عودة خليجية إلى لبنان وتفاؤل اقتصادي.. هل نعود سويسرا الشرق؟
إذا نجحت زيارة الرئيس جوزاف عون في تحقيق تفاهمات مع المملكة العربية السعودية، فقد تساهم في فتح أبواب جديدة للاستثمارات الخليجية، مما يعزز من آمال اللبنانيين في استعادة الاستقرار الاقتصادي والنهوض بقطاعات حيوية مثل السياحة والعقارات
كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:
بعد سنوات من التحديات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها البلاد، ينتظر لبنان بفارغ الصبر نتائج زيارة الرئيس جوزاف عون إلى المملكة العربية السعودية، التي تأتي في وقت حساس بعد تشكيل الحكومة الجديدة. هذه الزيارة تمثل فرصة حاسمة لإعادة بناء الثقة بين لبنان والدول الخليجية، التي لطالما شكلت أحد الركائز الأساسية للاقتصاد اللبناني. إذا نجحت هذه الزيارة في تحقيق تفاهمات مع المملكة، فقد تساهم في فتح أبواب جديدة للاستثمارات الخليجية، مما يعزز من آمال اللبنانيين في استعادة الاستقرار الاقتصادي والنهوض بقطاعات حيوية مثل السياحة والعقارات. في ظل حكومة جديدة متوافقة، يتطلع لبنان إلى تحقيق إصلاحات جادة تضمن عودة العلاقات الاقتصادية إلى مسارها الصحيح، مع تأكيد استعداد لبنان للتعاون مع شركائه الخليجيين لمواجهة التحديات المستقبلية. وبحسب معلومات “هنا لبنان”، فإنّ هناك 22 اتفاقية جاهزة مع الجانب السعودي، مما سيوفر للبنان مليارات الدولارات.
بداية، لا شك أنّ الاستثمارات وحركة رؤوس الأموال في العالم ترتبط بشكل كبير بالظروف الجيوسياسية وبعض المعطيات والمتغيرات المتعلقة بالأمن والاستقرار، إضافة إلى القوانين والحروب وغيرها من العوامل. من المعروف أن رأس المال يعتبر “جباناً”، إذ يبحث دائمًا عن الأماكن التي تتمتع بأعلى درجات الأمان، ويُعد الارتباط بين الظروف الجيوسياسية والاقتصاد من أقوى الروابط التي تؤثر في التغيرات الاقتصادية على مستوى العالم.
بالنسبة للبنان، فقد مرّ بفترة صعبة على مستوى التغيرات الاقتصادية، سواء على صعيد العملة، القطاع المصرفي، أو حتى على مستوى الأصول وقيمتها والعوائد التي يمكن تحقيقها من خلالها. كما تأثرت القوى الشرائية والسياسات الاقتصادية، بالإضافة إلى الكتلة النقدية المتاحة في السوق. وقد تركت هذه التغيرات آثارًا كبيرة، مما جعل بعض المستثمرين الذين تعرضوا لخسائر أو ضغوط اقتصادية في لبنان يجدون صعوبة في نسيان تلك التجارب، ما دفعهم إلى التحرك بحذر أكبر في استثماراتهم، إذ أصبح المستثمر “يحسب حسابًا قبل أي خطوة استثمارية”. هذا ينعكس أحيانًا في تصريحات متغيرة بشكل سريع من يوم لآخر، نتيجة لتقديرات أو دراسات قد تؤثر سلبًا على الاقتصاد اللبناني مجددًا.
بناءً على ما ذكره الخبير والمحلل الاقتصادي أحمد عقل في حديثه لـ”هنا لبنان”، أكد أنّ خطوة وجود رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة في الأسابيع الأخيرة تأتي كأمر بالغ الأهمية، إذ فتحت أفقًا جديدًا من الأمل أمام اللبنانيين والراغبين في الاستثمار في لبنان. هذه الخطوة تمثل دعمًا كبيرًا لعودة الحياة الاقتصادية تدريجيًا إلى مكانتها التي كانت عليها قبل الأزمة المالية. وأوضح أنّ هذه التغيرات قد تكون بطيئة وقد تواجه تحديات وصعوبات، مثل سن قوانين حوافز للاستثمار، ضمان السيولة النقدية، جذب رؤوس الأموال، وثبات قيمة العملة الوطنية في ظل الظروف الجيوسياسية الحالية.
وإعتبر عقل أنّ لبنان يمتلك فرصًا استثمارية حقيقية، وهو على أعتاب مرحلة مليئة بالأمل، حيث المعطيات والتغييرات الحالية تشكل فرصة لإعادة البناء، بفضل إرادة المسؤولين الذين يسعون إلى تحسين الظروف السياسية والاقتصادية. ومع ذلك شدد أنّ هذا التحرك لن يكون سهلاً، فلبنان بحاجة إلى فترة من الزمن لسنّ القوانين المطلوبة ولإعداد الدراسات التقنية، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الاستثنائية التي يمر بها، والتي أضعفت آمال الكثير من اللبنانيين وجعلت المستثمرين يواجهون تحديات صعبة.
تابع عقل أن ما يحدث الآن هو بداية مخاض جديد لدورة اقتصادية جديدة قد تكون هي الأهم في تاريخ لبنان الحديث، فالتغيرات الاقتصادية لا تأتي بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى وقت طويل لتثبيتها. ورغم التحديات، يعتقد عقل بأن لبنان يملك فرصة اقتصادية هامة، فالأموال، وخاصة الخليجية منها، تراقب الوضع في لبنان عن كثب، بانتظار إشارات تؤكد تحسن الظروف. وبحسب معلوماته أن العديد من المستثمرين في دول الخليج العربي يرون في لبنان سوقًا واعدًا ومنطقة تستحق الاستثمار، خاصة في ظل التحولات التي تمر بها.
الفترة المقبلة قد تكون فترة صعود تدريجي يزداد تسارعه مع مرور الوقت. وفي هذا السياق، هناك تحركات وزيارات سياسية تبشر بمستقبل اقتصادي واعد، لا سيما في منطقة بلاد الشام وخصوصًا لبنان. كما أن المغتربين اللبنانيين يظهرون شغفًا بالعودة إلى لبنان وبدء حياة جديدة ودورة اقتصادية مستدامة لأبنائهم وللشعب اللبناني. بالإضافة إلى ذلك، نلمس استثمارات هامة من الدولة القطرية في قطاعات مثل التنقيب عن الغاز والسياحة والعقارات.
شدد عقل أن ما يحتاجه لبنان الآن هو بعض التشريعات الجديدة، إلى جانب استعادة الثقة في القطاع المصرفي، ووضع خطط طويلة الأجل لحماية رؤوس الأموال وضمان تحركاتها. معتبرا أن القطاع المصرفي اللبناني، الذي لطالما كان يُعتبر “سويسرا الشرق”، يجب أن يستعيد مكانته كملاذ للمستثمرين والسياح الباحثين عن فرص مبتكرة.
أما في ما يخص المستقبل فأشار عقل إلى أن تشكيل الحكومة والأسماء التي سيتم اختيارها، إذا كانت من أصحاب الخبرات والثقة على الصعيدين المحلي والعربي، ستكون بداية قوية لعودة العديد من المستثمرين. وتوقع قريبًا تحولًا في تصريحات رؤوس الأموال إلى مزيد من التفاؤل إذا اتضحت الظروف الاقتصادية بشكل أكبر.
اختتم عقل حديثه بالقول أن الساحات الاقتصادية قد تكون غير واضحة المعالم أحيانًا، ولكن على الرغم من ذلك فإن هناك حركة ملحوظة لرؤوس الأموال، خصوصًا من المنطقة الخليجية التي دائمًا ما تقتنص الفرص الاستثمارية بما يخدم مصالحها ويحقق نموًا للدول المستفيدة.
في ظل التطور التكنولوجي السريع، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، قد يكون عدم وجود هذا القطاع في لبنان بالشكل الكافي بمثابة فرصة لأسواق جديدة ومستثمرين جدد لدخول السوق اللبناني، لتحقيق أرباح قد لا تتوفر في أسواق أخرى. في الوقت نفسه، لا يمكننا إغفال أن أسواقًا مجاورة بدأت تظهر كمنافسة للسوق اللبناني، مثل السوق السوري، الذي يسعى لجذب الاستثمارات من خلال أنظمة جديدة تبحث عن المستثمرين لتحقيق طموحات شعوبها.
من هنا، يمكن القول إن لبنان بحاجة إلى تشريعات وقوانين جديدة تحفز الاستثمارات، خصوصًا في قطاعات التجارة والصناعة، والإستيراد والتصدير، لضمان عودة النمو الاقتصادي وتوفير فرص جديدة للمستثمرين.