“تنافس” على إرضاء ترامب بتأجيل الانتخابات الرئاسية
بعد أن كان بري ناشطاً وضاغطاً لإنجاح الجلسة التي حددها ملمّحاً إلى استعداده لانتخاب قائد الجيش إذا به يحاول تبديل أرانبه بطرح أسماء أخرى في لعبة يسعى من خلالها إلى إحراج أحزاب المعارضة وفرط عقدها. هل لإفشال انتخاب عون الذي يخاصمه “الحزب” والتيار العوني الباسيلي، أم الهدف هو تأجيل الجلسة إلى ما بعد العشرين من كانون الثاني إرضاءً لترامب ومحاباةً له؟
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
“نقل البارودة من كتف إلى كتف” مثل قديم للتعبير عن توصيف حال أولئك الذين يغيرون ولاءهم بحثاً عن المصلحة الشخصية بغض النظر عن القناعة وعن موقف من يبايعونه هذا الولاء. وبطبيعة الحال فإنّ رئاسة الجمهورية في لبنان لا تشذّ كثيراً عن هذا الواقع منذ ما بعد “اتفاق الطائف” (تشرين 1989). لكن أن يحصل التنافس بين الطامحين و المحركين المحليين على إرضاء الدولة الكبرى، وتحديداً رئيسها الذي ينظر إلى لبنان كمجرد حجر في لعبة الشطرنج الإقليمية لا أكثر، فهذا أمر محرج ومكشوف، وبالأخصّ بعد أن انتقل التأقلم والولاء لما كان يريده الجار السوري الأسدي الذي كان طامعاً في لبنان. وهذا لا يعني أنّ الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب، الذي سيتسلم مهامه بالدخول إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المقبل، لن يكون مسروراً بذلك إذ أنّ شخصيته تتلاءم مع هكذا سلوك يتمناه ويسعى إليه كما فعل في خلال ولايته الأولى (2016 – 2020)، وهو توجه لا يخفيه ترامب حتى قبل أن يجلس مجدداً على كرسي الرئاسة إذ بدأ بتعيين مسؤولي إدارته الجديدة ومعظمهم من الحواسيب. وكذلك باشر بانتهاج هذا السلوك عندما قال خلال اتصال مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بحسب ما تناقلت وسائل الإعلام أنّ بإمكانه أن “ينهي شغله” (أي تدمير غزة ولبنان) قبل أن ينصب ترامب رئيساً بعد نحو ثلاثة أسابيع، أو مثلاً إعلانه الجازم بضرورة إنهاء الحرب في الشرق الأوسط وفي أوكرانيا، طبعاً لصالح حكام إسرائيل وروسيا القوميين الذين يشبهونه، والمعتدين على جيرانهم، والذي يود بسط نفوذه كرجل أعمال ونفوذ أميركا حتى على حلفائها في اوروبا.
أما لبنان فما زال بدون رئيس للجمهورية منذ سنتين وشهرين، وهذا انتهاك للدولة والدستور يحصل للمرة الثالثة من قبل القوى نفسها (الأولى والثانية في 2007 و2014)، التي تعمل على تحويله إلى عرف يريد فرضه المحور الممانع رغم الضربات القاسية التي تلقاها داخلياً وإقليمياً. ومع وقف إطلاق النار واشتداد الخناق على “حزب الله” الذي وافق على الاتفاق رغم الشروط المذلة سارع نبيه بري إلى تحديد موعد لجلسة انتخاب الرئيس في 9 كانون الثاني القادم بعد مضيّ سنة ونصف السنة على آخر جلسة عقدها في 14 حزيران 2023 ثم طيّر نصابها بعد الدورة الأولى. وقد جاء تعيين الجلسة بعد ثلاثة أسابيع على انتخاب ترامب، إلا أنّ الضربة القاصمة التي تلقاها “حزب الله” باغتيال أمينه العام حسن نصرالله، ومن ثم سقوط نظام الطاغية الممانع بشار الأسد، في 8 كانون الأول الماضي أدى إلى تغيير المراهنة ومحاولة التأقلم عبر “نقل البارودة من كتف إلى كتف”.
علماً أنّ موعد الجلسة حدده بري قبل عشرة أيام من دخول ترامب البيت الأبيض، وإذ بمستشار ترامب ووالد صهره اللبناني الأصل مسعد بولس ينصب فخاً جديداً بإعلانه “أنّ من انتظر سنتين لانتخاب الرئيس بإمكانه أن ينتظر شهرين أو ثلاثة”، ما أدى إلى إرباك الجميع نواباً وسياسيين مخططين ومناورين، كل بحسب حساباته ومصالحه. وبعد أن كان بري ناشطاً وضاغطاً لإنجاح الجلسة التي حددها ملمّحاً إلى استعداده لانتخاب قائد الجيش إذا به يحاول تبديل أرانبه بطرح أسماء أخرى مثل مدير المخابرات السابق جورج خوري او حتى تبني جهاد أزعور في لعبة يسعى خلالها إلى إحراج أحزاب المعارضة وفرط عقدها. فهل لإفشال انتخاب عون الذي يخاصمه “حزب الله” والتيار العوني الباسيلي الذي عاد إلى وكره، وهذة المرة من جهة من وصفه بـ”البلطجي”، مستعيداً دور المناورة عبر تبنيه ترشيح خصمه اللدود سمير جعجع، أم الهدف هو تأجيل الجلسة إلى ما بعد العشرين من كانون الثاني إرضاءً لترامب ومحاباة له؟ وهناك من يريد تأخيرها أيضاً لكشف نوايا بري ومحور الممانعة كما أعلن رئيس القوات اللبنانية الذي اتهمهم بالعمل على تفشيل انتخاب عون. كما أنّ هناك طرفاً ثالثاً يريد تأجيل الجلسة إلى ما بعد انتهاء مدة الستين يوماً (بقي منهم 25 يوماً) وانتهاء وقف إطلاق النار لاختبار مدى التزام “حزب الله” الذي من المفترض (نظرياً) أن يكون قد سلم سلاحه وخفت “وهرته” وقدرته في التأثير على اختيار الرئيس وحتى على كيف سيصوت نوابه، ما سيؤدي إلى فرط محور الممانعة والثنائي الشيعي الذي تيتم بفعل انهيار النظام الأسدي في سوريا. الأكيد أنّ الجلسة ستعقد، لكن ما ليس مؤكداً أن يتوصل خلالها النواب إلى انتخاب رئيس إلا إذا حصل “تفاهم” بين بري ومستشار ترامب.
مواضيع مماثلة للكاتب:
هل تؤدّي مناورة بري إلى تأجيل الجلسة؟ | رئيس أكثرية الصوت الواحد والإجماع | بري يحتار اي ورقة رئاسية يلعب |