لماذا يدّعي بري اليوم أنّ الطائف أعطى وزارة المال للشيعة؟
نفى النائب والوزير السابق بطرس حرب تخصيص وزارة المال للشيعة، وهو كان واحدًا من المشاركين في اللجنة الخماسية التي صاغت قوانين وبنود الطائف، والتي كان يُطلق عليها تسمية “لجنة العتالة”، وقد تعاقب على الوزارة وزراء من جميع الطوائف ما يُؤكّد أنّها لم تُخصّص للشيعة، كما أنّها لم تُحرم على أي طائفة
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
غامر اللبنانيون، لا سيما أهالي الجنوب، بمحاولة العودة إلى قراهم ومنازلهم أمس، على اعتبار أنّه اليوم الأخير من هدنة الستين يومًا التي نصّ عليها اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي. والمغامرة طالت القرى التي لا تزال تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، الذي حذّر مجدّدًا عبر الناطق باسمه من العودة إلى هذه القرى. وكانت النتيجة أنّ الجيش الإسرائيلي لم يتردّد في إطلاق النار على المدنيين العزّل، فقتل 15 شخصًا وجرح أكثر من مئة.
لماذا حصلت هذه المجزرة، ومن يتحمل مسؤولية وقوعها؟
لا شكّ أنّ الناس التي تجمّعت وتوجّهت وحاولت اقتحام قراها، كانت مدفوعة بدون أدنى شك بحبّها وتعلّقها بأرضها وبيئتها حيث نشأت. ولكن هذا الإصرار هو ناتج عن الموقف المتهوّر وغير المسؤول الذي يمارسه “الثنائي الشيعي” منذ انتخاب جوزاف عون رئيسًا للجمهورية وتكليف نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة.
فبعد محاولتهم منع وصول الاثنين، قاموا بوضع شروط تعجيزية على سلام، بمحاولة فرض من يريدون أن يمثّلهم، مع علمهم أنّ رئيس الحكومة المكلّف يريد تشكيل حكومة من غير الحزبيين واختيار وزراء اختصاصيين، نظرًا للقضايا والمشاكل المزمنة التي على الحكومة الجديدة أن تواجهها وتضع حلولًا لها ضمن خطة الإصلاح الموعودة ومحاربة الفساد والمحاصصة. وذلك بعد أن يكون قد استشار الأحزاب والقوى السياسية واستمع إلى طرحها وآرائها.
الأهم هو إصرار نبيه بري على الاحتفاظ بوزارة المال لوزير شيعي، كما فرضها منذ عشر سنوات في خمس حكومات متتالية. بطبيعة الحال، هذا الإصرار المشوب بالتحدي، وكأنّ “حزب الله” تحديدًا لم يورّط لبنان في حرب دمّرت البشر والحجر، شجّع أهالي الجنوب وجعلهم يعتقدون أنّ بإمكانهم تحدّي الجيش الإسرائيلي، علمًا أنّ عدم انسحابه منع الجيش اللبناني من الانتشار في كل قرى وبلدات الجنوب، كما يفرض اتفاق وقف إطلاق النار بصفته الجيش الشرعي الوحيد.
وكان “حزب الله” قد أعلن أنّه سيكون له “تصرف عسكري مختلف” في اليوم الأول بعد انتهاء الستين يومًا. وهذا طبعًا زاد من ثقة الجنوبيين واندفاعهم، ولو أنّ الحزب بعد الضربة التي مُني بها لم يعد قادرًا على أي ردّ عسكري، فاستعاض عنه بدفع الناس إلى ما يشبه المظاهرة الشعبية. وهذا ما تُؤكّده الأعلام التي رُفعت من قبل من حاول أمس دخول القرى الجنوبية، وهي أعلام “حزب الله” وحركة أمل فقط، ولم يُرفع فيها علم لبناني واحد. علماً أنّ نواب وقياديين من “حزب الله” تنصّلوا أمس من أي مسؤولية أو دور في هذه العراضة ودفع الناس إلى مثل هذه المخاطرة التي أدّت إلى سقوط ضحايا.
اليوم، يصرّ بري على إعطاء وزارة المال لوزير شيعي، متحجّجًا بأنّ هذا الأمر تقرّر في اتفاق الطائف عام 1989. والغريب أنّ رئيس حركة أمل يطرح هذا الأمر اليوم فقط، رغم أنّه رئيس لمجلس النواب منذ نحو 33 سنة. كما أنّ بري لم يكن حاضرًا في الطائف، إذ لم يكن نائباً حتى، ولم يُطرح هذا الأمر ولا مرة عندما كان حسين الحسيني على قيد الحياة، وهو الذي كان يرأس جلسات الطائف كونه كان يومها رئيسًا للمجلس.
كما أنّ النائب والوزير السابق بطرس حرب، الذي كان أحد أركان مؤتمر الطائف، نفى أمس في تصريحات له تخصيص وزارة المال للشيعة، وهو الذي كان واحدًا من المشاركين في اللجنة الخماسية التي صاغت قوانين وبنود الطائف، والتي كان يُطلق عليها تسمية “لجنة العتالة”. وأكّد حرب أنّ المسألة طُرحت وتمّت مناقشتها، إلا أنّها لم تُقرّ، بدليل أنّها ليست ضمن البنود الرسمية التي أُقرّت في الطائف. كما لاحظ أنّ وزراء من جميع الطوائف أو معظمها تعاقبوا على الوزارة بعد الطائف، ما يُؤكّد أنّها لم تُخصّص للشيعة، كما أنّها لم تُحرم على أي طائفة. ويشاطره هذا الرأي أيضًا النائب والوزير السابق إدمون رزق، الذي شارك هو أيضًا في الطائف. فما القصد من الإصرار عليها اليوم؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
سلام ينتفض محذّراً.. “لست ساعي بريد” | هل سيسأل ماكرون “الحزب” عن دمار لبنان؟! | الرئيس يحتاج إلى “هواء نظيف” في السراي |