“حزب الله” يقارِب الدولة مرْغمًا


خاص 27 شباط, 2025

ها هو نعيم قاسم في خطاب التشييع يسلّم مسألة قرار الحرب والسِّلم للدولة، وإمكانية استرجاع ما تبقّى من أرض محتلّة أيضًا بالطرق الديبلوماسية. كما سلّم بأنّ جمهور الحزب هو جزء من لبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه وهم منهم. وأعلن بشكلٍ لافت أنّه مع بناء الدولة القوية والعادلة التي يعترف فيها للمرة الأولى، اذْ كان نصر الله يؤكّد دومًا “أنه عندما يكون هناك دولة…”، وهذا الالتزام هو تحت سقف “اتفاق الطائف” الذي كان “الحزب” يسلّم به على مضض.

كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:

الأحد الماضي، ودّع “حزب الله” ومناصروه أمينه العام السابق حسن نصر الله ومعه هاشم صفي الدين، الذي كان من المفترض أن يخلفه، في تشييعٍ حافل ضمّ مئات الآلاف، في حين خاطب الأمين العام الجديد نعيم قاسم الحشد من بعيد في كلمةٍ مسجلة، فيما تغيّب قياديون ونواب الحزب عن المأتم. وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تراقب التشييع من الجو، وقيل يومها إنّه كان بينها طائرات شاركت في اغتيال نصر الله. وبدا واضحًا أنّ هذا التعاطف يعود في جزءٍ كبير منه الى شعبيّة نصر الله في الساحة الشيعية بشكلٍ أساسي بعد اثنتين وثلاثين سنة قضاها على رأس الحزب والتي خصَّصها عمليًّا لتجذيره في الجنوب وفي أماكن تواجد الشيعة، ثم انخراط الحزب في العمل السياسي والنيابي منذ انتخابه أمينًا عامًّا عام 1992، فالمشاركة في العمل الحكومي غداة اغتيال رفيق الحريري عام 2005 لملء “الفراغ” بعد اضطرار الجيش السوري إلى الانسحاب من لبنان إثر انتفاضة 14 آذار.

كلّ هذه العوامل “الملائِمة” قد تغيّرت بطبيعة الحال بعد تطوّرات كبيرة وجذريّة حصلت بدءًا من اغتيال نصر الله نفسِه وعدد كبير من قياديّي الحزب، وبالأخصّ عشرات العسكريين والميدانيين منهم، إلى حرب غزّة التي قضت عمليًّا على قدرة “حماس” على الفعل والتأثير، ثم إلى سقوط النّظام الأسدي الذي شكّل الضربة القاصِمة لأنه كان السند الأساسي، سياسيًّا وأمنيًّا وعسكريًّا ولوجستيًّا، لـ”حزب الله”، كما أنه كان يشكّل لإيران، السيّد والرّاعي الأساسي للحزب، المعبر الرئيسي والشريان الحيوي لحركة الحزب داخليًا وإقليميًّا. ناهيك عن الدمار والخراب والمآسي التي خلّفتها “حرب الإسناد والتشغيل” في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية من بيروت.

لا شك أنّ قادة “حزب الله” يشعرون بالحصار الذي يلفّهم عمليًّا نتيجة هذه التطورات بدءًا بخسارة رئيس جمهورية داعم او صديق ورئيس حكومة كذلك، ومشاركة غير حربية في الحكومة، والنتيجة الموجعة أكثر هي خسارة الأكثرية النيابية. وهم بالتالي يعانون من عزلة سياسية داخلية وإقليمية يُفترض أنّها دفعتهم إلى التفكير في كيفية التعاطي مع المرحلة المستجدّة بعد انسداد شبه كامل لكلّ الطرق والمفاتيح والحنفيات.

وبغضّ النّظر عن ظروف اختيار نعيم قاسم، الذي يمارس القيادة من الخارج (من طهران؟)، فإنّه على ما يبدو اختار ان يُكْثِرَ من خطاباته لكي يدخل الحزب تدريجيًّا في عملية التسليم بمركزية الدولة التي مارس الحزب حتّى اليوم دويلة موازية لها من كلّ النواحي وفي كلّ الاتجاهات. وها هو في خطاب التشييع يسلّم مسألة قرار الحرب والسِّلم للدولة، وإمكانية استرجاع ما تبقّى من أرض محتلّة أيضًا بالطرق الديبلوماسية. كما سلّم بأنّ جمهور الحزب هو جزء من لبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه وهم منهم. وأعلن بشكلٍ لافت أنّه مع بناء الدولة القوية والعادلة التي يعترف فيها للمرة الأولى، اذْ كان نصر الله يؤكّد دومًا “أنه عندما يكون هناك دولة…”، وهذا الالتزام هو تحت سقف “اتفاق الطائف” الذي كان “حزب الله” يسلّم به على مضض.

ولو أنّ قاسم ادّعى أنّ إسرائيل طالبت بوقف إطلاق النار وهذا طبعًا غير صحيح، فإنّه أكّد موافقة الحزب على البحث في الاستراتيجية الدفاعية ودور سلاح الحزب فيها، علمًا أنّ الأساس اليوم هو تطبيق القرار 1701 وسحب سلاح الحزب من جنوب وشمال الليطاني وكلّ لبنان، الذي يحاول الحزب ان يلتفّ عليه.

في المقابل، لاقاه محمد رعد في جلسة الثقة في الحكومة الجديدة مؤكّدًا استعداد الحزب للحوار حول كل المسائل الخلافيّة مانحًا الثقة للحكومة، ومحمّلًا الدولة مسؤولية إعادة الإعمار على الرَّغم من أنّ “حرب الإسناد” هي ما تسبَّب ببقاء نحو أكثر من مئة ألف لبناني من دون سقف ومنزل.

أمّا ترْك إسرائيل خمس نقاط عسكرية في الجنوب، فيعطي حجّة للحزب كي يستمر في تبرير سلاحه، إلّا أنّ العزلة التي يعاني منها تضطرّه إلى ترك الأمر في عهدة الدولة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us