رعبٌ إسرائيلي يهدِّد مصر والأردن ويلفَح لبنان


خاص 13 شباط, 2025

في إسرائيل، يقول الجميع، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إنَّ أيًّا من رؤساء الولايات المتحدة لم يفعل لإسرائيل ما يفعله ترامب. لذلك، هناك إجماع إسرائيلي على ضرورة تنفيذ مشروع التهجير من غزّة خصوصًا إلى مصر، ومشروع التهجير من الضفّة الغربيّة خصوصًا إلى الأردن، بعد الاعتراف رسميًّا بضمّها. فيما على لبنان أن ينجز خطوات عاجلة عدّة للسيطرة على المعابر البريّة من عكار إلى مزارع شبعا ومواجهة التوطين المفروض للفلسطينيّين المُقيمين في لبنان، كليًّا أو جزئيًّا.

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

مَن يستخفّ اليوم بتهديدات نتنياهو وترامب لمصر والأردن، أو يتجاهلها، يقع في المطبّ الذي أوصل “حماس” و”حزب الله”، ومعهما غزّة وجنوب لبنان، إلى المصير المعروف. ففي تشرين الأول 2023، أي عند تنفيذ عملية “طوفان الاقصى” واندلاع “حرب المساندة”، أطلق العديد من الباحثين وذوي الرّؤية والفهم العميق لأطماع إسرائيل تحذيرات من مغبّة الانزلاق إلى الحرب من دون دراسة نتائجها بدقّة، لأن ذلك سيقود إلى كارثة. وعلى مدى أكثر من عام، بقيَت الرّدود على هذه الأصوات الواعية تحت خط الغوغائية والمزايدات. وفعلاً، انتهت الحرب بهزيمة قاسية لأصحاب خيار الحرب الذين بات أقصى طموحهم أن تعود غزّة والجنوب إلى ما كانا عليه. ولكن، فات الأوان.

بالعودة إلى التهديدات التي تستهدف مصر والأردن حاليًّا، ثمّة إشارات مثيرة جدًّا للقلق. ومنها مثلًا أن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإسرائيلية تتداول حاليًّا أفلامًا يمكن تصنيفها ضمن فئة “الخيال العلمي”. وفي أحد هذه الأفلام، يتم افتعال فيضان هائل يُغرق مِصر بمياه نهر النيل، بعد قصف سدّ أسوان بقنابل ضخمة خارقة للتحصينات. وهذه الكارثة توقع دمارًا لا يمكن تخيّله وتتسبّب بسقوط مئات الآلاف، بل الملايين من الضحايا. ويتم الترويج أنّ هذا الفيلم هو أحد “مزحات” الذّكاء الاصطناعي. لكن هذه المزحة الإجراميّة يجب أخذها على محمل الجد.

عندما قيل لدونالد ترامب، قبل فترة: لكن السيسي وعبد الله الثاني يرفضان مشروعكم للتهجير من غزّة، استطرد واثقاً: “سيوافقان”. ثم وجّه إليهما دعوة إلى البيت الأبيض لإقناعهما، تحت طائلة المعاقبة. والجزء الواضح من العقاب هو قطع المساعدات، لكن الأجزاء الخفيّة لا يعرفها إلّا الرجلان، وهي أخطر بالتأكيد. ولذلك، سارع عبد الله الثاني إلى تلبية الدعوة مُبديًا مرونة غير مسبوقة، على الرَّغم من الأسى الذي ظهر على ملامحِه خلال وجوده في البيت الأبيض. وأما السيسي فأرجأ زيارته ليتاح له التعاطي مع الطرح الأميركي بأقلّ ما يمكن من أضرار.

في إسرائيل، يقول الجميع، من أقصى التطرف في اليمين إلى الأكثر اعتدالًا في اليسار، إنَّ أيًّا من رؤساء الولايات المتحدة لم يفعل لإسرائيل ما يفعله ترامب. فهو يحقق لها حلمًا تاريخيًّا يشبه وعد بلفور. وهذه الفرصة المحدّدة زمنيًّا بـ4 سنوات لا يجوز إهدارها، أيًّا كان الثمن. لذلك، هناك إجماع إسرائيلي على ضرورة تنفيذ مشروع التهجير من غزّة خصوصًا إلى مصر، ومشروع التهجير من الضفة الغربيّة خصوصًا إلى الأردن، بعد الاعتراف رسميًّا بضمها. وعلى الأرجح، سيتاح أيضًا تدفّق النازحين الفلسطينيين إلى دول عربية أخرى كسوريا والعراق ودول الخليج العربي، قدر المستطاع وضمن برنامج سيتم إعداده. ويمكن توزيع أعداد محدودة من ذوي الكفايات العلمية والخبرات المهنية العالية على دول غربية.

هذا المشروع يستحقّ من حكومة نتنياهو أن تستأنف الحرب على غزّة، ولو غامرت بمصير الرهائن لدى “حماس”. وثمّة من يعتقد أن هدف الحرب، إذا استؤنفت، سيكون الضغط عسكريًّا على خط رفح والحدود، لفتح ثغرة هناك، ودفع السكّان إلى الهرب من الجحيم نحو مصر. وفي الفترة الأخيرة، أرسل المصريون تعزيزات من جيشهم إلى المنطقة، هي الأولى من نوعها منذ حرب 1973، لمنع هذه المؤامرة. ويبدو المصريّون مستعدين للتصدّي، لكن ذلك قد يشعل الحرب مع إسرائيل. ولأنّ واشنطن تدعمها، فإنّهم يخشون أن يتعرّضوا لخناق وأزمة اقتصادية مقصودة، لا يقوون على الخروج منها لسنوات عديدة. ولذلك، هم يفضّلون التعاطي مع الموجة الأميركية – الإسرائيلية العارمة بمقدار من اللّيونة. وعلى الأرجح، سترفع القيادة المصرية سقف المفاوضة للحصول على ثمن عادل مقابل موافقتها على “الترانسفير”، ما دام إجباريًّا ولا يمكن تعطيله. ووِفق ما يتردد، سيسعى ترامب إلى تمويل المشروع بدعم خليجي. وهو في إشاراته الأخيرة إلى إمكان توطين الغزّيين في المساحات الشاسعة للسعودية، واضح أنه أراد رفع سقف التّفاوض مع المملكة لا أكثر، لكي يحصل منها على التمويل لا على التوطين. فالمال هو العصب الأساسي للمشروع. وترامب، كرجل أعمال برتبة رئيس، بارع جدًّا في رسم الخطط الكفيلة بالحصول على المال.

في هذه المعمعة، يجدر التذكير مجدّدًا بأن لبنان سيخوض مواجهتين، مباشرة ولاحقة. ففي المباشر، سيكون الأمر الأكثر سوءًا هو فشل الدولة في السيطرة على المعابر البريّة من عكار إلى مزارع شبعا، ما قد يؤدي إلى وصول موجات جديدة من المهجرين الفلسطينيين. وأمّا المواجهة اللاحقة فستكون التوطين المفروض للفلسطينيّين المُقيمين في لبنان، كليًّا أو جزئيًّا.

ولكي يكون لبنان مؤهَّلًا لخوض هاتين المواجهتين، عليه أن ينجز خطوات عاجلة عدّة، من إنهاء الحرب في الجنوب وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل، إلى إمساك الجيش وحده بزمام الأمور في الداخل، وسيطرته الكاملة على مفاصل حدوده الشرقية والشمالية، والأفضل أن يتمّ ذلك بدعم مباشر وقوي من “اليونيفيل”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us