رجل التناقضات
لا يفوت العماد ميشال عون مناسبة إلا ويطلق فيها النار على القوات اللبنانية وأي مسيحي آخر يعارضه وهو يحاول اليوم ذر الرماد في العيون من خلال ما يمارسه من انتقاد كلامي لـ”الحزب”، متناسياً أنه كان المساهم الأكبر في وضع اللبنانيين في القبر الكبير في جهنم وأنه ربطهم بسلاسل حديدية بمحور الممانعة وأغرقهم في بحر الحروب والدماء والكوارث
كتبت إليونور أسطفان لـ”هنا لبنان”:
لم يكن العماد ميشال عون أبداً رجل التحديات كما وصفه في كتابه الأستاذ كريم بقرادوني، بل هو في الحقيقة رجل التناقضات التي دفع ثمنها المسيحيون وليس في هذا الوصف أي تجنٍّ أو افتراء بل هو نتيجة لوقائع لا يمكن لأحد دحضها لأنّ التاريخ الحديث قد سجلها.
في العام ١٩٨٩ شن العماد عون ما سمي بحرب التحرير ضد قوات الإحتلال السوري ولكنها عملياً كانت حرباً عبثية لم تؤدِّ عسكرياً إلى الإنسحاب السوري من أي شبر كان محتلاً لا بل أصبح الهم كيف يمكن الحفاظ على المناطق الحرة من اختراق الجيش السوري وحلفائه، ولكن النتيجة الكارثية لهذه الحرب كانت فرض اتفاق الطائف على المسيحيين وانتزاع صلاحيات رئيس الجمهورية وهم أقدموا مرغمين على القبول به لأن التهديد كان واضحاً بأنه إن لم توافقوا على الطائف بالحسنى فسيفرض عليكم بالقوة.
أضعفت حرب التحرير المسيحيين عسكرياً وسياسياً واستكمل العماد عون عملية الإضعاف هذه بشنّه حرب الإلغاء ضد القوات اللبنانية تحت عنوان توحيد البندقية وهو عنوان لم يكن متاحاً تطبيقه سوى على القوات اللبنانية، فتقاتل رفاق السلاح في الدفاع عن المناطق الحرة التي تقطعت أوصالها وأصابها التدمير وراكمت حربه هذه حقداً لم ينته إلى اليوم وجعلت المسيحيين في أضعف موقف سياسي فأصبحوا عاجزين عن مواجهة ما فرض على لبنان سابقاً.
كان للعماد ميشال عون فرصة بعد انتهاء حرب الإلغاء أن يحافظ على ما تبقى من المناطق الحرة والقرار المسيحي الحر ولكنه دفع الأمور باتجاه الأسوأ فأصر على مواجهة غير متكافئة مع عاصفة دولية وإقليمية إقتلعته من قصر بعبدا وأسقطت كل الخطوط الحمر التي رسمها الشهداء بدمائهم على مدى سنوات وجعل المسيحيين بمجملهم لقمة سائغة للوصاية السورية وحلفائها وهم أصبحوا في عقر دار المناطق الحرة التي قاومتهم، والأنكى أنه فعل تحت الضغط ما كان يمكن أن يفعله من دون طلقة واحدة وإراقة نقطة دم واحدة ومن دون القضاء على قوة المسيحيين، فسلم القيادة للعماد إميل لحود والتجأ للسفارة الفرنسية ولا تزال تداعيات هذه الحرب حاضرة حتى اليوم في السؤال عن مصير مفقودين من ضباط وجنود ومدنيين غابوا نتيجة لقراءة خاطئة وقرار أرعن.
من منفاه الفرنسي لم يكن العماد ميشال عون يوفر فرصة للهجوم على النظام السوري وحزب الله واعتبر نفسه رأس حربة في إخراج الوصاية السورية من لبنان وشن حملة عنيفة على ما سمي بالتحالف الرباعي في الإنتخابات النيابية في العام ٢٠٠٥ فحصد أكثرية ساحقة لدى المسيحيين وكون أكبر كتلة نيابية على الإطلاق، ولكنه وفي خلال أشهر قليلة نقل البندقية إلى كتف حزب الله والنظام السوري وأقام تحالفاً ثنائياً مع حزب الله على أنقاض الحلف الرباعي وغطى بشكل لم يسبق له مثيل كل الممارسات الأمنية والعسكرية والسياسية للحزب الداخلية والخارجية، فسقطت معه شعارات الشرعية وتوحيد البندقية والقرار الحر وبناء الدولة والعلاقات العربية والدولية وأصبح المنظر الأول لسياسات حزب الله والنظام السوري ساخراً من اللبنانيين في عملية تفريق لا ترقى إلى أي عقل أو منطق بين نظام حافظ الأسد ونظام بشار الأسد بحجة أنّ هذا النظام أصبح خارج لبنان متناسياً أنه كان لهذا النظام هنا أحصنة طروادة متعددة وهو واحد منها.
لقد وصل العماد ميشال عون في سبيل احتلال رئاسة الجمهورية إلى حد نكران قدرة الجيش على حماية لبنان وعمل مع تياره على تسويق مقولة أنه لولا سلاح حزب الله كانت داعش والمتطرفون سبوا النساء المسيحيات في جونية وجبيل وغيرها، وكما ترك عسكرييه وضباطه يسقطون شهداء في معركة احتلال المناطق الأخرى، كذلك خضع للتسوية بين حزب الله وداعش في معركة فجر الجرود عندما وافق على أن يُرحل حزب الله قتلة العسكريين في أعقاب معركة عرسال بالباصات المكيفة من دون أي محاسبة على أفعالهم الإجرامية وقد كان الجيش قادراً على أسرهم ومحاكمتهم ولكن العماد ميشال عون عطل قدرته وأهدر حقه في الإنتقام كرمى لعيون حزب الله.
لا يفوت العماد ميشال عون مناسبة إلا ويطلق فيها النار على القوات اللبنانية وأي مسيحي آخر يعارضه وهو يحاول اليوم ذر الرماد في العيون من خلال ما يمارسه من انتقاد كلامي لحزب الله، ويعود في كل مرة إلى نبش القبور الوهمية مع القوات اللبنانية متناسياً أنه كان المساهم الأكبر في وضع اللبنانيين في القبر الكبير في جهنم وأنه ربطهم بسلاسل حديدية بمحور الممانعة وأغرقهم في بحر الحروب والدماء والكوارث.
مواضيع مماثلة للكاتب:
مفاجأة جعجع الرئاسيّة | البيئة الشيعية تنتفض في وجه “الحزب”: “دمرت بيوتنا وهلق بتشحدنا 200$” | الخطيئة المميتة |