الاقتصاد العالمي في 2025: التحولات الكبرى بعد إعادة تنصيب ترامب


خاص 25 كانون الثاني, 2025

بعد تنصيب ترامب، سيدخل الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة من التحديات التي قد تعيد ترتيب أولويات الدول والاقتصادات الكبرى، وسيعتمد نجاح الدول في التعامل مع هذه التحديات على قدرتها على التكيف مع السياسات الأمريكية المتغيرة والحفاظ على استقرارها الاقتصادي في ظل التحولات العالمية

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

يواجه الاقتصاد العالمي تحولات جوهرية قد تُعيد تشكيل العلاقات التجارية بين الدول، خاصة بعد إعادة تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. خلال حملته الانتخابية، أعلن ترامب عن نيته فرض رسوم جمركية إضافية على بعض الدول، ما يثير تساؤلات حول تأثير هذه السياسات على الاقتصاد الأمريكي والعالمي. وبينما يترقب العالم هذه الخطوة، تبرز مجموعة من التحديات التي ستواجهها الدول في مختلف أنحاء العالم، من بينها التجارة الدولية، النمو الاقتصادي، التضخم، والتحديات المناخية.

في اليوم الأول من ولايته الثانية، لم يفرض ترامب أي رسوم تجارية جديدة كما كانت الأسواق تتوقع. ورغم أنه كان قد أشار في حملته الانتخابية إلى عزمه على فرض مزيد من الرسوم على بعض الدول، فإن هذا القرار أثار العديد من التساؤلات حول نواياه الفعلية تجاه الاقتصاد العالمي. البعض اعتبر أنّ هذا التراجع عن فرض الرسوم كان خطوة ذكية، حيث أتاح له التفرغ لترتيب أولوياته الاقتصادية الداخلية أولاً، في وقت حساس بالنسبة للأسواق التي كانت تأمل في استقرار نسبي بعد التقلبات الحادة التي شهدها الاقتصاد العالمي في فترته الأولى.

تأثير الرسوم الجمركية على التجارة الدولية

يُعدّ فرض الرسوم الجمركية جزءًا أساسيًا من سياسة “أمريكا أولًا” التي تبناها ترامب في ولايته الأولى. ومن المتوقع أن يعيد الرئيس الأمريكي تطبيق هذه السياسة في فترته الثانية، ولكن سيكون أكثر انتقائية في استهداف بعض الدول، ما قد يؤدي إلى توترات تجارية بين الولايات المتحدة وبقية الدول مثل الصين وكندا والمكسيك ودول الاتحاد الأوروبي. في عام 2025، قد تترتب على هذه السياسات عواقب بعيدة المدى، أبرزها زيادة التوترات التجارية التي قد تؤدي إلى تبادل ردود فعل من الدول المستهدفة، مما يثير مخاوف من حرب تجارية جديدة قد تؤثر على استقرار الأسواق العالمية. كذلك، مع فرض الرسوم الجمركية، قد تبدأ الشركات في إعادة هيكلة سلاسل التوريد لتجنب الرسوم الإضافية، مما قد يؤدي إلى تغييرات هيكلية في الاقتصاد العالمي.

التضخم والضغط على الأسعار

إن زيادة الرسوم الجمركية تؤدي غالبًا إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوريد، وهو ما ينعكس مباشرة على الأسعار. ومن الممكن أن يشهد العالم في عام 2025 ارتفاعًا في معدلات التضخم، ما سيؤثر على القدرة الشرائية للمستهلكين في معظم الدول. قد يرتفع سعر العديد من السلع، من بينها المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، ما يزيد من معاناة الطبقات المتوسطة والدنيا. وفي ظل تزايد التضخم، قد تجد البنوك المركزية نفسها مضطرة لرفع أسعار الفائدة، ما قد يبطئ النشاط الاقتصادي ويزيد من تكاليف الاقتراض.

التخلي عن المساعدات الدولية واتفاق المناخ

أحد الجوانب المثيرة للجدل في سياسات ترامب هو انسحابه من العديد من الاتفاقات الدولية. حيث قرر ترامب التخلي عن المساعدات الدولية التي كانت تقدمها الولايات المتحدة، وهو ما أثار انتقادات واسعة على الصعيدين الداخلي والدولي. من جهة أخرى، انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ في عهد ترامب، ما جعل العديد من الدول تشكك في التزام أمريكا بالجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ. سياسة ترامب بتقليص أو إيقاف المساعدات التي كانت تقدمها الولايات المتحدة إلى الدول النامية قد تضع ضغوطًا على الاقتصاد العالمي، حيث يعتمد العديد من هذه الدول على الدعم الأمريكي في مجالات مثل الصحة والتعليم. كما أن قرار ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ كان له تأثير بعيد المدى على الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي. في عام 2025، قد تجد بعض الدول نفسها مضطرة إلى اتخاذ إجراءات فردية أو التعاون ضمن مجموعات أصغر للتصدي لتحديات المناخ.

التحديات المناخية والاقتصاد الأخضر

في ظل التوترات الاقتصادية الناجمة عن السياسات الحمائية، قد تتراجع بعض الدول عن التزاماتها في مجال مكافحة التغير المناخي. وتظهر هنا تحديات جديدة تتعلق بالتوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية. في حال تبني سياسة حماية اقتصادية صارمة، قد يتأثر التمويل المخصص للمشاريع البيئية والطاقة المتجددة. ومع تزايد الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، قد تواجه الشركات تحديات في توفير المواد اللازمة لمشاريع البنية التحتية البيئية، ما يعرقل جهود التحول إلى اقتصاد أخضر.

مستقبل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي

مع تزايد دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الاقتصادات العالمية، ستظل هذه القطاعات محط اهتمام. في ظل السياسات الحمائية، قد تواجه هذه الصناعات تحديات تتعلق بالتعاون عبر الحدود. في حال فرض الرسوم الجمركية، قد تواجه شركات التكنولوجيا الأمريكية صعوبة في التعاون مع شركائها الدوليين، ما يعرقل تطور التقنيات المستقبلية. وقد يستمر تأثير العملات المشفرة في تحولات الاقتصاد العالمي، حيث يمكن أن تصبح بديلاً محتملًا للتعاملات المالية التقليدية في حال تعرض النظام المالي التقليدي لضغوط كبيرة.

الاقتصاد الأمريكي في عهد بايدن

في المقابل، وخلال فترة حكم بايدن، شهد الاقتصاد الأمريكي بعض التحديات التي تركت آثارًا على الاقتصاد العالمي. ارتفع الدين العام في الولايات المتحدة إلى 34 تريليون دولار، بعدما كان في عهد ترامب 28.2 تريليون دولار. هذه الزيادة الكبيرة في الدين العام تشكل تهديدًا للاستقرار المالي في البلاد، خاصة مع تراجع النمو الاقتصادي إلى 2.1% في عهد بايدن، بعدما كان 5.8% في عهد ترامب. كما ارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، ما اعتبره البعض من أعلى المعدلات في تاريخ البلاد. هذا الارتفاع في الدين قد يؤدي إلى ضغوط مالية إضافية على الحكومة الأمريكية، ما سيجبرها على اتخاذ قرارات صعبة بشأن السياسات المالية المستقبلية. كما أن تراجع النمو الاقتصادي يعني أن الاقتصاد الأمريكي، الذي يُعتبر محركًا رئيسيًا للاقتصاد العالمي، قد يواجه صعوبات في تحقيق معدلات نمو مستدامة في المستقبل. مع الارتفاع الكبير في معدلات التضخم، قد يواجه المواطنون الأمريكيون تحديات في التكيف مع الأسعار المتزايدة، ما سيؤثر على قدرة الشركات والمستهلكين في الداخل الأمريكي.

بمجرد تنصيب ترامب مجددًا، سيدخل الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة من التحديات التي قد تعيد ترتيب أولويات الدول والاقتصادات الكبرى. في عام 2025، سيعتمد نجاح الدول في التعامل مع هذه التحديات على قدرتها على التكيف مع السياسات الأمريكية المتغيرة والحفاظ على استقرارها الاقتصادي في ظل التحولات العالمية. ما سيشكل علامة فارقة في التاريخ الاقتصادي الحديث هو كيف سيتعامل العالم مع هذا الوضع المتقلب، وما إذا كانت الدول ستتمكن من إيجاد توازن بين مصالحها الاقتصادية ومواجهة تحديات المستقبل.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us