رسائل العهد تتوالى… لبنان خرج من محور الممانعة إلى الحضن العربي

لبنان المحكوم من إيران ولّى زمنه، ولم يعد هناك أي مكان للهيْمنة والاحتلال، لأنّ المرحلة الجديدة في طريقها لعبور لبنان وتحويله الى وطن مستقل وحرّ. وما أعلنه رئيس الجمهورية عَكَسَ سياسة العهد الجديد، فلبنان لن يكون بعد اليوم ساحة صراع لحروب الآخرين، بل عاد الى قواعده العربية سالمًا، مع الانفتاح الكبير على الدول الصّديقة والمجتمع الدولي، لأنّ مسار الدولة القوية قادم حتى ولو طال الوقت.
كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:
لم يأتِ اختيار رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون للمملكة العربية السعودية، كي تكون وجهته الاولى من عدم ، بل من إيمانه بدورِها التاريخي في مساعدة لبنان كلّما عصفت فيه المصاعب، فكانت الاوْلى في المساندة والإنقاذ، لا كغيرها التي وضعته في أتون النيران وجعلته ساحة تصفية لحساباتها، ولشنّ الحروب العبثية والخاسرة على أراضيه، وتدفيعه الأثمان الباهظة والإطاحة به من كل الجوانب، على أيدي فريق الداخل الموالي لها ولمحور الممانعة، الذي جعل من لبنان “كبش محرقة” ومنصّة لإطلاق الرسائل النارية في كل الاتجاهات، عبر الحزب الموالي لإيران أي “حزب الله”، الذي يتبجّح بولائه للمحور الايراني المتحكّم بلبنان، عبْر فرض أوامره وشروطه من دون ان يتصدّى له أحد على مدى عقود من الزمن، خصوصًا العهد السابق الذي فتح له أبواب الولاء على مصراعيْها، من أجل مصالحه الخاصّة فقط.
اليوم ومع انطلاقة العهد الجديد المتمثل بالرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام، انقلب الوضع رأسًا على عقب، ليبدأ المحور الإيراني وتوابعه بالمغادرة تباعًا، وصولًا لعودة لبنان إلى موقعه الصحيح اي الحضن العربي، وخصوصًا دول الخليج التي لطالما وقفت الى جانبه في كلّ المحن والحروب، وفتحت أبوابها للبنانيين النازحين بهدف العمل والاستقرار على اراضيها.
هذه الصورة التي انتظرها اللبنانيون بدأت تتبلْور مع وصول رئيس الجمهورية إلى قصر بعبدا، مُطْلِقًا خطاب القسَم الواعد ببناء لبنان الضامن للسيادة والحرية والاستقلال، وسيطرة الشرعية على كامل الاراضي اللبنانية، واحتكار الدولة فقط للسلاح، في إشارة مباشِرة لسلاح حزب الله، ووضع حدّ لسطوة الدويْلة وتقليص أي نفوذ خارجي، والتزام لبنان بسياسة الحياد الايجابي، بعيدًا عن سياسة المحاور الإقليمية، ومع وعود بتطبيق الاصلاحات وإنهاء حقبة الفاسدين، لخلق وطن جديد لطالما انتظره اللبنانيون.
هذا الخطاب بدأ يتظهَّر في مواقف الرئيس عون، بدءًا بإعطاء الاوامر لفرض الامن في مطار رفيق الحريري الدولي، وعودته الى حضن الدولة ودخولها الى الاماكن التي كانت محرّمة عليها، وصولًا الى إطلاق المواقف السياسية المشرّفة، وهذا ما شهدناه في 23 شباط الماضي خلال استقبال الرئيس عون رئيس مجلس الشورى الايراني محمد باقر قاليباف والوفد المرافِق، بالتّزامن مع يوم تشييع الامينيْن العاميْن السابقيْن لحزب الله حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، فكانت المفاجأة الكبرى التي قلبت وضع قاليباف وجمهوريته رأسًا على عقب.
قالها الرئيس بالفم الملآن: “لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه، ودفع أثمانًا باهظة في دعم القضية الفلسطينية، وهو ملتزم بقرارات قمّة الرياض الداعية لحلّ القضية الفلسطينية على اساس إقامة الدولتيْن، ويؤيّد عدم التدخل في شؤون الدول الاخرى”، هذه العبارات لم يهضمها الزائر الايراني، ولا الفريق الممانع التابع له صاحب كلمات الصمود والتصدّي، والى ما هنالك من عبارات باتت بائدة، ولم تعد تتماشى مع التغيّرات في لبنان والمنطقة.
وعلى خط مقابل، أشار رئيس الجمهورية قبل يومين خلال حديث صحافي، إلى انّ السّعودية صارت منصّة للسلام العالمي، وآمل وأنتظر من السعودية وخصوصًا من وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، أن نصوّب العلاقة لمصلحة البلدين، ونزيل كل العوائق التي كانت في الماضي القريب. كما أطلق” لطشة” جديدة الى طهران قائلًا: “نسعى كي تكون علاقاتنا مع كلّ الدول من الندّ للندّ، وليست علاقة دولة مع فريق من السياسيين أو فريق من اللبنانيين، ويجب أن تكون الصداقة الإيرانية مع كل اللبنانيّين تحت قاعدة الاحترام المتبادل”.
ويوم أمس، أكد انّ زيارته الى الرياض كانت فرصةً لتأكيد عمق العلاقات اللبنانية – السعودية، وهي مناسبة أيضًا للإعراب عن تقدير لبنان للدور الذي تلعبه المملكة في دعم واستقرار لبنان، وسلامته وانتظام عمل المؤسَّسات الدستورية فيه.
هذه الرسائل أصابت كل الاتجاهات، وعلى السّامع ان يُدرك محتواها ويفهم العنوان جيدًا، فلبنان المحكوم من ايران ولّى زمنه، ولم يعد هناك أي مكان للهيْمنة والاحتلال، لأنّ المرحلة الجديدة في طريقها لعبور لبنان وتحويله الى وطن مستقل وحرّ، وما أعلنه الرئيس عَكَسَ سياسة العهد الجديد، فلبنان لن يكون بعد اليوم ساحة صراع لحروب الآخرين، بل عاد إلى قواعده العربية سالمًا، مع الانفتاح الكبير على الدول الصّديقة والمجتمع الدولي، لأنّ مسار الدولة القوية قادم حتى ولو طال الوقت.