لبنان بيْن التغيير الخارجي والإدمان الداخلي


خاص 20 شباط, 2025

 

على الرَّغم من إيجابيات تبدو ظاهرةً فإنّ البيان الوزاري يثير تساؤلات حول عدّة أمور، ليس أقلّها كيف ستضمن الدولة حقَّها في “احتكار حمْل السلاح” إنْ لم يكن هذه الحق مستنِدًا أساسًا إلى حلٍّ للميليشيات وتسليم سلاحها للدولة، وليس استيداع سلاح الميليشيات لدى الدولة ما يمكن أن يؤدّي إلى المطالبة باستعادته. وصحيح أنَّ البيان أسقط المفردة المسمّاة “مقاومة” التي اعتمدها حزب إيران المسلّح للتحكّم بقرار الحرب والسلم، لكنّ الدولة اللبنانية هي التي تحمّلت مسؤولية نتائج هذه الحرب من قتل وتدمير لأنّها وقّعت على قرار وقف إطلاق النّار الذي لم يُعْلَنْ مضمونه للرأي العام اللبناني.

كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

يمرّ الشرق الأوسط بحركة تغيير جذرية تسعى لنقل خَمْسٍ من دوله المبتلاة بهزائم وانقلابات ودسائس إلى مستقبل يؤمّن لشعوبها عيشًا آمنًا – مزدهرًا. فهل تتحقّق الوعود لشعوب العراق، سوريا، لبنان، فلسطين واليمن؟
الدينامية التغييريّة حرّكها وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقوله ضمن خطاب النصر “لن أبدأ الحروب، سأوقف الحروب”.
الوعد الترامبي معطوفًا على اقتراحه تهجير سكان غزّة بهدف إعادة إعمارها، أفرز حتّى الآن، الدعوة إلى مؤتمر قمّة في القاهرة في الرابع من آذار المقبل للاتفاق على “خريطة عربية لمناطق آمنة في القطاع أثناء إعادة إعماره”، بدلًا من تهجير السكان.
البيان الختامي للمؤتمر سيركِّز على مستقبل غزة وسكانها “وإذا أتى على ذكْر لبنان فسيكون من باب رفع العتب كما تُذْكَرُ الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلّها إيران ضمن أي بيان صادر عن أي قمّة عربية من دون ربطه بأي إجراء”، وِفق رأي مرجع عربي مطلع.
ورجّح المصدر العربي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن تتوسّط المملكة العربية السعودية مع ترامب لإقرار خطة تسوية لوضع سكان غزّة أثناء إعادة إعمار القطاع وِفق معادلة “استثمار دول الخليج في إعادة إعمار القطاع مقابل تأمين عمل ومراكز سكن لمواطني القطاع أثناء إعادة الإعمار… وفي المنتجع السياحي الموعود إعماره”.
ويُتوقع أن تُستكمل الوساطة السعودية على هامش القمة التي ستُعقد في الرياض بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين برعاية ولي العهد – رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان.
أمّا الوضع اليمني فستتولّى السعودية وأميركا تسويته لإعادة حرّية الملاحة إلى الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر بعد تدجين الحوثيّين المؤيدين لإيران، وِفق ما ذكره المصدر المطّلع.
وفي مؤتمرٍ إقليمي آخر، لم يرِد ذكْر لبنان ضمن عضويته أو أهدافه اتفقت تركيا والعراق وسوريا والأردن على عقد اجتماع هذا الشهر في العاصمة الأردنية عمّان لوزراء خارجية ومدراء مخابرات الدول الأربع للتعاون المشترك ضدّ تنظيم “داعش” وحزب العمال الكردستاني في تركيا وسوريا والعراق وضدّ توطين مهجرين فلسطينيين في الأردن، من دون ذكر لبنان الذي هو أيضًا إحدى دول الطوق العربية المحيطة بإسرائيل.
ومن ضمن التغيير الجذري بفعلٍ خارجي في الشّرق الأوسط، انتقل لبنان بيْن ليلة وضحاها من أسْر معتقل الماضي البائد إلى “برْعم” مستقبل جديد واعد فتمّ انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية منهيًا شغور قمّة هرم الدولة اللبنانية الذي استمرّ لأكثر من سنتين.
وأجرى الرئيس عون استشاراته النيابية المُلزِمَة التي أسفرت عن تكليف القاضي الدولي نوّاف سلام لرئاسة الحكومة.
لكنّ البيان الوزاري الذي يتضمّن عناوينَ خطّة عمل الحكومة فاجأ اللبنانيين ببعض ما ورد فيه، كما ببعض ما لم يرِد فيه من عناوين احتياجات المرحلة التي تمرّ بها المنطقة، ويبدو أن لبنان “الرّسمي” يستثني نفسه منها.
وكان وزير الإعلام بول مرقص قد مهّد لهذا الاستثناء في إيجاز للصحافيين بعد جلسة الحكومة ذكر خلاله أنّ البيان الوزاري الذي أُقِرّ “… يتضمّن نحو 80 بالمئة من اتفاق الطائف و20 بالمئة من خطاب القسَم”، ما يطرح السؤال:
لماذا يتمسّك لبنان بصيغ حلول غير مكتملة فيما تتبنّى المنطقة خيارات جذرية للانتقال إلى مستقبل جديد؟
صيغة بعض فقرات البيان الوزاري التي اعتُمدت، أكّدت على “… حقّ الدولة في احتكار حمل السلاح… سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية أمن وطنية على المستويات الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية”.
على الرّغم من إيجابيات تبدو ظاهرة فإنّ البيان الوزاري يثير تساؤلات حول عدّة أمور، ليس أقلّها كيف ستضمن الدولة حقَّها في “احتكار حمْل السلاح” إنْ لم يكن هذه الحق مستنِدًا أساسًا إلى حلٍّ للميليشيات وتسليم سلاحها للدولة، وليس استيداع سلاح الميليشيات لدى الدولة ما يمكن أن يؤدّي إلى المطالبة باستعادته عندما تطلبه الميليشيات التي بقيت موجودة مع أنَّ اتفاق الطائف والقراريْن الأمميَيْن 1701 و1559 أقرّت حلها؟!
ومن يضمن أنّ “مناقشة سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية أمن… إلخ…”، لن تُسفر، في ظلّ غياب الحل الإلزامي والمسبق للميليشيات، عن تكوينِ حشدٍ شعبي إيراني الولاء كشقيقه العراقي سيّء الصيت، ويضرب التوازنَ الطائفي الدقيق الذي يتكوّن على أساسه الجيش اللبناني”؟!
صحيح أنَّ البيان الوزاري أسقط المفردة المسمّاة “مقاومة” التي اعتمدها حزب إيران المسلّح للتحكّم بقرار الحرب والسلم الذي جرّ على لبنان الويلات عبر شنّ حرب مساندة “حماس” من جنوب لبنان لأكثر من 25 سنة، لكنّ الدولة اللبنانية هي التي تحمّلت مسؤولية نتائج هذه الحرب من قتل وتدمير لأنّها وقّعت على قرار وقف إطلاق النّار الذي لم يُعْلَنْ مضمونه للرأي العام اللبناني.
وكيف يفسّر البيان الوزاري رفضه “توطين اللاجئين الفلسطينيين” وتجريد مخيماتهم وفصائلهم من سلاحها؟ فيما تستمر قوات حركة “حماس” ومن يؤيدها من الجماعات الإسلامية باتخاذ المخيّمات قاعدةً، ما يعرّضها لغاراتٍ إسرائيلية ليس آخرها اغتيال المسؤول العسكري لحماس محمد شاهين في صيدا بعد مغادرته مخيم عين الحلوة قبل ثلاثة أيام.
هل يمكن تخيّل عدد القتلى وحجم الدمار لو اغتالت إسرائيل شاهين، أو غيره من قياديي الجماعات المسلحة، في مخيم عين الحلوة؟!
وتجاهَل البيان الوزاري حقيقة عدم توصّل السلطة اللبنانية إلى حلٍّ لتعطيل إمكانية الاستخدام المستقبلي من قبل أي ميليشيات معادية للمعسكرات “الكَهْفِيَّة” التي استعادها الجيش اللبناني بعدما هجرها مقاتلوها من الجبهة الشعبية – القيادة العامّة التابعة لنظام الأسد في البقاع ومنطقة الناعمة جنوبي بيروت، علمًا أنّه لا يمكن تفجيرها لأنه يدمِّر كل ما هو فوقها من قرى وبلدات وطرقات.
والسّؤال الذي يبقى من دون جواب هو: هل ستتمكّن الحكومة من تنفيذ أيّ من الوعود التي وردت في بيانها الوزاري قبل تنظيف القطاع العام من “بارونات” الفساد الذين بنوا لهم ولأتباعِهم عروشًا نخرت جسد الدولة وصولًا إلى نخاع عظم هيكلها؟.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us