مستقبل لبنان ترعاه ثلاث دول عربية
اللبنانيون الواقعون في تخبط المعطيات الميدانية والصراعات السياسية بين معسكري الموروث الفاسد والمستقبل الواعد يجدون أنفسهم بين ثلاثة شعوب عربية تفاخر بما حققته من رقي وتقدم برعاية قادتها وإدارة مؤسساتها: السعودية والكويت وسوريا.. ومصير مستقبل لبنان مرتبط بحسن علاقته مع هذه الدول الثلاث وشعوبها
كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:
ليس جديداً في لبنان أن ينتخب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، فقد حصلت سابقاً ولا يوجد ما يضمن عدم حصولها مستقبلاً. لكن الجديد الذي فاجأ الوسط السياسي بين ليلة وضحاها هو أنّ الاستشارات الملزمة التي أجراها الرئيس جوزاف عون أسفرت عن “تكليف” رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام تأليف الحكومة العتيدة ليصير أول قاضٍ دوليٍ يتأهل لتولي المنصب السني الأرفع في الدولة اللبنانية.
الملفت هو أن السعي لتأليف الحكومة العتيدة على مشارف إنتخابات نيابية في العام المقبل غيّر نسق التنافس التقليدي بين الكتل النيابية للحصول على الحقائب الوزارية السيادية فحوّلها إلى السعي للحصول على حقائب خدمات تساعدهم على حشد ناخبين من أبناء طوائفهم ما يمكّنهم من تكوين كتل نيابية كبرى قادرة على الإمساك بمقاليد الدولة عبر التلويح بسيف الميثاقية الذي يطيح بأي حكومة تقاطعها، أو تُمنع من المشاركة فيها.
مطالبة الكتل النيابية بالحصول على عدد محدد من الوزراء لشغل حقائب الخدمات شكّلت ضغطاً غير معهود على عملية تأليف الحكومة، فهل هذا الضغط هو سبب قول الرئيس المكلف نواف سلام للصحافيين في القصر الجمهوري بعد اجتماعه إلى الرئيس جوزاف عون إنه يتواصل مع كلّ الكتل النيابية ويستمع إليها ” لكن أنا من يشكّل الحكومة ولست صندوق بريد”؟؟
وفي ما يبدو أنه رد مباشر على طلبات الكتل النيابية بمقاعد وزارية خدماتية متعددة قال القاضي المكلّف سلام: “أفضّل حكومة من 24 وزيراً.” واعتبر أن الحكومات الفضفاضة هي بدعة “برلمان مُصغّر”.
أمام صخب هذا الوضع الذي تختلط فيه الوقائع بالفرضيات والآمال بالخيبات يستعرض المواطن اللبناني المشهد حوله فيرى أنّ حركة “حماس” تحتفل بنصرها المزعوم على إسرائيل مع أنها واقعياً “تسببت” بدمار غزة وفلسطين فجرف طوفانها الذي لا علاقة للمسجد الأقصى به، وفق بيان وزارة صحة القطاع، 46،913 قتيلاً، و 110،750 مصاباً، وهجّر نحو 90% من سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، ما جعل 1،8 مليون شخص في حاجة ماسة إلى مأوى طارئ ومستلزمات منزلية لوقايتهم من صقيع الشتاء وقيظ الصيف الصحراوي.
المشهد محلياً-لبنانياً يُظهٍر أمين عام حزب السلاح الفارسي الشيخ نعيم قاسم يعلن النصر على إسرائيل ويهدد بأن “لا تختبروا صبرنا” مع أنّ حزبه لم ينتصر إلا على اللبنانيين عموماً، وعلى الشيعة منهم خصوصاً، “فتسبب” دعمه لحماس منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) العام 2023 حتى 13 يناير (كانون الثاني) الجاري بقتل ما لا يقل عن 4 آلاف شخص وإصابة 19 ألفاً، جراح 20% منهم مسببة لأعطال دائمة، كما تسبب بنزوح 1،7 مليون شخص، 75% منهم تم استيعابهم محلياً في مراكز الإيواء ولدى أقارب وأصدقاء وغادر ربعهم إلى خارج لبنان، كما تم تدمير ما لا يقل عن 37 قرية وبلدة في الحافة اللبنانية الجنوبية المحاذية لفلسطين المحتلة بعمق 3 كيلومترات. ولم يتم إحصاء نهائي للوحدات السكنية المدمرة كلياً أو المتضررة جزئياً نظراً لإختلاف قواعد مسح الأضرار بين الأرياف، حيث الوحدات غالبيتها بيوت منفصلة، فيما هي في المدن شقق في أبنية من عدة طوابق، خصوصاً في بيروت وضاحيتها الجنوبية.
اللبنانيون الواقعون في تخبط المعطيات الميدانية والصراعات السياسية بين معسكري الموروث الفاسد والمستقبل الواعد يجدون أنفسهم بين ثلاثة شعوب عربية تفاخر بما حققته من رقي وتقدم برعاية قادتها وإدارة مؤسساتها:
-1- في 4 تشرين الثاني العام 2017 أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أمراً ملكياً بتشكيل اللجنة العليا لمكافحة الفساد، وبعد ثلاث سنوات وتحديداً في العام 2020 أعلن ولي العهد رئيس اللجنة محمد بن سلمان أن متحصلات تسويات مكافحة الفساد من الذين تمت “إستضافتهم” في فندق الريتز ما بين عامي 2017 و2020، قد بلغت 247 مليار ريال سعودي، ومثّل ذلك ما نسبته 20% من إجمالي الإيرادات غير النفطية السعودية.
وأكد ابن سلمان أنّ وزارة المالية تعمل على تسييل أصول أخرى بعشرات المليارات نُقِلت إليها، لتُسجّل لاحقًا في إيرادات الدولة.
قرار خادم الحرمين الشريفين وتنفيذه بإشراف ولي عهده حقق قفزة تقدم نوعية للمملكة وشعبها تقدر بـ 50 سنة ما كان باستطاعة جيلين تحقيقها من دون قيادة حكيمة وصلبة.
اللبنانيون يتطلعون إلى السعودية آملين أن تشملهم بنصائحها ورعايتها عندما يصل وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، إلى بيروت في زيارته المقررة اليوم الخميس وهي الأولى لمسؤول سعودي بمستوى وزير إلى لبنان منذ فترة طويلةً.
جدول زيارة الأمير فيصل بن فرحان يتضمن لقاء مع الرئيس جوزاف عون والقاضي الدولي المكلف تأليف الحكومة نواف سلام “في مسعى للحصول على تعهد بالإصلاح،” وفق ما ذكرته وكالة “رويترز” لافتة إلى أن الزيارة “تعكس التحولات السياسية الهائلة في لبنان منذ الضربات القوية التي وجهتها إسرائيل لحزب الله … فضلاً عن الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد”.
-2- إضافة إلى ما يتوقعه اللبنانيون من زيارة الأمير فيصل بن فرحان يتطلعون بأمل إلى ما تحمله زيارة وزير الخارجية الكويتية عبدالله اليحيا لبيروت يوم الجمعة ليبحث “مع كبار المسؤولين اللبنانيين تطورات المشهد في لبنان، وسبل مساعدة البلد الشقيق للمضي قدماً في مساره الجديد،” وفق ما صرح به لصحيفة كويتية.
يذكر أن زيارة الوزير اليحيا تتم خلال فترة رئاسة دولة الكويت للدورة 45 للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي ..
اللبنانيون ينظرون إلى دولة الكويت بإحترام عميق لأدائها كدولة مؤسسات خصوصاً أن قضاءها المستقل قضى في درجتين قضائيتين، بدائية وإستئنافية، وحكم ونفذ قراراً بالسجن سبع سنوات على وزير الدفاع السابق الشيخ خالد الجراح الصباح الذي ينتمي للأسرة الحاكمة لـ “إساءة استخدام أموال صندوق الجيش” فيما ألزم رئيس الوزراء السابق جابر المبارك الصباح برد مبالغ مالية بالقضية ذاتها.
وفي قضية ثانية قضت محكمة الوزراء الكويتية، وهي محكمة بداية، بحبس وزير الداخلية السابق الشيخ طلال الخالد الصباح 14 سنة، لإدانته باختلاس مصروفات وزارتي الدفاع والداخلية، مع إلزامه برد مبلغ ما يقارب 10 ملايين دينار وتغريمه 20 مليون دينار.
وتنتظر القضية حكم الاستئناف النافذ بحق المتهم وهو أيضاً ينتمي إلى الأسرة الحاكمة.
ويتساءل المواطن اللبناني هل حوكم وسجن وزير في لبنان في أي قضية؟، سواء في قضية مالية أو قضية تفجير مرفأ بيروت في 4 آب العام 2020 التي تم تغيير محققين عدليين اثنين فيها ولم يتمكن أي منهما، حتى الآن، من إصدار قرار اتهامي في القضية.
-3- أكثر من يشد غالبية اللبنانيين هو الشعب السوري وقائده المرحلي أحمد الشرع الجولاني الذي أنهى محور حلف الشر البائد بين الأسد الهارب وميليشيات إيران ما إنعكس إيجاباً على لبنان الذي ينتظر معرفة مصير المئات من مواطنيه المفقودين قسراً في أقبية العهد البائد لتحديد الخونة الذين خطفوهم من لبنان وسلموهم إلى سجانيهم.
سوريا الجديدة قدمت للبنان مؤخراً هدية لم يعهدها من النظام البائد وهي مصادرة شحنة أسلحة كانت مرسلة إلى حزب إيران في لبنان تصلح لحرب أهلية لا لقتال إسرائيل من رشاشات متوسطة، وقناصات وقواذف قنابل إينيرغا عيار 40 ملم للإسناد الناري القريب ضمن مجال رمي لا يتجاوز 800 متر، وصواريخ ستريلا-2-إم تقذف عن الكتف ضد المسيرات المحلقة على مستوى منخفض.
واقعياً، أنقذت هدية سوريا الجديدة الشعب اللبناني من عملية حرب شوارع محتملة، لذلك يُعمل على ترتيب زيارة لقيادات دينية مسلمة سنية مع وفد شعبي لأحمد الشرع الجولاني لشكره على الهدية والطلب إليه تشديد الرقابة على الحدود السورية-اللبنانية والمساعدة في معرفة مصير اللبنانين المخفيين قسراً وأسماء من خطفهم وسلّمهم لمخابرات العهد البائد.
خلاصة القول إن مصير مستقبل لبنان مرتبط بحسن علاقته مع هذه الدول العربية الثلاث وشعوبها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
حكومة لبنان العتيدة بلا وزير خديعة! | لبنان يترنح بين 3 مواعيد | حرب أهلية أم ثأر شعبي؟؟ |