هل يتحوّل “الحزب” الى NGO؟!

تكمُن أهمية أن ُيخْضِعَ “حزب الله” نفسَه لنقدٍ ذاتي غير ما يتفوّه به حاليًّا امينه العام الحالي، كي يقول للبنانيّين ماذا فعل كي يوفِّر حرّية التعبير ويصونها عندما امتلك قوةً لا مثيل لها في الزّمن السّوري ثم في الزمن الإيراني منذ ثمانينيّات القرن الماضي؟ ستطول اللائحة التي تتضمّن الجرائم التي ارتكبها “حزب الله” او تواطَأ في ارتكابها على مدى أكثر من أربعة عقود ما أخمد أنفاس الكثيرين الذين ما كانوا يمتلكون سوى سلاح الكلمة. ويتطلّع اللبنانيون بثقة الى أنّ ما ينتظرهم هو غدٌ مشرق، ويتَّسع هذا الغد لـ”حزب الله”.
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
أظهرت احتجاجات “حزب الله” في محيط مطار رفيق الحريري الدولي حجم المأزِق الذي يعانيه. وكان موضوع قرار إسرائيل تأخير انسحابها الكامل من الجنوب ما يستحق اعمال الشّغب ولو انها غير مطلوبة أصْلا. أمّا أن يتحرّك “الحزب” ليصب جامّ غضبِه على موكب “اليونيفيل” ويعتدي على موظفٍ كبيرٍ فيها ويضرمُ النّار في أحد سيارات الموكب، فأمر مثير للاستغراب. وبدا سلوك “الحزْب” وكأنّه يناصِب العداء لمن يقع على عاتقِه إعادة السيادة اللبنانية الى ما تبقى من الجنوب.
إلى أين يسير “حزب الله” بعد تحرّكات المطار؟ أتت إطلالة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم تحت عنوان ذكرى “القادة الشهداء” غيْر كافيةٍ ليجيب على هذا السؤال. كما أتت المواقف التي أدلى بها عدد من قادة “الحزب” من هذه التحرّكات لتقول ان هذا التنظيم ما زال خارج مرحلة النّقد الذّاتي الذي يمثل شرطًا ضروريًّا للدخول في واقع لبنان الجديد. ولم يعدْ ينفع، كما يفعل قاسم، إطلاق الشّعارات حول الكارثة التي حلّت بـ”الحزب” وكأنّها فرصة لاستمرار الأخير في المسار نفسه الذي نشأ عليه قبل عقود.
بدت الطائرة الإيرانية في نظر جمهور “الحزب” والتي لم تصل الى المطار، كأنّها سفينة نوح التي رست على اليابسة بعد الطوفان التوراتي. وكانت الطائرة ستأتي ليس فقط بنحو 300 راكب من طهران الى بيروت، بل كانت ستعيد الأمين العام السابق حسن نصر الله الى الحياة.
بعد أيام من الكرّ والفرّ، خرج “حزب الله” أمس ببيانٍ يُظْهِرُ أنّه قلب الأولويات رأسًا على عَقِب. فضمَّن الفقرة الأولى من البيان أنّ “الاعتصام الشعبي” الأخير “كان تحركًا سلميًّا وتعبيرًا حضاريًَا”. وخصَّص البيان الفقرة الأخيرة كي يقول: “دان الحزب الحادثة التي تعرّضت لها قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) في محيط مطار رفيق الحريري الدولي، ويؤكِّد رفضه القاطع لأي استهداف لها، وكذلك لأي مس بالممتلكات العامّة والخاصة”. فكيف يمكن التوفيق بين هاتيْن الفقرتيْن؟
قامت السلطات الأمنية وفي مقدمها الجيش بدورها الكامل منذ بدء التحركات حتّى تعليقها بكامل واجباتها. وأعطت إشارةً، وربّما للمرة الأولى منذ فترة طويلة، إلى أنّ زمنَ التّطاول على النّظام لن يمرَّ مرور الكرام بعد اليوم. واعتبر المراقبون ممارسات هذه السلطات الاختبار الأول الذي يبشِّرُ ببدء عودة مؤسَّسات الدولة الى العمل. ووصفها بعض هؤلاء بأنَّها معمودية النار التي لا بد منها في بداية عهد يتطلع اليه اللبنانيون وغير اللبنانيّين بثقة.
يستحق البيان الذي أصدره “حزب الله” أن يُطْلَقَ عليه صفة وثيقة، لاعتبارات عدة. وتتصدَّر هذه الاعتبارات، ما جاء فيه: “إنّ “حزب الله” من موقع الحرص يدعو قيادة الجيش إلى فتح تحقيق عاجل عن هذا الاعتداء المدان واتخاذ الإجراءات المناسبة حفاظًا على دور المؤسسة العسكرية في حماية الاستقرار والسلم الأهلي. كما يدعو الحكومة اللبنانية إلى تحمّل مسؤولياتها كاملةً في حماية المعتصمين السلميين وحقهم في التعبير عن مواقفهم ومطالبهم…”.
تحرَّكت المؤسسة العسكرية فعلًا لمواجهة “الاعتداء المُدان” الذي طاول “اليونيفيل” الذي أثار انتقادًا واسعًا في لبنان والعالم، وأوقفت 25 شخصًا على ذمَّة التحقيق. وقامت المؤسسة بما لزم من أجل فتْحِ الطّرق المؤدّية إلى المطار الذي يمثّل النافذة الجوية الكبرى للبنان على العالم.
وتحرّكت الحكومة أيضًا “فتحمّلت مسؤولياتها كاملة في حماية المعتصمين السِّلميين وحقهم في التعبير عن مواقفهم ومطالبهم”. لكنّها تحرّكت في الوقت عينه وأصدرت الأوامر عندما خرج الاعتصام عن سلميَّته وحاول بعض من شارك فيه التوجه الى المطار وقطع الطريق المؤدّية اليه فكانت القنابل المُسيلة للدموع بالمرصاد.
أتى الوقت وللمرة الأولى منذ أمدٍ طويل كي يطالب “حزب الله” بصوْن حق التعبير. وسبقه الى ذلك منذ عقود المجتمع المدني الذي ناضل ولا يزال من أجل إرساء ممارسات السّلوك السياسي الذي تعني أن لبنان يجب ان يحظى بفرصة العودة إلى رحاب الحضارة بعد عقودٍ ظلامية كانت الكلمة الحرّة خلالها تلقى الرصاص، كما تصرفت عهود الوصاية منذ نهاية الحرب عام 1989.
تكمُن أهمية أن ُيخْضِعَ “حزب الله” نفسَه لنقدٍ ذاتي غير ما يتفوّه به حاليًّا امينه العام الحالي، كي يقول للبنانيّين ماذا فعل كي يوفِّر حرّية التعبير ويصونها عندما امتلك قوة لا مثيل لها في الزمن السوري ثم في الزمن الإيراني منذ ثمانينيّات القرن الماضي؟
ستطول اللائحة التي تتضمّن الجرائم التي ارتكبها “حزب الله” او تواطَأ في ارتكابها على مدى أكثر من أربعة عقود ما أخمد أنفاس الكثيرين الذين ما كانوا يمتلكون سوى سلاح الكلمة.
يتطلّع اللبنانيون بثقة الى أنّ ما ينتظرهم هو غدٌ مشرق. ويتَّسع هذا الغد لـ”حزب الله” كي يعود الى مربّع الوطن ويغادر مربّع إيران التي كانت ولا تزال تعتبره ذراعًا أمنيًّا خارجيًّا لها.
أهلًا وسهلًا بعودة “حزب الله” إذا ما أراد الصّعود على متن طائرة المجتمع المدني الّتي تهبط باستمرار في مطار الوطن وفي أصعب الظروف. فهل أصبح “حزب الله” جاهزًا للصعود اليها؟.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() شيعة لبنان وعلويو سوريا | ![]() جوزاف عون اليوم في الرياض: أهلًا بالسعودية وداعًا إيران | ![]() الدولة فازت في مباراة تشييع نصر الله |