سلام وحكومته في مرمى عيون أورتاغوس


خاص 6 شباط, 2025

هل تقف واشنطن ضد تمثيل “حزب الله” حصرًا في الحكومة، ما دام يحتفظ بسلاحِه، أم هي أيضًا ترفض تمثيله عبر الحلفاء، كالرّئيس بري مثلًا؟ وفي عبارة أخرى، هل تعترض واشنطن على ياسين جابر في وزارة المال لأنه سيبقى فعلًا واجهة شكليّة للوزارة فيما قرارها الحقيقي يتحكَّم به بري؟ وهل تُوافق على تمثيل “الثنائي الشيعي”، ولو بـ”أسماء ناعمة”، بما يوفِّر له القدرة على استخدام الثلث المعطل ونسف قرارات الحكومة؟

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

ثمة فارق جوهري بين ما يريد الإسرائيليون تحقيقه في حرب غزّة، وما يريدون تحقيقَه في حرب لبنان. هناك، هدفُهم الأوّل ليس القضاء على “حماس”، وإنّما تدمير غزّة وتهجيرها ضمن مشروعهم لتصفية القضية الفلسطينية. بل إنّهم يجدون مصلحتهم في وجود “حماس” لفترةٍ معيّنة، ليبرِّروا شنّ الحرب على القطاع وتدميره. وبعد ذلك، يتمّ القضاء تلقائيًّا على الحركة. وأمّا في لبنان، فهدفُ الإسرائيليّين الأساسي هو التخلُّص من “حزب الله” باعتباره ذراع طهران على حدودهم. وتدميرُ القرى المحاذيَة للحدود يُراد منها التّأسيس لمنطقةٍ عازلةٍ، بِعرْضِ كيلومترات عدّة. أي إنّ إسرائيل تصرُّ على أنَّ هدفها في لبنان ذو طبيعة أمنيَّة، وهو ليس عقائديًّا ودينيًّا. وصحيح أنَّ أدبيّات اليمين الإسرائيلي المتطرّف تَعْتَبِرُ الجنوب اللبناني حتى اللّيطاني، أو حتى الأوَّلي، جزءًا من أرض إسرائيل التوراتيّة، لكن الحكومات الإسرائيليّة لم تجرؤْ يومًا على البوح بهذه الخلفيّات لتبرير حروبها مع لبنان.

ولأنَّ هدف إسرائيل هو تصفية “حزب الله” تمامًا كتنظيم عسكري، فإنَّها ستؤجِّل انسحابها، مرّة تِلْوَ أخرى، حتى تضمنَ بنفسِها أنَّ “الحزبَ” انسحبَ من جنوب اللّيطاني، فيما تأخذ الولايات المتحدة على عاتقِها هذه المهمَّة في شمال النّهر، مستعينةً بالحكومة اللّبنانية وقواها الرسميّة. وهذا يعني أنَّ المهمَّات التي تنتظر حكومة نوّاف سلام واضحة ومقررة مسبقًا. فعليها أن تضمنَ إزالة سلاح “الحزب” من كامل الأراضي اللبنانية، أو “نزعه” بحسب العبارة الواردة في اتفاق وقف النار. ويجب أن تكون تركيبة هذه الحكومة منسجمةً وبيانها الوزاري واضحًا كي تكون مؤهَّلة لتنفيذ هذه المهمَّة، وإلّا فإنها ستصطدم بإسرائيل التي تتذرّع بأنّ الاتفاق يمنحها امتياز “الدفاع عن النّفس” بواسطة قِواها العسكرية، بعد إبلاغ لجنة المراقبة، إذا رصدت أنشطةً تعتبرها “عدائيّة” في الجانب اللبناني. كما ستصطدم هذه الحكومة بالولايات المتّحدة واللجنة الخماسيّة التي ستطالب الجانب اللبناني بالتزام توقيعِه على الاتفاق جدّيًّا.

إذًا، في العمْق، وبعيدًا من التجاذبات الداخليّة التقليديّة، هنا تكمُن عقدةَ تأليف الحكومة: هل ستنسجمُ مع منطوقِ اتّفاق وقف النار تمامًا، أم لا؟ والدّليل هو أنَّ مورغان أورتاغوس، خليفة عاموس هوكشتاين، دَخَلَت على مأزِق التّأليف، وتحادثَت مع الرّئيس المكلّف في ملفاتٍ عديدة، عشيّة الموعدِ المحتملِ لوصولِها إلى لبنان، حيث ستطلقُ وساطتَها المتعدِّدَة الاتّجاهات والغايات، إذ تبدأ بتعقيداتِ اتفاق وقف النار، ولا تنتهي بتعقيداتِ تأليفِ الحكومةِ وتقليعةِ العهد. وفي الحاليْن، المشكلة يراها الأميركيّون في مكانٍ واحد: “حزب الله”. فهو مُطالَبٌ بإنهاءِ دورِه العسكري والاكتفاء بالعمل السّياسي على غرار القوى الأخرى في لبنان. وترجمة هذا الواقع الجديد تبدأ في الحكومة.

وهذا الموقف عبَّرت عنه واشنطن رسميًّا في الأيام الأخيرة: ممنوعة مشاركة “الحزب” في الحكومة، تحت طائلة الرَّدّ بعقوباتٍ شرسة تستهدف لبنان كله.

لا يستطيع سلام أن يديرَ ظهره لطلب واشنطن، لأنَّ إدارة ترامب قد تردّ فعلًا بوسائل مختلفة:

1- تسحب يدها من رعاية اتفاق وقف النار وتمنح إسرائيل “كارت بلانش” لتنفيذه كما تريد.

2- ترفع الغطاء الدّولي عن الحكومةِ الوليدة، وتوعزُ بحرمانها الغطاء العربي أيضًا، فتصبح نموذجًا آخر لحكومة نجيب ميقاتي وسابقاتها. ويعني ذلك استمرار الحصار المضروب على لبنان، منذ أن تمَّ تجميد المساعدات المقررة في مؤتمر “سيدر” عام 2018. وفي الخلاصة، سيعني إشراكُ “حزب الله” القضاء تمامًا على الفرصة المتاحة للبنان حاليًّا كي يخرج من الأزمة. ولن تكون له فرصة جديدة في المدى المنظور.

السؤال المطروح سياسيًّا هو: هل تقف واشنطن ضد تمثيل “حزب الله” حصرًا في الحكومة، ما دام يحتفظ بسلاحه، أم هي أيضًا ترفض تمثيله عبر الحلفاء، كالرّئيس بري مثلًا؟ وفي عبارة أخرى، هل تعترض واشنطن على ياسين جابر في وزارة المال لأنه سيبقى فعلًا واجهة شكليّة للوزارة فيما قرارها الحقيقي يتحكَّم به بري؟ وهل تُوافق على تمثيل “الثنائي الشيعي”، ولو بـ”أسماء ناعمة”، بما يوفِّر له القدرة على استخدام الثلث المعطل ونسف قرارات الحكومة؟

بعضُ المطّلعين على موقف واشنطن يقول إنَّ الإدارة نفسها لم تحسم خياراتها بدقّة في هذه المسألة التفصيليّة. فهناك وجهات نظر متباينة أو غير محسومة في هذا الشأن. وهذا الأمر يُترجمُ الغموض الحاصل في مفاوضات التأليف. ولكن أيًّا كانت الصورة التفصيليّة، فهي في الخط العريض تعني أن لا مجال بعد الآن لسيطرة “حزب الله” على قرار الحكومة الجديدة كما كان يسيطر في السابق، وأيًّا تكن الظروف والمبرِّرات. وتبقى التفاصيل رهنَ النّقاشات مع المعنيّين، ولا سيّما الرّئيس المكلف و”الثنائي”. وهذا ما ستبلوِره المحادثات التي ستجريها أورتاغوس في زيارتِها الوشيكة للبنان، فتبارك واشنطن التّركيبة الوزارية الموعودة. وحتى ذلك الحين، تصل الحكومة إلى لحظة الولادة ثم تأبى الخروج من الرّحم. ومعها تبقى تقليعة العهد في وضعيّة الـ”لا مُعلّق ولا مُطلّق”، وكذلك حرب الجنوب ووضع البلد بأسره.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us