نواف سلام ورحلة السير على رؤوس الأفاعي


خاص 22 كانون الثاني, 2025

رحلة نواف سلام في تشكيل الحكومة اللبنانية ستكون مليئة بالألغام، فالتحديات التي يواجهها تعكس عمق الأزمة السياسية في لبنان، حيث يستمر التوازن الطائفي والسياسي في عرقلة أي محاولة لإحداث تغيير حقيقي. ومع بقاء الأمور على حالها، يبقى السؤال: هل يمكن لأي شخصية، مهما كانت كفاءتها، أن تحقق اختراقًا في نظام غارق في المحاصصة والتجاذبات؟

كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:

تشكيل الحكومة اللبنانية، كما هي الحال دائمًا، يشبه السير في حقل ألغام سياسي وطائفي، يشبه السير على رؤوس الأفاعي، خشية التعرض للدغة غادرة.
يتطلب التشكيل مناورة دقيقة وحسابات معقدة. ومع تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة، برزت تحديات قديمة بأوجه جديدة، خصوصًا في ظل الانقسامات السياسية والمطالب الطائفية، التي لا تزال تشكل عائقًا أمام تحقيق حكومة متوازنة وفعالة، وقد يؤدي التأخير في التشكيل إلى استعصاء وفشل.
أولى العقبات التي تواجه سلام مسألة التمثيل المسيحي. فقد اصطدم بمطالب “القوات اللبنانية”، “الكتائب”، و”المردة”، وهذه القوى تعتبر نفسها الأبرز في الساحة المسيحية. هذه الأطراف رفضت أي تمثيل شكلي وطالبت بحصص تتناسب مع حجمها الشعبي والانتخابي. سلام، بدوره، لم ينجح حتى الآن، في خلق توازن مقنع، مما أثار انتقادات واسعة حول قدرته على التعامل مع حساسية الملف المسيحي.
أما في مسألة التمثيل الشيعي، فعكس ما تم تداوله بأنّ سلام قرر منح حقيبة وزارة المال للثنائي الشيعي ما أثار استياءً كبيرًا، خاصة في أوساط المعارضة والمجتمع المدني. إذ هذا القرار اعتُبر تعزيزًا لنهج التوزيع الطائفي الذي يكرّس الهيمنة السياسية لبعض الأطراف، بدلاً من تقديم رؤية جديدة تساهم في كسر الحلقة المفرغة. فيما نفى سلام ذلك من بعبدا أمس بعد زيارته رئيس الجمهورية جوزاف عون، فقد صرح بأنّ وزارة المال ليست ملكاً لأحد ولا حكراً على أحد.

ويضاعف مهمة سلام تعقيداً، تهميش المعارضة الشيعية، ومن بين الانتقادات الأشد لنواف سلام كان إغفاله لتمثيل المعارضة الشيعية ولو بمقعد واحد. المعارضة التي طالما نادت بحقها في التعبير عن رأي شريحة واسعة من اللبنانيين تشعر الآن بالتجاهل، مما فتح الباب أمام اتهامات بأنّ الحكومة ما هي إلا انعكاس لإرادة القوى التقليدية، دون أي محاولة حقيقية لتوسيع دائرة التمثيل.
بالرغم من محاولات سلام تقديم حكومته كحكومة “تكنوقراط”، إلا أنّ التشكيلة النهائية كشفت عن محاصصة مقنعة تحت ستار الكفاءة. فالأسماء التي تطرح إلى الآن، وإن كانت تحمل خلفيات أكاديمية أو مهنية، جاءت بوصاية واضحة من الزعامات السياسية والطائفية، مما جعل الحكومة تبدو كامتداد لنظام المحاصصة السابق.

في الختام، يمكن القول إنّ رحلة نواف سلام في تشكيل الحكومة اللبنانية ستكون مليئة بالألغام التي لم يتمكن من تفاديها. التحديات التي يواجهها تعكس عمق الأزمة السياسية في لبنان، حيث يستمر التوازن الطائفي والسياسي في عرقلة أي محاولة لإحداث تغيير حقيقي. ومع بقاء الأمور على حالها، يبقى السؤال: هل يمكن لأي شخصية، مهما كانت كفاءتها، أن تحقق اختراقًا في نظام غارق في المحاصصة والتجاذبات؟
الجواب مرتبط بطبيعة النظام المركزي التي تعطي لأمراء الطوائف حق تعطيل تشكيل السلطة، متى شعرت أن مصالحها مهددة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us