رسالة مدوّية من الموقوفين السوريين في لبنان إلى أحمد الشرع: أنقذوا أبناء ثورتكم


خاص 4 شباط, 2025

لا يُخْفي المُهْتَمّون بملفِ السّجون في لبنان أنّ الموقوفين السّوريين يشكِّلون العبءَ الأكبر على الدّولة، ما يطرحُ أسئلةً عن دورِ اللجنة القضائية – الأمنية، وما أنجزَته من ملفاتٍ لتسريعِ تسليمِ الموقوفين السّوريين إلى بلادِهم. مما استدعى توجيه السجناء السوريين رسالةً إلى رئيس بلادهم الجديد أحمد الشّرع لتعيين مسؤولٍ حكومي خاصّ من طرفِه لمتابعة هذا الملف، وإتمامِ الاتصالات اللازمة لحلِّه.

كتب يوسف دياب لـ”هنا لبنان”:

تراجعَ الزَّخم الذي بدأته الدولة اللبنانية قبل أسابيع، الهادفُ إلى نقلِ الموقوفين السوريّين من سجون لبنان إلى بلادِهم، وغرقَت اللجنةُ القضائيّة ــ الأمنيّة التي شكَّلها وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي في دهاليز البيروقراطية القاتلة، فيما تبقى أزمةُ اكتظاظِ السّجون مفتوحةً على المفاجآت، جرّاء الارتفاع غيْر المسبوقِ في التوقيفات، مقابل بطءٍ كبيرٍ في إصدارِ القرارات والأحكام القضائية، وتجاهل تطبيق المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة، التي تفرضُ إطلاق سراح الموقوف بعد مدّةٍ محدَّدَةٍ ما لم يصدر الحكمُ بحقِّه، وذلك على الرَّغم من التّعميم الصادِر عن النّائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، الذي حضّ القضاة على تفعيلِ العملِ بهذه المادة وانتزاعِ صاعقِ تفجيرِ السّجون بأي لحظة.

لا يُخْفي المُهْتَمّون بملفِ السّجون أنّ الموقوفين السّوريين يشكِّلون العبءَ الأكبر على الدّولة، إذ أنّ عددهم تجاوزَ الـ35% من نسبةِ النّزلاء، وهذا الرقمُ قابلٌ للارتفاع ويعمِّقُ الأزمةَ يومًا بعد يوم، ما يطرحُ أسئلةً عن دورِ اللجنة القضائية – الأمنية، وما أنجزَته من ملفاتٍ لتسريعِ تسليمِ الموقوفين السّوريين إلى بلادِهم، إلّا أنَّ مصدرًا قضائيًّا، عزا تعليقَ الإجراءاتِ الخاصّةِ بترحيلِ السّجناء السّوريين، إلى “توقف عمل مكتب الاتصال السوري، الذي تولّى التّنسيق بشأن هؤلاء السجناء”. وأكد المصدر لـ “هنا لبنان” أن القضاءَ اللبناني “مستعجلٌ في إنجازِ الإجراءاتِ القانونيّة الخاصَّة بملفاتِ السّوريين، وحَصْرِ العددِ الذي يستحقُّ التّرحيل إلى بلادِه، سواء من الموقوفين أو المحكومين”، مذكِّرًا بأنَّ التّرحيل “يستثني الأشخاص الذين يواجهون دعاوى شخصيّة من متضرّرين، بالإضافةِ إلى الذين ارتكبوا جرائمَ تمسّ الأمن الداخلي للبلاد وتقعُ تحت سلطة المجلس العدلي، أو الذين لم تصدر حتى الآن قرارات اتهام بحقّهم”.

في المقابل، تتعمّق معاناة السجناء السّوريين، الذين يعتريهم الإحباط، جرّاء تراجعِ مطلبِ الحكومةِ السوريةِ الجديدةِ باستعادتِهم، خصوصًا أنَّ أغلبَهم ممن يصنّفون ضمن “ثوّار سوريا”، وجرى اعتقالُهم في لبنان ومحاكمتهم بـ”جرائم إرهابيّة” لمجرّد أنهم يعارضون نظام بشّار الأسد، وكانوا ضمن صفوف ما يعرف بـ”الجيش الحر” الذي ضمّ ضباطًا وجنودًا منشقّين.

أمامَ تراجُعِ الاهتمام بأوضاعِهم من قبل الدولتَيْن، وجّه السجناءُ السّوريّون في “سجن رومية المركزي” رسالةً إلى الرئيس السوري الجديد أحمد الشّرع طالبوه فيها بـ”العمل على تحريرِهم ونقلِهم إلى بلادِهم، حتى لا تعود قضيتهم إلى غياهِب النّسيان”. وجاء في الرسالة التي حصل “هنا لبنان” على نسخةٍ منها: “نكتب لك يا “أبا محمد” ولسنا ندري إنْ كنتَ ستقرأُ هذه الكلمات وأنت الذي بالكاد تجدُ وقتًا للنوم، نكتب لك من بلادِ الجوار التي تغصُّ سجونها بأبناءِ بلدك، ومنهم كثيرون من رفاقِ السّلاح وأخوة الشهداءِ وأبناء الثّورة المنصورة، نكتب لك وفوق أصابعنا دموع آلاف الأمهات والآباء والاطفال السوريّين الذين ينتظرون كلّ يوم خبرًا عن سُجَنَائِهِم المنسيّين في سجون لبنان، نكتب لكَ بغصّةِ مئاتِ المكسورين الذين ضاعت زهرة شبابِهم خلف هذه الأسوار في “رومية” وهم ينتظرون فتح أبواب الخلاص أيها الفاتِح”.

وفي محاولةٍ من السّجناء لإثارة انتباه الرّئيس السوري الجديد، تحدّثت الرسالة عن ظروفِ السجن التي “غيّرت وجوه نزلائِه”. وقالت: “لا يستطيع كاتبٌ أن يصفَ لك ملامحَ السجناء هنا وهم يشاهدون جنودك يفتحون أبوب السجون في سوريا، ويُعيدون الحياة لآلاف المعتقلين الذين كانوا يولدون من جديد لحظة خروجِهم إلى الحرية”.

وتابع السّجناء السّوريون في رسالتِهم: “كانت وجوه السّجناء كوجوه الأيتام يا “أبا محمد” وهم يشعرون بأنّهم سيجدون آباءهم من جديد، كان الشعورُ الجارف في قلوبهم وهم يشاهدون أمثالَهم في سوريا يتحرَّرون على شاشاتِ التلفزيون، إنّها “الثّقة”، الثّقة بأنَّك لن تتركَهم وبأنَّ الفرجَ آتٍ إليهم، لأنّهم كانوا شركاءَ في حكايةِ الوجع السوريّة الطويلة، وحملوا البندقية في وجه النظام المخلوع وذاقوا منه الويلات وأذاقوه”.

راهن السّجناء السّوريون على عودةِ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من دمشق، وهو يحملُ اتفاقًا منجزًا مع الرّئيس أحمد الشّرع، يضمنُ بدءَ تنفيذِ إجراءات التّرحيل، وتناولت رسالة السجناء هذه الجزئيّة، بالقول: “مرّت الأيام ثقيلةً كثقيل القيد في المعصم، حتى زاركم رئيس وزراء لبنان في دمشق وكان الوعدُ الكريم باستردادِكم لجميعِ أبنائِكم من السّجناء السّوريين في لبنان، ومن يومِها يا “أبا محمد” أصبحَ للحياةِ طعم ولون، واشتعلت في قلوبِ أبنائِك وذويهم أشواق اللقاء الموعود، لكنّنا خائفون يا فاتح الشّام، فنحن نعلم انشغالَك وإخوانَك بآلاف القضايا والمشكلات، ونعلم أن الرّوتين الحكومي في البلدَيْن قد يُغْرِقُ الفرحةَ الموعودةَ في رمالِ التّأجيل المتحرِّكة، وفي القلب غصَّة أن يصطدم الملف بعراقيلَ لا قدَّر الله لدى صانع القرار في لبنان، ونحن نعلم أكثر من غيرِنا كيف تموتُ القضايا هنا في أدراج الإهمال الحكومي، وأين ينتهي بها المطاف في زواريب السياسة المعقّدة”.

وطالب السّجناء الرّئيس السّوري بـ “تعيين مسؤولٍ حكومي خاصّ من طرفِك لمتابعة هذا الملف، وإتمامِ الاتصالات اللازمة لحلِّه، ليتمكَّنَ أهلنا من التواصلِ معه، وليكن سريعًا وحاسمًا في تذليلِ أيّ عقبةٍ سياسيةٍ أو قانونيةٍ أو إداريةٍ قد تواجِه الملفَّ خصوصًا في لبنان، ونحن واثقون أنّك لن تخيِّبَنا في هذا المطلب، عسى أن يمنَّ الله علينا بقضاء أوّلِ أيام شهر رمضان المبارك بين أهلنا وأبنائنا في سوريا الحبيبة”.

وختم السّجناء رسالتهم: “نناشدك الله يا أبا محمد، فقد بلغت القلوبُ الحناجرَ من الشّوق، وفي الروح غصّات لا يعلمها إلّا الله، والقلقُ قد أخذ منا كلّ مأخذ، و ليس لنا بعد الله إلّا رجاءنا أنّكم لن تتركونا في غياهِب النّسيان”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us