لبنان والسعودية: مسار جديد نحو رؤية استراتيجية مشتركة!


خاص 3 آذار, 2025

حرْص السعودية على مكانة لبنان وإشراك أنموذج العيش الواحد بين كافّة مكوّناته ضمن رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تجسّد بالزيارة التاريخية ولقاء المحبة والسلام بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وبين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في السعودية، في 14 تشرين الثاني 2017.

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

تُعدّ زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون إلى المملكة العربية السعودية محطّة مفصليّة في تاريخ العلاقات بين البلدين، تتجاوز زيارات العمل البروتوكولية، والمصالح المتبادلة بين الدول، وتجسّد تتويج إعادة إحياء الثوابت الوطنية التي أرساها اتفاق الطائف، وإبراز أهمّية عودة لبنان المتصالح مع محيطه العربي، لتطبيق الدستور أوّلًا، وتعزيز مشروع بناء دولة فاعلة، قادرة على لعب دورها الريادي بين الشرق والغرب، في لحظة إقليمية حرجة، تشهد إعادة رسم مصالح وحدود دول المنطقة.

من رحم المؤسسة العسكرية، ومن المناقبية والحكمة التي طبعت قيادته لها في أوج تغليب سلفه مشروع الدويْلة التدميري على حساب الدولة، ومحاولته إلصاق لبنان بحلفِ الأقليات؛ يحمل الرئيس جوزاف عون في جعبته إلى العالم، من بوّابة الرياض، إرثًا من النزاهة والانضباط، ورؤية واضحة لبناء دولة تحترم الدستور وتكرّس العيش المشترك، جسّدها في خطاب القسَم.
إرثٌ يُعدُّ بطبيعة الحال، من الركائز الأساسية التي تخوّل لبنان، حكومةً وشعبًا، التناغم مع رؤية المملكة وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في رسم وصناعة وتثبيت المصالح العربية المشتركة على المستويين الإقليمي والدولي.

تفعيل لبنان محركاته الديبلوماسية لفرض تطبيق قرارات مجلس الأمن الخاصة به، ولا سيما القرارين 1559 و1701، واتفاق وقف إطلاق النار بكافة مندرجاته، يتطلب بالتوازي جهدًا ونية صافية لردم الهوة مع دول مجلس التعاون الخليجي، تمهيدًا لرفع الحظر عن سفر مواطنيهم إلى لبنان، والمشاركة الفاعلة في عملية إعادة الإعمار.

وعلى الرَّغم من أهمية الاتفاقيات المعلّق توقيعها بين لبنان والسعودية (22 اتفاقية)، فإنّ كلفة العودة إلى الوضع المزري الذي ساد قبل تفرّد “حزب الله” وإقحام لبنان في حربٍ مدمِّرة، تتخطّى بأضعاف تبعات الاتفاقيات المعلّق توقيعها منذ التصاق المسؤولين اللبنانيين بمحور المقاومة وإيران. وهذا ما يؤكد حاجة لبنان الماسّة حاليًّا إلى ردم الهوة بينه وبين أشقائه العرب، تمهيدًا لرفع الحظر عن انخراطهم في مشروع إعادة إعمار لبنان، على مستويين:
الأول، في المنتديات الدولية، للخروج بموقف موحَّد من الصراع على فلسطين ومشاريع فرض السلام، والمشاركة السخيّة بالتوازي في المؤتمرات الدولية المرتقبة للدول المانحة من أجل إعادة إعمار لبنان.
الثاني، على المستوى الأهلي؛ عبْر رفع الحواجز أمام عودة المواطنين الخليجيين إلى لبنان، سواء كسواح أو مستثمرين، وإشراك اللبنانيين قولًا وفعلًا في رؤية السعودية الطموحة للشرق الأوسط.

وضمن هذا السّياق، يحلّ رئيس الجمهورية المسيحي الوحيد في العالم العربي، العماد جوزاف عون، ضيفًا ملكيًّا في حضرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تلبيةً لدعوة لم تبْخل بها المملكة يومًا على القادة اللبنانيين، تقديرًا للروابط التاريخية والرؤى المستقبلية التي تجمع البلدين. وتُعدّ الزيارة تقديريّة لشخص الرئيس، بعيدًا عن زيارات العمل والمصالح المشتركة المرتبطة بالحكومة وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

حاسمًا خياره وانتماءه العربي، النّابع من مقدمة الدستور واتفاق الطائف، يتوجّه الرئيس جوزاف عون إلى السعودية في 3 آذار 2025، بعد أن خصّصت المملكة سابقًا مكانة خاصة للرئيس كميل شمعون (1952-1958) في أوج الصراع العربي – العربي. فيما لم تدُم مفاعيل زيارة الرئيس ميشال عون مطلع عام 2017 إلى المملكة سوى بضعة أسابيع، وهو الذي بنى مشروعيته السياسية على رفض اتفاق الطائف عام 1989، ليعود لاحقًا ويلتحق بمحور المقاومة ويغطي تهديد إيران والحوثيين للسعودية.

حرْص السعودية على مكانة لبنان وإشراك أنموذج العيش الواحد بين كافّة مكوّناته ضمن رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تجسّد بالزيارة التاريخية ولقاء المحبة والسلام بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وبين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في المملكة العربية السعودية، في 14 تشرين الثاني 2017. وهذه الزيارة، وعلى الرَّغم من أهميتها، إلّا أنّ “الكسَل” وحسابات الأحزاب المسيحية الضيقة المنتشية يومها بالتسوية الرئاسية التي أوصلت مرشح “حزب الله” ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، فرملت تداعياتها ووقعها الإيجابي على لبنان.

اليوم، اللبنانيون أمام فرصة جديدة لإعادة ترميم وتوطيد العلاقات اللبنانية – السعودية والخليجية، من بوّابة رئاسة الجمهورية واندفاعة حكومة العهد الأولى برئاسة القاضي نواف سلام. فهل ينجح الرئيس العماد جوزاف عون خلال الزيارة التقديريّة لشخصه إلى المملكة، في ردم الهوّة بين البلدين، وتعبيد الطريق لانخراط السعودية قولًا وفعلًا في دعم مشروع إعادة إعمار لبنان، أسوةً بدعمها اللامتناهي للرئيس الشهيد رفيق الحريري بعد الحرب الأهلية وانسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000؟ أم أنّ الفساد السياسي والتحايل على تنفيذ القرارات الدولية والإصلاحات المطلوبة سيحكمان ويتحكمان بمستقبل لبنان واللبنانيين؟.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us