جوزاف عون اليوم في الرياض: أهلًا بالسعودية وداعًا إيران

جاهرت طهران بنقمتها على انقطاع شرايين العلاقات بينها وبين أهم ذراع للجمهورية الإسلامية خارجيًّا أي “الحزب”. وتساءلت صحيفة “كيهان” الناطقة بلسان المحافظين: “هل باتت مطارات بيروت ورياق وحامات تحت السلطة الأميركية… وأين أصوات “السياديين؟”. وقالت الصحيفة: “لا يمكن الخضوع للأوامر الأميركية – الإسرائيلية التي تؤدّي في نهاية المطاف الى الانتقاص من السيادة اللبنانية”.
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
أتت كلّ المعطيات التي مهّدت لزيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون الرّسمية الى الرياض، اليوم، لتؤكّد أنّ صفحةً جديدةً قد فُتِحَت في العلاقات الثنائية، وأُغْلِقَت صفحة أخرى بقيت مفتوحة منذ نهاية تشرين الأول عام 2016 تاريخ انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية ولغاية 9 كانون الثاني الماضي عندما جرى انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا عتيدًا للبنان. وتحمل الصفحة الجديدة عنوانًا رئيسيًا هو: أهلًا وسهلًا بعودة المملكة الى لبنان، بينما حملت الصفحة التي أغلقت في بداية العام الجاري أهلًا بإيران في لبنان.
بقي لبنان على امتداد اكثر من 7 أعوام يدور في فلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ وصول ميشال عون الى قصر بعبدا. وتشرح وقائع مرحلة رئاسة ميشال عون كيف جرى ترحيل الحضور السعودي في هذا البلد بشكل لا سابق له منذ تأسيس المملكة بعد الحرب العالمية الأولى. وتولّى “حزب الله” بزعامة حسن نصر الله مهمة إبعاد السعودية عن لبنان كي تهيمن إيران على المشهد العامّ هنا.
وبدأت بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي مُنَيَ فيها “حزب الله” بخسائر هائلة مرحلة أفول النّفوذ الإيراني. وظهرت أوضح معالم هذا الأفول انتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيسًا للجمهورية بعدما كان “حزب الله” والمحور الذي يقوده يمانع بشكل مطلق وصوله الى قصر بعبدا. وأتت التطورات الميدانية منذ أيلول الماضي لتقلب الأمور رأسًا على عقب. وانفتحت فجأة الأبواب امام كتلة نيابية وازنة أوصلت خيارها الرّئاسي الى نهايته بنجاح. وكرّت بعد ذلك سبحة التغيير ما سمح أيضًا بتكليف القاضي نواف سلام تشكيل حكومة العهد الأولى والتي ابصرت النور الأسبوع الماضي.
عادت السعودية الى لبنان ورحلت ايران عنه. وسجّل معالم هذا التطور التاريخي الرئيس عون نفسه عشية رحلته الى المملكة والتي هي أوّل زيارة خارجية له كرئيس للجمهورية. فهو سُئِلَ عن الموقف الذي أعلنه يوم تشييع نصر الله والسيد هاشم صفي الدين في 23 شباط الماضي أمام الوفد الإيراني الرسمي برئاسة رئيس مجلس الشوري الإيراني محمد باقر قاليباف من أن لبنان صار يرفض من الآن فصاعدًا “حروب الآخرين” على أرضه وأن لبنان قدَّم ما فيه الكفاية للقضية الفلسطينية، فاجاب :”نحن نسعى إلى أن تكون كل علاقاتنا مع كل الدول من الندّ للندّ، وفقًا للاحترام المتبادل. وليست علاقة دولة مع فريق من السياسيين أو فريق من اللبنانيين”.
في المقابل، أعاد رئيس الجمهورية الاعتبار الى “العلاقة القديمة بين السعودية ولبنان من أيام الملك المؤسِّس (عبد العزيز آل سعود). وكذلك علاقته الأدبية مع الأديب الكبير أمين الريحاني. ومنذ فترة صار الاحتفال بالذكرى المئوية للريحاني (في الرياض). وثانيًا: علاقة المؤسِّس مع البطريركية المارونية. فالعلاقة التاريخية هي الأساس”.
وتلفت وكالة “دويتشه فيله” الألمانية الى أنّ عودة التقارب بين بيروت والرياض “تأتي بعد توتر شديد ساد العلاقات بين البلدين إثر تصريحات عدد من المسؤولين اللبنانيين، الأمر الذي وعد الرئيس اللبناني بأنّه لن يتكرّر وبأنّ لبنان لن يكون منطلقًا لأي هجوم على السعودية أو قادتها سواء في الإعلام أو وسائل التواصل وأن الأمر سيشمل الدول العربية”.
ويرى ديفيد وود، المحلّل الأول للشؤون اللبنانية في مجموعة الأزمات الدولية، في تصريح للوكالة الألمانية، أنّ زيارة الرئيس اللبناني للسعودية ذات دلالات متعدّدة وهي خطوة كبيرة نحو تطوير العلاقات والتي تضرّرت بعد تصريحات بعض المسؤولين اللبنانيين السابقين بخصوص الحرب في اليمن، ما جعل السعودية – وحتّى حلفاءها – يقلّصون بشكل كبير العلاقات الديبلوماسية مع لبنان.
وأشار وود إلى أن “أحد العوامل وربما أهمها هو أنّ “حزب الله” كان هو الجماعة الأكثر نفوذًا في البلاد، و نظرًا لنفوذ “حزب الله” داخل البلاد فإنّ السعودية لم تعدْ ترغب في إعطاء الأولوية للبنان من ناحية الدّعم وحولت اهتمامها إلى دول أخرى”.
واعرب الخبير نفسه عن اعتقاده بأنّ لدى لبنان “فرصة الآن بوجود دولة قوية كالسعودية لديها أموال ونفوذ وتقول إنّها مستعدة للمساعدة إذا أظهر لبنان أنه يريد أن يساعد نفسه أيضًا”.
وفي السياق نفسِه، بات مطار بيروت الذي غادر الرئيس جوزاف عون عبره لبنان الى المملكة العربية السعودية مثالًا على أنّ الزمن الإيراني في هذا البلد قد ولّى. وأثبتت ذلك وقائع العملية الجمركية الأخيرة في المطار ما أدى الى احتجاز مبلغ 2.5 مليوني دولار، بحوزة أحد الأشخاص، الذي وصل إلى مطار بيروت، قادمًا من تركيا. وقالت ثلاثة مصادر لوكالة “رويترز” إنّ هذه الأموال كانت موجهة إلى “حزب الله “. وقال أحد هذه المصادر للوكالة: “إن هذه هي المرة الأولى يتم اكتشاف هذا المبلغ الكبير في مطار بيروت”.
وجاهرت طهران بنقمتها على انقطاع شرايين العلاقات بينها وبين أهم ذراع للجمهورية الإسلامية خارجيًّا أي “حزب الله”. وتساءلت صحيفة “كيهان” الناطقة بلسان المحافظين: “هل باتت مطارات بيروت ورياق وحامات تحت السلطة الأميركية… وأين أصوات “السياديين؟”.
وقالت الصحيفة: “لا يمكن الخضوع للأوامر الأميركية – الإسرائيلية التي تؤدّي في نهاية المطاف الى الانتقاص من السيادة اللبنانية، كذلك ستُفرض على الحكومة اللبنانية القرارات التي يمليها الثنائي الأميركي – الإسرائيلي باستمرار، وستمنع اللبنانيين من القيام بما يريدونه، أو ما يتوقون إليه”.
ويتساءل المرء عمّا يريد اللبنانيون القيام به، كما تشير صحيفة النظام الإيراني؟ بالتأكيد انهم يريدون القيام بكل شيء يختلف عما كان يحصل في الزمن الإيراني والذي أغلقت نوافذه في مطار بيروت وفي كل لبنان. وفي الوقت نفسِه انفتحت نوافذ العالم قاطبة وفي مقدمها السعودية على “بلاد الأرز”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() شيعة لبنان وعلويو سوريا | ![]() الدولة فازت في مباراة تشييع نصر الله | ![]() هل يتحوّل “الحزب” الى NGO؟! |