قراءة في لبنان 2024: عام الانهيار المستمر وتفاقم التحديات


خاص 3 كانون الثاني, 2025

كان عام 2024 بمثابة استمرارية لأزمة عميقة لا يظهر لها أي أفق لحل قريب، فإنّ مستقبل لبنان الاقتصادي يعتمد على إرادة سياسية حقيقية لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة، ولكن مع تواصل الانقسامات السياسية والفساد المستشري، فالأمل في تعافٍ سريع يبقى بعيد المنال

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

في عام 2024، دخل لبنان مرحلة جديدة من الانهيار الاقتصادي، حيث برزت التحديات المالية والنقدية بشكل غير مسبوق. إذ عكست الأحداث الاقتصادية لهذا العام عمق الأزمة التي يعيشها البلد، مما جعله يواجه واقعًا صعبًا يتطلب معالجة جذرية على جميع الأصعدة. وإذا كان لهذا العام أن يُوصف بلقب، لكان بلا شك “العام المنحوس”، نظرًا لما شهده من تقلبات اقتصادية تمثل امتدادًا لاستمرار الأزمات المدمرة التي بدأت منذ عام 2019.

إليكم أبرز المحطات الاقتصادية التي شهدها لبنان في هذا العام:

الأزمة الاقتصادية: استمرارية أم انحدار؟

ظل الاقتصاد اللبناني في عام 2024 غارقًا في أعماق أزمة هيكلية لا تُظهر بوادر انفراج. ورغم التحسن الطفيف الذي شهدته بعض المؤشرات الاقتصادية، إلا أنّ هذه التحسينات كانت مؤقتة ومشروطة بتدابير غير مستدامة. فما زال لبنان يعاني من تداعيات انهيار العملة الوطنية، وارتفاع معدلات التضخم، وتفشي الفقر والبطالة، التي تتجاوز مستويات غير مسبوقة. وبات من الواضح أن لبنان يواجه أزمة اقتصادية ممتدة تهدد بقاء الدولة في صورتها الحالية، في ظل غياب أي رؤية استراتيجية لإعادة بناء الاقتصاد الوطني.

الحاكم السابق للمصرف المركزي: رياض سلامة ومرحلة انتقالية في السياسة النقدية

شهد عام 2024 حدثًا مهمًا تمثل في توقيف رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان السابق، الذي تولى قيادة السياسة النقدية والمالية في البلاد لعدة عقود. جاء هذا التطور في وقت حساس يواجه فيه الاقتصاد اللبناني تحديات كبيرة على الصعيدين الوطني والدولي. في هذا السياق، أدت هذه الخطوة إلى بدء مرحلة انتقالية في إدارة السياسة النقدية في لبنان، وهو ما أثار تساؤلات حول كيفية الحفاظ على الاستقرار المالي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. قد يتطلب هذا التغيير تحولًا في استراتيجية السياسة النقدية لضمان استعادة الثقة في النظام المالي والمصرفي، سواء على الصعيد المحلي أو في نظر المجتمع الدولي.

استمرار اقتصاد الكاش: تحدٍ إضافي للاقتصاد اللبناني

يواصل “اقتصاد الكاش” الهيمنة على الأسواق اللبنانية حيث أصبح المواطنون والشركات يفضلون التعامل نقدًا بدلاً من التوجه إلى المصارف. هذا التوجه يعكس فقدان الثقة في النظام المصرفي ويزيد من صعوبة جمع الضرائب وتنفيذ السياسات النقدية، مما يعمق الأزمة الاقتصادية ويعزز الظواهر مثل عمليات التزوير، تبييض الأموال، والتهرب الضريبي.

احتياطيات مصرف لبنان: تحسن محدود في ظل التحديات الهيكلية

على الرغم من بعض التحسن الطفيف في احتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية خلال عام 2024، إلا أن هذا التحسن يظل غير كافٍ للتعامل مع الأزمة المالية المتفاقمة. فإجمالي الاحتياطيات بقي عند مستويات متدنية جدًا مقارنة بما كانت عليه قبل الانهيار الاقتصادي. هذا التدهور المستمر في الاحتياطيات يعكس الأزمة الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني، ويشير إلى أنّ الحكومة لم تتمكن من بناء قاعدة اقتصادية قوية أو تحسين الوضع المالي في إطار من الشفافية والإصلاحات الجذرية. كما أنّ الاعتماد على القروض والودائع الأجنبية لا يضمن استدامة الاستقرار النقدي على المدى البعيد.

استقرار الليرة اللبنانية: خطوات مؤقتة في بحر من الهشاشة

على الرغم من جهود مصرف لبنان لتثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية عند مستوى 89,500 ليرة للدولار الأمريكي، فقد تظل هذه الإجراءات عرضة للتقلبات في ظل الوضع الاقتصادي الهش. تزامن هذا الاستقرار مع إجراءات رقابية مؤقتة، مثل بيع العملة الأجنبية في السوق المحلية وتعزيز التحويلات المالية من المغتربين، إلا أنّ هذه السياسات لم تكن كافية لتحقيق استقرار طويل الأمد. فالسوق اللبناني يظل هشًا، والحكومة عاجزة عن معالجة الأسس الاقتصادية التي تقف وراء تقلبات الليرة.

تدابير مصرف لبنان: إجراءات قسرية لتخفيف الأعباء على المودعين

في خطوة تهدف إلى تخفيف الضغط عن المودعين اللبنانيين، أعلن مصرف لبنان في عام 2024 عن إقرار دفعتين بموجب التعميمين 158 و166. وعلى الرغم من أهمية هذه الإجراءات في تخفيف الأعباء على بعض المواطنين، إلا أنها تظل مجرد تدابير جزئية، لا تعكس خطة شاملة لمعالجة الانهيار المصرفي. كما أنّ المودعين يواجهون حالة من الغموض حول مصير ودائعهم، في وقت يتساءل فيه الجميع عن مدى قدرة الحكومة على استعادة ثقة المواطنين في القطاع المصرفي.

تصنيف “اللائحة الرمادية”: أثر سلبي على صورة لبنان الدولية

في تطور بالغ الأهمية، أدرج لبنان في عام 2024 ضمن “اللائحة الرمادية” لمجموعة العمل المالي الدولية (FATF)، بسبب فشله في تنفيذ الإصلاحات اللازمة لتعزيز شفافية النظام المالي والمصرفي. هذا التصنيف لا يشكل فقط صفعة أخرى لسمعة لبنان الدولية، بل يؤثر بشكل كبير على قدرته على الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، ويزيد من صعوبة جذب الاستثمارات الأجنبية التي كانت تُعتبر من الدعائم الأساسية للنمو الاقتصادي. التصنيف الرمادي يعكس أيضًا فشل لبنان في تحقيق التقدم المطلوب في محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ما يعزز صورة البلاد كدولة غير قادرة على التحكم في سياساتها المالية.

الحرب الأخيرة: خسائر مالية ضخمة في مواجهة التحديات الأمنية

شهد عام 2024 أيضًا اندلاع حرب مدمرة بين حزب الله وإسرائيل، والتي كانت لها تداعيات اقتصادية غير مسبوقة على لبنان. فقد تكبدت البلاد خسائر مالية تقدر بمليارات الدولارات، فضلاً عن تدمير واسع للبنية التحتية، ما زاد من تعقيد الوضع الاقتصادي. كانت تكلفة إعادة الإعمار، التي تقدر بعشرات المليارات، تشكل تحديًا هائلًا في وقت كانت فيه الموارد المالية شحيحة. هذه الحرب أضافت طبقة جديدة من الأعباء الاقتصادية على كاهل الدولة اللبنانية، في وقت كانت فيه البلاد بحاجة ماسة إلى استقرار اجتماعي واقتصادي.

غياب الاستقرار السياسي: هل يعيق الإصلاحات الهيكلية؟

إنّ غياب الاستقرار السياسي في لبنان كان العامل الرئيسي الذي عطل قدرة الحكومة على اتخاذ خطوات إصلاحية فعالة. فقد أدت الانقسامات السياسية وعدم انتخاب رئيس للجمهورية إلى شلل المؤسسات الحكومية، مما جعل تنفيذ الإصلاحات الهيكلية أمرًا شبه مستحيل. فقد تباطأت جهود الإصلاح في ظل حكومة تصريف الأعمال، وزادت حالة الاستقطاب السياسي من تعقيد عملية اتخاذ القرارات المصيرية. في هذه الظروف، لم يكن من الممكن للسياسات الاقتصادية أن تُنفذ بشكل فعال، مما أدى إلى مزيد من التأخير في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

تعثر التفاوض مع صندوق النقد الدولي: عرقلة آفاق الدعم الدولي

أحد أكبر الأزمات التي واجهها لبنان في عام 2024 كان تعثر التفاوض مع صندوق النقد الدولي، الذي كان يُعدّ أحد المساعدين الرئيسيين في تقديم الدعم المالي اللازم لمعالجة الأزمة. ومع تعمق الأزمة السياسية في لبنان، فقدت الحكومة القدرة على إقناع الصندوق بجدوى الإصلاحات المقترحة، ما جعل لبنان يواجه انغلاقًا في آفاق الدعم الدولي. وكان هذا التوقف بمثابة ضربة أخرى للبنان، حيث فُقد الأمل في الحصول على دعم مالي كان يمكن أن يساهم في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي.

إنّ عام 2024 كان بمثابة استمرارية لأزمة عميقة لا يظهر لها أي أفق لحل قريب، فإنّ مستقبل لبنان الاقتصادي يعتمد على إرادة سياسية حقيقية لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة، ولكن مع تواصل الانقسامات السياسية والفساد المستشري، فالأمل في تعافٍ سريع يبقى بعيد المنال.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us