تشكيل الحكومة تعثّر بين اسم لميا مبيّض وفخّ القاضي مكّية لإحراج الرّئيس بري

ذكر مسؤول في الإدارة الأميركية أنَّ المبعوثة الأميركية الجديدة “مورغان أورتاغوس” التي تزور لبنان ستتوجَّه برسالةٍ شديدةِ اللّهجة إلى المسؤولين اللبنانيّين، مفادُها بأنّ واشنطن لن تتهاوَنَ مع أيّ نفوذ غيْر مقيَّدٍ لحزب الله في الحكومة الجديدة، وبأنّها ستحذِّر من أنّ لبنان سيواجه عزلةً دوليّةً وانهيارًا اقتصاديًّا ما لم يُشكِّل حكومة ملتزمة بالإصلاحات ومكافحة الفساد، وتحدُّ من نفوذِ حزب الله
كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:
لم تكن حسابات الحقل على قدر حسابات البيدر، فبعد أن سادت أجواء التفاؤل في بعبدا حول احتمالات أن تبصر الحكومة النّور بين دقيقة وأخرى، عادت وتعرقلت كل الجهود التي بُذِلَت من أجل تحقيق ذلك، وعلى ما يبدو فإنَّ الحسابات التي عرقلت عملية التّشكيل أصبحت أبعد من مجرّد حقيبة وزارية خصوصًا بعد الاتفاق على حقيبة وزارة المالية التي سيحملها الوزير والنّائب السابق ياسين جابر. هي استراتيجية الأخذ والمطالبة بالمزيد والتي يتّكل عليها الثنائي الشّيعي عند تشكيل الحكومات، والتي لا تزال حاضرةً ولم تتغيّر بفعل المتغيّرات الكثيرة التي حصلت سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا في لبنان، هو أسلوب قديم جديد يستند إليه لتطويع أي خصْم للحصول على المكاسب ضاربًا عرْض الحائط مصلحة لبنان واللبنانيّين.
فبعد انتزاع حقيبة المال، بدأ الثّنائي الشّيعي التفاوض على تسميةِ حصّته من الوزراء الشّيعة، وكان من المقرّر أن يسمّيَ رئيس الجمهورية جوزاف عون بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام الاسم الشّيعي الخامس خلال الاجتماع الثّلاثي في بعبدا، لكن بعد ترقُّبٍ دام ساعة ونصف الساعة واستدعاء الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكّية انتهى الاجتماع من دون تصاعد دخان تشكيل الحكومة الأبيض وخرج رئيس مجلس النواب نبيه بري من الباب الخلفي للقصر وغادر الرئيس سلام متجهّمًا من دون الإدلاء بأي تصريح.
مصادر مقربة من بعبدا ومطَّلعة على تشكيل الحكومة كشفت لموقع “هنا لبنان” أنَّ الرّئيس نبيه بري رفض خلال اللقاء الثلاثي الاسم الذي اقترحه الرئيسان عون وسلام وهو “لميا مبيّض” لتكون خامسة الوزراء الشيعة في الحكومة المنتظرة، واقترح اسم القاضي عبد الرّضا ناصر الذي لم يكن محلّ رضى الرئيس سلام، فخرج عندها الرّئيس بري قائلًا: “شكّلوا حكومة المبيّض”.
وأكدت المصادر أنّ الحكومةَ كانت جاهزةً مع استبعاد وجود التيّار الوطني الحرّ والمردة فيها وكذلك عدم تسمية سلام لوزيرٍ من عكّار، كما أنَّ دوائر القصر الجمهوري استدعت الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء محمود مكّية إيذانًا بالتحضير لإعلان مراسيم الحكومة، واصفةً ما حدثَ بأنّها لحظة حقيقيّة وخطرة جدًّا ومحوريةً في تاريخ لبنان، ويترتّب عليها تداعيات جمّة قد نذهب بعدها الى أزمة قد تجرّ البلد الى منعطفٍ آخر. وأشارت المصادر الى أنّ الثنائي الشيعي وعلى الرَّغم من مراعاة خاطره في العديد من الأمور لا يزال يضع نصب عينيْه حق الفيتو ويتمسَّك به بقوّة، متخوفةً من موقفِه داخل الحكومة في المرحلة المقبلة واستعماله هذا الفيتو ضدّ أيّ اقتراح أو مشروع، ولخبطة كل ما يتمّ التوافق عليه بين القوى الممثّلة في الحكومة كما أنّه يتحكَّم بالتوقيع الثّالث في وزارة الماليّة.
وسألت المصادر: إلى أين يريد الثنائي أخذ البلد بعد حرب الإسناد ونتائجِها؟ وهل يتحمّل عقوبات جديدة قد تفرضها الدول الغربيّة أو استمرار إسرائيل بعدمِ الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار؟ كاشفةً عن إمكانيّة مطالبة إسرائيل بمهلةٍ إضافيّة قبل انسحابِها من المناطق التي لا تزال تتواجد فيها في الجنوب.
وتعقيبًا على مسألة العقوبات، ذكر مسؤول في الإدارة الأميركية أنَّ المبعوثة الأميركية الجديدة “مورغان أورتاغوس” التي تزور لبنان ستتوجَّه برسالةٍ شديدةِ اللّهجة إلى المسؤولين اللبنانيّين، مفادُها بأنّ واشنطن لن تتهاوَنَ مع أيّ نفوذ غيْر مقيَّدٍ لحزب الله في الحكومة الجديدة، وبأنّها ستحذِّر من أنّ لبنان سيواجه عزلةً دوليّةً وانهيارًا اقتصاديًّا ما لم يُشكِّل حكومة ملتزمة بالإصلاحات ومكافحة الفساد، وتحدُّ من نفوذِ حزب الله. وشدَّدَ المسؤول الأميركي على أنَّ واشنطن لا تختار وزراء الحكومة بشكل فردي لكنّها تضمنُ عدم مشاركة حزب الله في الحكومة بعد هزيمتِه في الحرب، والحكومةُ الجديدة بحاجة الى مواكبةِ هذا الواقع المستجد.
من جهة أخرى، كشفت مصادر مقربة من عين التينة لموقع “هنا لبنان” أنّ الرئيس بري وخلال اللقاء طرح أسماء جديدة للوزير الشيعي الخامس لكن تمّ رفضها من قبل الرئيسيْن عون وسلام اللذين حاولا تمرير اسم لميا مبيض وكذلك إحراجه باستدعاء القاضي مكّية على الرَّغم من أنَّ العقدة السنّية لا تزال موجودة ولم يتمّ التفاهم حول أسماء الوزراء السّنة في الحكومة. إلّا أنّ المصادر أكدت على أنّ شدّ الحبال قد ينتهي وأنّ الأمور قد تذهب الى خواتيم إيجابيّة لكنها تحتاج الى بعض الوقت.
موضوع التمثيل السّني برز جليًّا في موقف تكتل الاعتدال الوطني الذي اعتبر أنّ لأعضاء التكتل الحقّ بإبداء آرائهم السياسية بكل حرية وديموقراطية وأي قرار يُتّخَذ يكون بالتّشاور والتشارك بين كافّة أعضائها وبالإجماع وهي وجدت كي تبقى، وأشار إلى أن “اجتماعًا موسّعًا سيعقد مطلع الأسبوع لمناقشة الأوضاع الرّاهنة على الساحة السياسيّة”.
في ظلّ الأجواء الضبابيّة، لا يزال رئيس الجمهورية يواصلُ مشاوراتِه لتجاوز عقدة الاسم الشيعي الخامس وآلية اختياره، فيما يؤكِّد الرئيس المكلّف على تمسكه بتشكيل الحكومة على الرَّغم من الصعوبات التي تعتريها والحسابات الضيّقة التي تحكمها.
ما حصل اليوم في بعبدا يذكِّر بتشكيل حكومة السّفير مصطفى أديب والتي واجهت عقباتٍ كثيرة شبيهة بالعقبات الحاليّة إذْ تمسّك الثنائي الشيعي بحقيبة الماليّة وبتسمية وزرائه، كما طالبت الكتل المسيحيّة بدورِها بتسمية وزرائِها، ففضّل أديب يومها الاعتذار بدل الدَّوران في حلقةٍ مفرغةٍ حيث لم يكن يمتلك فيها مفاتيح التشكيل، إلّا أنّ الرّئيس سلام، وبحسب ما نقل عنه زواره، فإنه يبدي إصراره على المضيّ في تأليف الحكومة وعدم نيّتِه الاعتذار بتاتًا.
ويبدو أن ما يجري في لبنان على صعيد تأليف الحكومة محكوم بضغوط خارجيّة من جهة، مع تأكيد مسؤولين قطريّين أنَّ رسالة قطر واضحة وهي اتفقت عليها مع المجتمع الدولي بأنّهم مستعدون لتقديم الدعم المالي والاستثمارات بمجرَّد تطبيق الإصلاحات من جهة ثانية، إضافة الى مصالح داخلية تحتاج بدورِها الى تفاهماتٍ تتعلق بالانتخابات البلدية والنيابية وبالتّعيينات الإداريّة للفئة الأولى والتي ستكون من أولويّات عمل الحكومة الجديدة وسترتسم معها حدود صلاحيّات الطوائف في كل موقع.