في الذكرى 20 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري… الأسد يسقط وسعد الحريري يعود!


خاص 13 شباط, 2025

في ظلّ التغيّرات الجمّة التي يشهدها لبنان والمنطقة، عودة الرئيس سعد الحريري هذه المرة مختلفة وفيها الكثير من التحدّيات بعد انكفائه عن الحياة السياسية، وفيما آثر عدم الكلام من أي صرح زاره وقوله فقط “اشتقت لكم وناطركم الجمعة بالساحة”، فمن المؤكد أن كلمته لن تخلوَ من الحديث عن سقوط نظام الأسد، وتموضعه في المرحلة المقبلة بانتظار انتخابات العام 2026.

كتبت شهير إدريس لـ”هنا لبنان”:

تختلف الذّكرى العشرون لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري هذه السنة عن سابقاتِها في ظلّ التغيّرات الجمّة التي يشهدها لبنان والمنطقة، وسط سقوطٍ مدوٍّ لنظام بشار الأسد، وحربٍ إسرائيلية مع لبنان غيّرت الكثير بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وقياداته، وتدمير الضاحية والجنوب وجزء من البقاع وعملية “البيجر” واتفاق وقف إطلاق النار الذي لم تُنفَّذ مندرجاته بعد مع استمرار الضغط الإسرائيلي للبقاء في لبنان.

ومع عودة الرّئيس سعد الحريري لإحياء الذّكرى ودعوته الى ملاقاته الجمعة في ساحة الشهداء حيث دُفِن الحريري الأب ورفاقه وحيث انطلقت الثورة على النظام السوري الذي خرج بفعلها عام 2005 وعلى الفساد والدويلة عام 2019، تعود بنا الذاكرة الى العام 2009 والزيارة المفاجِئة لسعد الحريري الى سوريا لمدة 24 ساعة والتي جاءت نتيجة ضغوطٍ دولية وعربية لفتح صفحة جديدة مع الحكومة السورية من أجل حصول التسوية بين السعودية وسوريا والتي عُرفت يومها باسم “سين – سين” لصياغة العلاقة مع سوريا علّها تنجح في الانفتاح على بشار الأسد وسحبه من الحضن الإيراني والذي لم يحصل إلّا في العام 2024.

كنت في عِداد الوفد الإعلامي الذي زار سوريا آنذاك مع الحريري بشكل مفاجئ بعد أن كنّا نعود الى لبنان من زيارة خارجية. حطّت الطائرة في مطار دمشق بعد 5 سنوات من الجفاء وسط تكتّم شديد، فاكفهرّت الوجوه وأصيبت القلوب بالخوف من النتائج.

الى عرين الأسد دخل رئيس الحكومة سعد الحريري وحيدًا، كانت الساعة تشير الى الرابعة بعد الظهر وهناك في باحة قصر تشرين التقى الرجلان وجهًا لوجه لأول مرّة وبدا المشهد على الرَّغم من حفاوة ساكن القصر بشار الأسد ومصافحته وعناقه المقصود، بدا المشهد وكأنه ساحة للعبة “الروليت” الروسية وكلّ من بطليْها ينظر الى الآخر وينتظر من سيطلق الرصاصة الأولى والتي كان من متوقعًا لها أن تكون فارغة وأن لا تصيب مقتلًا بل تجرح في العمق، ليصفه الحريري بعد سنوات بالقول: “إن أصعب لحظات حياتي تزامنت مع مصافحتي رئيس النظام السوري بشار الأسد عام 2009، لأنّ تلك المصافحة ذبحتني بشكل شخصي لأنه من الصّعب أن يسلِّم الشخص على قاتل أبيه بيدِه ومن المستحيل تكرارها لكن كل ما فعلته كان من أجل مصلحة لبنان”.

أربع ساعات من الفضفضة عن المكنونات وغسل للقلوب ليخرج بعدها بطلا المسرحية السياسيّة من اللقاء بعد أن استودعا بعضِهما، ولتنبري بعد ذلك مستشارة الأسد بثينة شعبان ببيانٍ منمّق لم يعكس حقيقة ما جرى بين الرجلين وكأنَّ شيئًا لم يحصل بينهما على مدى سنوات خمس وبكبسة زر انتهى كل ما حصل.

ولاكتمال القصّة الغريبة العجيبة كان لا بد من مشهد السيارة التي أقلت الأسد والحريري الى مطعم بيت الفن في دمشق وهي طريقة غير شائعة عند (سيدي الرئيس) وقد يكون قد فعلها مرّة واحدة من قبل مع إحدى الشخصيات المهمّة… العشاء جمع أركان الدولة السورية ومرافقي الحريري وأبرزهم نادر الحريري للتأكيد أيضًا على تكريس الخبز والملح، لكنّها كانت من ضمن متطلّبات مشاهد المسرحية ليس إلّا، وللتأكيد على حصول كيمياء بين الرجلين بعد القطيعة وكان لذلك دلالات ومعانٍ كثيرة لأنها ضرورة وطنية بحسب أحد المقربين.

في المقلب الآخر، استقبال للوفد الإعلامي في فندق الشيراتون دمشق للمبيت يومين على حساب رئاسة الجمهورية وهو ما فاجأ الصحافيين وعشاء في قصر النبلاء جمع عددًا من الإعلاميّين اللبنانيّين والسوريّين وهو يحصل للمرة الأولى أيضًا، وقد وُصف بأنّه كسر للجليد بحضور وزير الإعلام السوري. حفاوة قلّ نظيرها وترحيب لافت على كافّة المستويات وتشريع أبواب لوسائل الإعلام لم يخلُ من بعض الممنوعات وأهمّها منع البثّ المباشر إلّا لمحطّة “المنار” في ظلّ رصدٍ لمحطة “المستقبل” وعتب وانتقاد بسبب عدم تعاملها مع الزيارة بنفس الحفاوة السورية.

جولة ليليّة ثانية من المحادثات بين الأسد والحريري خيّمت عليها العتمة وسادها الهدوء الذي يسبق العاصفة وتساؤلات حول ما سيحلّ بالشيخ سعد بعد أن تقرَّر مبيته في القصر، وكيف سيقضي ليلته تحت جنْح الظلام وفي حضرة خصْمه اللدود الذي قال لوالده “سأدمّر لبنان فوق رأسك واضعًا المسدس نصب عينيه”.

كانت اللّيلة قاسية على جميع أعضاء الوفد المرافق في الفندق حيث لم تغمض لنا عيْن حتى الصباح من شدة الانتظار والخوف مع تساؤلات مفادها هل نام الأسد على حرير أم أن الحريري لم تغمض له عيْن مثلنا؟

مع صياح الديك، وصل الأسد الى بيت الضيافة في قصر الشعب وقد ظهر ذلك جليًّا من عينَيْ الحريري الذي استقبل الأسد عند بوابة القصر بأنه لم يغرق في النوم، بل عاش ليلة صعبة جَوْجَلَ فيها كلّ الأفكار ليعرضها على مضيفه وقاتل أبيه خلال ارتشاف قهوة الصباح بعد أن قام الأسد وعن قصد بتقبيل الحريري أمام عدسات الكاميرا. اجتمع الرجلان ثانية على مأدبة الفطور حيث قيل الكلام الذي لم يُقَلْ ليلًا وجرى الاتفاق على استكماله في مرحلة لاحقة.

بعدها زار الحريري السفارة اللبنانية في دمشق برفقة وزير شؤون الرّئاسة السورية والمراسم بكسرٍ جديد للبروتوكول السوري. وهنا اطمأنّ الصحافيّون الى أن الأمور سارت على خير ما يرام، إذْ أكَّد الحريري في مؤتمره الصحافي أن العلاقات بين البلدين ندّية ويجب أن تكون مميزة ومبنية على الصراحة والشفافية مع التشديد على حرص الأسد على ذلك. وبعد سنوات وخلال مقابلة صحافية شدّد الحريري على عدم شعوره بالنَّدم بسبب الزيارة، لكونها شهدت الاتفاق على فتح السفارات بين البلدين، والاعتراف الديبلوماسي المتبادل لأول مرة بين الجانبين بعد سنوات.

لم ينس سعد الحريري ما حصلَ معه يومها وفي أول تعليق له على سقوط نظام الأسد عبر تدوينة على منصة “إكس” قال: “هذا هو اليوم الذي انتظرته منذ تلك الساعة السوداء. اليوم يكرّس الشعب السوري عرس سوريا بسقوط ديكتاتورها الذي روّع السوريين واللبنانيين وابتزّ العرب والعالم”.

عودته هذه المرة مختلفة وفيها الكثير من التحدّيات بعد انكفائه عن الحياة السياسية، وفيما آثر عدم الكلام من أي صرح زاره وقوله فقط “اشتقت لكم وناطركم الجمعة بالساحة”، فمن المؤكد أن كلمته لن تخلوَ من الحديث عن سقوط نظام الأسد، وتموضعه في المرحلة المقبلة بانتظار انتخابات العام 2026.

وفي معلومات خاصة لموقع “هنا لبنان”، فإن أبرز المواقف التي سيطلقها الحريري هي تسليم زمام الشؤون السياسية الى السيدة بهية الحريري والأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري بانتظار التّطورات في لبنان والمنطقة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us