الدعارة الأهلية!


خاص 30 كانون الثاني, 2025

إنّها الدعارة الأهلية بأبهى حللها تتجلّى بوقاحة أمام أعيننا من فصيل مسلّح يرفض كل أشكال المواطنة، ويناهض كلّ محاولات التلاقي، ويدعو بالكسر على كلّ يد امتدت إلى أهله عندما قرّر هو أن يقتلهم ويشرّدهم بقراراته الخاطئة

كتب جوزف طوق لـ”هنا لبنان”:

“موستيك” عين الرمانة لم يذكّرنا ببوسطة عين الرمانة، ولم يخِفنا من فكرة الحرب الأهلية، بل فتح عيوننا على الدعارة الأهلية التي يمارسها حزب السلاح المقدّس على متن دراجات بدون دماغ تسرح تحت عيون طائرات بدون طيار لا تتوقف عن استطلاع سماء العاصمة بيروت.

نحن نعلم أنّهم لا يستطيعون إشعال حرب أهلية، وهم يعلمون أنّهم لم يعودوا يملكون شيئاً يسمح لهم حتى بافتعال اشتباك مسلّح أو إشكال بالسكاكين في الجميزة وفرن الشباك وساقية الجنزير والكرنتينا.

نحن نعلم وهم يعلمون أنّهم رسموا الخطوط العريضة بين “نحن” و”هم”، فهكذا يرتاحون وهكذا يفكّرون ويخططون وينفّذون… كلنا يعلم أنّهم عزلوا أنفسهم عن باقي اللبنانيين الذين احتضنونهم وساندوهم، وتقوقعوا فوق “موستيكات” طائفية وغبية ليكشفوا لنا هويتهم الحقيقية ونواياهم المخفية.

نحن نعلم وهم يعلمون أنّهم مفلسون، ولم يبقَ من ترسانتهم الصاروخية الإلهية سوى بضعة دراجات نارية تتعاطى الكبتاغون، وتثير اشمئزاز بيئتهم قبل أن تزعج باقي اللبنانيين، وتغضب أهلهم وناسهم قبل أن توتّر سكّان المناطق التي لا تمجّ “أرغيلة” فارسية.

وفي وجه صورة الدعارة الأهلية الواضحة أمام الكاميرات، هناك صورة صامتة بعيداً من العدسات لا ينقلها الإعلام دوماً عن “الشيعة” الممتعضين من احتكار قرار الشيعة، والمتعبين من “تشيّع” الحروب والمقاومة والسلاح. وفي وجه ضجيج الـ”موستيكات” وفرقعات الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي والنباح في بعض المقابلات الكريهة، هناك صورة آلاف الرجال والنساء المنهكين من ركام المباني والغاضبين من الأرصفة المشلّعة والشوارع المشوّهة، والمكسورين فوق رخام القبور التي تزداد أعدادها مع كلّ انتصار… وهناك حيث التصوير ممنوع، يخرج أنين الشيعة اللبنانيين الذين سئموا من الشيعة المتأيرنين.

إنها الدعارة الأهلية التي يتفنّن حزب الصواريخ الإلهية بممارستها في لبنان، والتي لا تشبه بشيء مهنة الدعارة التي يمكن أن تكون شريفة لدى كثير من النساء المرغمات على بيع أجسادهنّ لإطعام طفل جائع أو تعليم أولاد متروكين خلف أب ظالم. فالحزب الذي باع جسده لإيران وقلبه لسوريا الأسد، يتلذّذ بالفحشاء ليس لإطعام أحد أو تعليم أحد، بل للتباهي بفحشائه فوق أجساد الأطفال وفوق ركام المنازل المهدّمة على آباء وأمهات نيام، وفوق حرائق المدارس والمستشفيات والمصانع والأرزاق.

فكلّ الاحتضان الشعبي من دير الأحمر إلى جزين وجبيل والمتن وبشري وزغرتا وكسروان وعكار ليس أكثر من “ورق تواليت” بالنسبة للحزب، وما كلام أمين عام تصريف الأعمال نعيم قاسم، وتهديدات بلطجيته وضجيج “موستيكاته” ورصاص شباب الكبتاغون سوى عنوان لماخور الدعارة الأهلية.

“ما في أشطر” من الحزب بالكلام والمحاضرة بالعفّة، وليس هناك أكثر من نتائج سياسات الحزب التي تدلّ إلى حجم الإفلاس العسكري والبشري والوطني وحتى الأخلاقي. والناس التي فتحت منازلها لضحايا الحزب المشردين من الجنوب والبقاع والضاحية، لم تفعل ذلك “تربيح جميلة” ولا لقبض ثمنه بعد الحرب، ولكنها بالتأكيد لم تفعله حتى تعود الـ”موستيكات” إلى شوارعها لتبصق في وجه كلّ من أظهر مشاعر إنسانية ووطنية صافية في أحلك أيام الموت والدمار… وهذه الناس التي استقبلت واحتضنت وأطعمت وسقت وحمت الأعراض لا تنتظر شكراً من حزب السلاح الذي أسكت صوته هدير المقاتلات الحربية، ولكنها لم تكن تتوقع الشتيمة لحظة استعاد الحزب جرأته على الكلام بعد أن خفت صوت جدارات الصوت والغارات.

إنّها الدعارة الأهلية بأبهى حللها تتجلّى بوقاحة أمام أعيننا من فصيل مسلّح يرفض كل أشكال المواطنة، ويناهض كلّ محاولات التلاقي، ويدعو بالكسر على كلّ يد امتدت إلى أهله عندما قرّر هو أن يقتلهم ويشرّدهم بقراراته الخاطئة. ولكن هؤلاء بالذات المظلومون من الحزب أوّلاً وأخيراً، هؤلاء المولودون في مناطق نفوذ الحزب والمهجّرون من مناطق حروب الحزب، هؤلاء تحديداً يعلمون ويتذكّرون ويحفظون جميل كل لبناني أحسّ بوجعهم وضمّد حزنهم. وهؤلاء لا يركبون “موستيكات” ولا يطلقون النار فوق رؤوس الذين رموا عليهم الورود.

أثناء ممارسة حزب الله الدعارة الأهلية في شوارع بيروت، لم ينتبه إلى أنّ عنين طائرة الاستطلاع كان أعلى من ضجيج الدراجات النارية، ولم يسمع صيحات بيئته المشمئزة من تصرفاته التي باتت وصمة عار على طائفة لم تعد تقبل بدعارته.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us