لبنان وسوريا في مواجهة الطريق الهندي: تنافس اقتصادي على موانئ المنطقة

على لبنان التحرّك بسرعة لمواكبة المتغيّرات الاقتصادية في المنطقة، ليحجز لنفسه دورًا مهمًا في الخط التجاري “الطريق الهندي”، فلبنان ليس بحاجة إلى إتمام السلام مع إسرائيل لدخول هذا الخط، حيث يمكن أن تصل البضائع من الإمارات إلى لبنان من دون المرور عبر الأراضي أو الموانئ الإسرائيلية. ويمكن للبنان أن يكون جزءًا من هذا الخط التجاري، فضلًا عن كونه جزءًا من “طريق الحرير” الصيني، ليحظى بفوائد من الجانبين، كما تستفيد الدول الخليجية اليوم من كونها ممرًّا لطريق الحرير الصيني وفي الوقت نفسه جزءًا من هذا الطريق الهندي المنافس.
كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:
في ظلّ التحولات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها المنطقة، تتزايد أهمية المسارات التجارية الجديدة التي قد تعيد تشكيل الوضع الاقتصادي في دول مثل لبنان وسوريا. من بين أبرز هذه التحوّلات، يبرز “الطريق الهندي”، الذي تمّ تفعيله بعد توقيع الاتفاقات الإبراهيميّة، ليصبح منافسًا رئيسيًا لـ”طريق الحرير” الصيني. هذا الطريق، الذي يربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا عبر شبكة من النقل البري والبحري، يثير تساؤلات حول مستقبل دور لبنان كمركز تجاري رئيسي في المنطقة. ففي ظلّ هذه المتغيّرات، تواجه لبنان منافسة متزايدة من جيرانه، خصوصًا سوريا التي تسعى لتبنّي نظام السوق الحرة، مما يجعلها منافسًا اقتصاديًا حقيقيًا. وفي هذا السّياق، يبرز مرفأ بيروت الذي كان دومًا نقطة حيوية في حركة التجارة الإقليمية، ولكن بعد الانفجار المدمر الذي شهده عام 2020، بات من الضروري تكثيف الجهود لإعادة تأهيله وتقويته ليواكب هذه التحوّلات الاقتصادية ويستعيد مكانته كمركز تجاري منافس في المنطقة.
الخط الهندي هو شبكة من الطرق التجارية التي تربط الهند بأسواق أخرى في آسيا، أفريقيا، وأوروبا. يتميّز هذا الخط بكونه مزيجًا من النقل البري والبحري، حيث يبدأ من الموانئ الهندية في المحيط الهندي ويتفرّع إلى عدة اتجاهات نحو الشرق الأوسط، أوروبا، وأفريقيا. يُعتبر هذا الخط أحد المسارات الاستراتيجية المهمة في التجارة العالمية، خصوصًا بعد إحياء الاتفاقات الإبراهيمية التي تسهِّل التنقل التجاري بين الدول المعنية.
يشمل الخط الهندي أيضًا الربط مع موانئ مثل دبي وأبو ظبي، حيث تُجمّع البضائع في المنشآت الإماراتية وتُعاد تصديرها أو تُنقل إلى سفن أخرى، ومن ثم تتوزع إلى موانئ مختلفة في إسرائيل أو عبر شاحنات باتجاه ميناء حيفا. هذا المسار يسهم في تعزيز التجارة بين قارّات العالم ويُعدّ منافسًا للطريق الذي أطلقته الصين “طريق الحرير” نظرًا لأهميته الاقتصادية المتزايدة في المنطقة.
إحياء هذا الخط يفتح أمام دول المنطقة فرصًا كبيرة لتحقيق طفرة اقتصادية وتحفيز الاستثمار في القطاعات التجارية والنقل، ويُثير تساؤلات حول تأثيراته المحتملة في موانئ دول مثل لبنان وسوريا التي قد تشارك أيضًا في هذا الخط الاقتصادي.
رأى رياض قهوجي، الباحث في الشؤون الاستراتيجية، في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّ حجم التجارة لا يكفي موانئ إسرائيل، مما يفرض الحاجة إلى موانئ إضافية. وهنا يبرز دور موانئ البحر الأبيض المتوسط، وخصوصًا مرفأ بيروت والموانئ السورية. وبالتالي، تتصاعد المنافسة في هذا المجال، خصوصًا مع تطبيق النظام الجديد في سوريا نظام السوق الحرة، وهو ما لم يكن ممكنًا في ظلّ نظام الأسد، حيث كانت الدولة تحتكر الاقتصاد وتفرض قيودًا صارمة على القطاع الخاص. وأوضح قهوجي أن هذه القيود ستُزال قريبًا، مما سيمكِّن سوريا من التمتع بميزة مشابهة لتلك التي تتمتع بها السوق اللبنانية، حيث يتيح الاقتصاد الحر. وبذلك، تصبح سوريا منافسًا اقتصاديًا حقيقيًا للبنان.
وأكد قهوجي أنّ على لبنان التحرّك بسرعة لمواكبة هذه المتغيّرات الاقتصادية في المنطقة، ليحجز لنفسه دورًا مهمًا في هذا الخط التجاري. وأضاف أن لبنان ليس بحاجة إلى إتمام السلام مع إسرائيل لدخول هذا الخط، حيث يمكن أن تصل البضائع من الإمارات إلى لبنان من دون المرور عبر الأراضي أو الموانئ الإسرائيلية. ومن ثم، يمكن للبنان أن يكون جزءًا من هذا الخط التجاري، فضلًا عن كونه جزءًا من “طريق الحرير” الصيني، ليحظى بفوائد من الجانبين، كما تستفيد الدول الخليجية اليوم من كونها ممرًّا لطريق الحرير الصيني وفي الوقت نفسه جزءًا من هذا الطريق الهندي المنافس. ويأمل قهوجي أن تأخذ الحكومة الجديدة هذه المتغيّرات بعين الاعتبار، وأن يسعى لبنان لدور مؤثر في المنظومة الاقتصادية الجديدة في المنطقة.
إذا تمكّن لبنان من الانضمام إلى هذا الخط التجاري الجديد، فإنّ ذلك يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير في إيرادات الدولة اللبنانية. أولًا، سيؤدي تعزيز حركة التجارة عبر موانئ لبنان إلى زيادة النشاط التجاري وتوسيع حجم الصادرات والواردات، مما يساهم في زيادة الإيرادات الجمركية التي تُعتبر مصدرًا رئيسيًّا للمالية العامة. كما أنّ تحسين قدرة مرفأ بيروت وتحديثه ليواكب هذا الخط التجاري سيجذب المزيد من الشركات والمستثمرين إلى المنطقة، وبالتالي زيادة العوائد الاقتصادية من الأنشطة اللوجستية والتخزين والتوزيع.
إضافة إلى ذلك، من خلال الربط المباشر مع الأسواق الدولية عبر هذا الخط، سيصبح لبنان مركزًا جذّابًا للتجارة بين الشرق والغرب، مما يعزز دوره كمحور استراتيجي في المنطقة. كما أنّ لبنان سيحظى بفرص أكبر للاستفادة من الاستثمارات الخارجية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، مثل الصناعة والخدمات اللوجستية والسياحة. هذا التفاعل التجاري المتزايد سيدعم نمو الاقتصاد اللبناني ويوفِّر فرص عمل جديدة، مما يساهم في تحسين الوضع المالي للدولة.
في الختام، تبرز التغيّرات الاقتصادية التي تشهدها المنطقة كفرصة حاسمة للبنان وسوريا للانخراط في مسارات تجارية جديدة قد تعيد تشكيل موازين القوى الاقتصادية في الشرق الأوسط. مع منافسة متزايدة من الموانئ السورية وسعي لبنان للحفاظ على دوره الحيوي في التجارة الإقليمية، يتطلّب الأمر اتخاذ خطوات سريعة واستراتيجية. إنّ تقوية مرفأ بيروت وإعادة تأهيله بعد كارثة 2020، بالإضافة إلى مواكبة التحوّلات في الأسواق الحرة، يمكن أن يعزز مكانة لبنان في هذه المنظومة الاقتصادية المتغيرة. ولا بدّ من أن تبذل الحكومة اللبنانية جهودًا كبيرة للتفاوض مع الأطراف المعنية، لتضمن للبنان دورًا محوريًّا في هذا السياق الجديد.