المعتدلة ، ومنها ما يعلنه دوما رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ، الى ان كلفة اعمار ما تهدم في الحرب الأخيرة ،والتي لم تضع اوزارها بعد، تبلغ خمسة مليارات دولار أميركي في اقل تعديل. في المقابل، اعلن الأمين العام ل”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم عن رقم واحد فقط لا غير هو 72 مليون دولار أميركي صار بحوزة ل”الحزب” والذي سيخصصه للانفاق على بدلات إيواء واثاث تذهب الى اكثر من 200 الف مستفيد مسجلين لدى “الحزب” في المناطق المتضررة. وستظهر المقارنة بين رقم ميقاتي ورقم قاسم ان الهوة شاسعة جدا بين ما هو متوفر من إمكانات وما هو مطلوب.
أين ايران من هذا المف الشائك الذي يشبه الرمال المتحركة التي قد تبتلع “حزب الله” على المدى الطويل؟ أجاب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على هذا السؤال باسهاب لكن بصيغة الحديث عن الماضي فقط. وهو قال في حديث صحافي : “أثبتت إيران أنها تساعد لبنان في أصعب الظروف. لقد أظهرت إيران إرادتها الثابتة عندما كانت أزمة الوقود في لبنان قد وضعت اقتصاد البلاد على حافة الإفلاس والانهيار. لا شك في أن الشهيد نصر الله لعب دورا فعالا في تلك الحالة بالذات…”
وعاد عراقجي ثمانية قرون الى الوراء، فقال انه ذلك الزمن “رسم سعدي الشيرازي، الشاعر الإيراني الذي كان ينشد أشعاره باللغتين الفارسية والعربية، مسار شعبنا بعناية إذ قال:إن كنت لا تبالي بمحن الاخرين فلا تستحق أن تُسمَّى إنسانا”.
هل فهم احد ان ايران سترسل صناديق ما اسماه نصرالله خلال حرب عام 2006 “المال النظيف” لنجدة الشيعة في لبنان وسوريا؟ بالتأكيد لا احد.
لو كان في الطائفة الشيعية في لبنان مثل زعيم المختارة وليد جنبلاط لكان تصرف على غير النحو الذي يعتمده ركنا الثنائي الشيعي ، أي الرئيس بري والشيخ قاسم. فقد سارع جنبلاط امس الى دمشق الى تدشين مرحلة تاريخية في العلاقات بين المختارة والقصر الرئاسي السوري الذي يقيم فيه الان القائد الفعلي لسوريا احمد الشرع. لكن بري لديه “ما هو اهم” ليهتم به الا وهو المشاغبة في الملف الرئاسي. اما قاسم فهو مشغول بإيجاد طرق لوصول السلاح الى “المقاومة” بعد انقطعت كل طرق الامداد برا وبحرا وجوا .
انها الخسارة الكاملة التي تزحف نحو شيعة لبنان وسوريا. ولو شاء المرء ان يتمتع بحس متفائل ، لوجد في نهج الاعتذار عن جرائم “حزب الله” في سوريا فائدة ستعود أولا على عشرات الألوف من النازحين السوريين الشيعة أولا ، وعلى مئات الألوف من اللبنانيين الشيعة الذين يمرون بنكبة لا مثيل لها في تاريخهم القديم والحديث على حد سواء.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“الحزب” الجديد: المقاومة عن بعد | فستق حلبي يوم “الانتصار الإلهي” | فخامة بري ودولة “الحزب” |